 |
| اسحاق او اسماعيل |
ملاحظة
قبل أن نترك هذا الموضوع المتعلق بالنبي إسحاق عليه السلام، تجدر بنا الإشارة إلى توضيح التناقض بين الدور الرسالي الذي أداه هذا النبي كاملا ضمن حدود الأمم المحاذية لفلسطين، و دور أخيه سيدنا إسماعيل في أراضي الحجاز و ما جاورها
:اغتصاب النبوة من سيدنا إسماعيل و منحها لسيدنا إسحاق
من خلال قراءتنا لنصوص التوراة من الكتاب المقدس. يسجل لنا هذا الكتاب، فرية أخرى محكمة الاختلاق، القصد منها، المفاضلة بين سيدنا إسماعيل، و أخيه سيدنا إسحاق.
فيقول: إن إسحاق هو الذبيح المنتقى الذي اختاره الرب لحمل الرسالة النقية للبشر، بغية بناء حضارة إسرائيل فيما بعد على أرض فلسطين. و أن إسماعيل ليس نبيا و لا دور له في إطار التبليغ. فيقول الله لسيدنا براهيم مؤكدا على ذلك : يا إبراهيم ! خذ ابنك وحيدك ، الذي تحبهُ، إسحاق واذهب إلى أرض المُريّا وأصعدهُ، هُناك محرقة على أحد الجبال ورتب الحطب. وربط إسحاق ابنه ووضعه فوق الحطب. ثم مد إبراهيم يدهُ وأخذ السكين ليذبح ابنه. فناداه ملاك الرب من السماء وقال إبراهيم، إبراهيم لا تمد يدك إلى الغلام، لأني الآن علمت أنك خائف الله فلم تُمسك ابنك وحيدك. فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه مربوط في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش عوضا عن ابنه.1انتهى النص. هذا هو الكتاب المقدس الذي صور إسماعيل وحشا، ابن أمة، و إسحاق وديعا، ابن حرة.
لقد أبتغى اليهود و النصارى من خلال نصوص التوراة الكثيرة المحرفة، الإساءة إلى إسماعيل و العرب، و الحط من آدميتهم أمام العالم بتزوير الحقائق التاريخية، لكي تتجانس مع أفكارهم الدفينة في أعماق نفوسهم ، و تتماشى مع أطماعهم التوسعية، ومخططاتهم الاستعمارية، و إيديولوجيا العنصرية، المعروفة منذ القدم إلى الآن. و قبل هذا ألا نتصور بشاعة الافتراء على الله عز و جل، و تزوير التاريخ البشري، ليتسنى لهذا القوم إقناع الأمم على أنهم صفوة البشرية، و شعب الله المختار. يقول بولص الذي يدعي الرسولية، رفيق برنابا كاتب الإنجيل الخامس، في إحدى رسائله: فإنه مكتوب أنه كان لإبراهيم ابنان، واحد من الجارية والأخر من الحرة. الولدُ للعبودية، التي هي هاجرُ.وأما نحن أيها الإخوة فنظير إسحاق ، أولاد الموعد. ولكن ماذا يقول الكتاب؟ اطرد الجارية وابنها، لأنهُ لا يرثَ ابنُ الجارية مع ابن الحرة. إذن أيها الإخوة لسنا أولاد جارية، بل أولاد الحرة.2 . انتهى النص. بهذه الطريقة و غيرها، تم اغتصاب النبوة من سيدنا إسماعيل، و تركها لإسحاق فقط، باعتبار أنه ينحدر من سلالة سارة الحرة، و ليس من سلالة هاجر الأمة
ملاحظة هامة
لقد أثرت هذه النصوص التوراتية على اليهود، إلى غاية زمن بعثة النبي محمد رسول الله عليه الصلاة و السلام. فكان أحبار اليهود و عامتهم يعلمون أن محمدا نبي الله المبعوث للعالمين، ولكنهم لما عرفوا أن نسبه ينحدر من ذرية إسماعيل، جحدوا و اعرضوا و أبوا الاعتراف به و بدينه واستكبروا استكبارا. قال الزبير بن باطا الشيخ الضرير الكبير الطاعن في السن، ينصح اليهود الذين قرروا محاربة محمد. يقول: قد قرأت التوراة التي أنزلها الله في أسفارنا، بأنه يبعث نبيا في آخر الزمان، يكون مخرجه بمكة، ومهاجره في هذه البحيرة، يركب الحمار العري، ويلبس الشملة، ويجتزئ بالكسيرات والتميرات، وهو الضحوك القتال، في عينيه الحمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر. فإن كان هذا هو فلا يهولنه هؤلاء وجمعهم، ولو ناوى على هذه الجبال الرواسي لغلبها.3 انتهى النص.
لكن هيهات أن ينصاع اليهود للنصيحة. فقال اليهودي "حيي بن اخطب" زمن الرسول محمد عليه السلام: ليس هذا ذاك. ذلك النبي من بني إسرائيل، وهذا من العرب من ولد سيدنا إسماعيل، ولا يكونوا بني إسرائيل أتباعا لولد إسماعيل أبدا، لان الله قد فضلهم على الناس جميعا، وجعل منهم النبوة والملك.4..
لقد فقد بنو إسرائيل، كما نلاحظ من هذا النص، القدرة على إدراك فضائل العقل، و مزاياه العديدة، التي سخرها الله في إنارة دروب حياة الاستقامة و السداد، للبشرية قاطبة، لا الطيش و الغفلة و الغباوة، و الانسياق الأعمى الضال، وراء الافتراءات الملفقة الباطلة، والمنمقة بإحكام في نصوص كتابهم المقدس.
قال "علي الوردي" كلما ازداد الإنسان غباوة، ازداد يقينا بأنه أفضل من غيره في كل شيء.5
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- سفر التكوين 22.
- القديس بولص : بولص الطرسوسي، نسبة إلى بلده. إنه شخصية تاريخية مسيحية بعد يسوع المسيح.
- الزبير بن باطا : شيخ ضرير من قبيلة بني قريظة اليهودية.
- حيي بن أخطب: من سادة قبيلة بني قريظة اليهودية. هو الذي نقض العهد بينه و بين الرسول في غزوة الخندق. المتمثل في الدفاع المشترك عن المدينة المنورة.
- علي الوردي: عالم اجتماعي عراقي و أستاذ مؤرخ.