recent
أخبار ساخنة

كيف تعرض بنو إسرائيل إلى الانقسام الغزو و السبي الخارجي

أستاَََد أفغول عبد القادلر
الصفحة الرئيسية


تعرض مملكة بني إسرائيل إلى الانقسام.
 مملكة بني إسرائيل 






أهم الدويلات اليهودية بعد انقسام المملكة


دولة اسرائيل ظهرت ما بين سنة 923-721 بل الميلاد  تقع هذه الدولة في الجزء الشمالي من "كنعان". بايعت القبيلة المنتمية إلى "افرائيم" من قبائل بني إسرائيل، "يربعام بن نباط ملكا على القسم الشمالي". تعاقب عل حكمها "تسعة عشر ملكا"، من تسع قبائل من بني إسرائيل. عاصمتها "السامرة "التي بناها "الملك عمري" و جعلها عاصمة له. 


 يعد هذا الملك الذي حكم البلاد ما بين 885ـ 874 قبل الميلاد، من أشهر حكام بني إسرائيل. جاء بعد ذلك "الملك آخاب" الذي امتد حكمه 874ـ 852 قبل الميلاد. سمح هذا الملك اليهودي المارق عن الدين، لزوجته "إزابيل بنت ملك صور و صيدا بمنطقة لبنان" آنذاك، بفرض العقيدة الوثنية المتبعة في الدولة "الفينيقية"، والمتمثلة في عبادة "بعل".


 يعود تهور آخاب في اتخاذ هذه المبادرة الوقحة في حق ديانة التوحيد في نظرنا، إلى فقدان هذه الدولة مركز ديني قوي و مؤسسة جديرة بالمحافظة على وحدة بني إسرائيل الدينية ، كما هو الشأن في دولة الجنوب حيث مدينة "القدس" التي يتردد عليها الناس لممارسة طقوسهم الدينية، فتثير في نفوسهم على الدوام الوازع الديني، و تقوي في قلوبهم الإيمان بعقيدة أبائهم، دين التوحيد، فتسللت عندئذ إلي هذه المملكة المعتقدات الوثنية، خاصة عبادة بعل. 


لقد أثار هذا الغزو الديني الغريب استياء ضباط بني إسرائيل كثيرا و تذمرهم من هذا الملك ، فدفعهم في الأخير إلى تنظيم ثورة عارمة، بقيادة الضابط "ياهو" الذي أطاح بحكم آخاب نهائيا، و أعاد عبادة "يهوه" إلى المجتمع من جديد. 





في عهد يربعام الثاني 785ـ 774 قبل الميلاد. توسعت البلاد من الجهة الشمالية على حساب الدولة "الآرامية "من جديد، لكن ذلك لم يدم طويلا، حيث ظهر" الملك الأشوري جيلات بلسر الثالث" 745ـ 727  قبل الميلاد الذي وضع حدا لهذا التوسع. ثم قام خليفته" شلمنصر الخامس" و من بعده " سرجون الثاني"، بدحر آخر الملك من ملوك بني إسرائيل، و القضاء على دولته نهائيا سنة 721قبل الميلاد.


 منذ ذلك الوقت شرع "الآشوريون" بسبي سكان بني إسرائيل و نقلهم إلى "حران وخابور و كردستان و فارس"، و استبدلوا شعبهم بشعوب آرامية مجاورة لبلادهم. دام وجود دولة إسرائيل "قرنين"  من الزمن. سقطت في الأخير على يد الآشوريين" Assyriens"  سنة 722قبل الميلاد. وأصبحت مقاطعة آشورية، و اندمج بنو إسرائيل كلية في المجتمع الآشوري.



   دولة يهودا في الجنوب  ظهرت ما بين 923ـ 586 قبل الميلاد.


 تقع هذه الدولة في القسم الجنوبي، سميت بهذا الاسم، نسبة إلى أحد أبناء  سيدنا يعقوب، حكمها" رحبعام من 915ـ 523 قبل الميلاد". و هو ابن سيدنا سليمان و أمه "نعمى العمونية"، و هو من أبناء الأسباط العشرة، الذين عرفوا بالأسباط المفقودة. عاصمتها أورشليم القدس حاليا. 


كانت أكثر استقرارا من مملكة الشمال، لصغر مساحتها و ضعف اقتصادها، و قلة أهميتها التجارية. توالى على عرشها "تسعة عشر ملكا من ذرية سيدنا سليمان". دام وجودها قرن و ثلث من الزمن. انتشرت فيها عبادة الأوثان، و فسدت أخلاق بني إسرائيل بشيوع ظاهرة "اللواط"، و ظلت الأخلاق فاسدة حتى أيام الملك إبيام سنة 913 قبل الميلاد


يذكر أن" الملك يوحاز بن يوتام"  735ـ 715 قبل الميلاد.تعلق قلبه بحب عبادة الأوثان إلى درجة أنه ضحى بأولاده على مذابح الآلهة الوثنية، و انغمس بعد ذلك في المجون و العهر و الضلال ثم الاستبداد و الظلم. جاء "الملك منسي بن حزقيال" إلى الحكم من 687 إلى 642 قبل الميلاد


فواظب على مواصلة تضليل قومه و منعهم عن عبادة الله الواحد القهار، أثناء حكمه لهم، و اجتهد في إقامة المعابد الوثنية، و حث الناس على ممارسة عبادة الأصنام. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجرأ هذا القوم على قتل الأنبياء الداعين إلى الحق و العدل و الأخلاق الفاضلة.


 قتل" النبي حزقيال" على يد قاض من قضاتهم، و هذا لمنعه من إسداء المواعظ، و تحذير الناس من سوء ما يقومون به من منكرات، تشمئز لها النفوس. قتل "النبي أشعيا "على يد" الملك منسي بن حزقيال"، و نشر على جذر شجرة، جزاء لما كان يقوم به من مواعظ و إرشادات و نصائح، لتطهير النفوس من الشرك و الضلال. قتل "النبي ارميا" رجما بالحجارة لاجتهاده في محاربة المنكرات. 



كان بين الدولتين يهوذا و إسرائيل، حروب طاحنة كثيرة جدا، و اعتداءات دموية متكررة، و استشرى فيها الفساد، و عمت الانحرافات، و ظهرت فيها الفواحش، و ساءت الأخلاق إلى درجة، أن شعبها ارتد عن دين أبائه، و اعتنق عبادة الأوثان Idolâtre. كما بينا سابقا. ظل الحال على هذا المنوال فترة طويلة من الزمان، إلى أن سقطت في قبضة الغزاة.  على يد "البابليين Babyloniensسنة 587: قبل الميلاد. 



أحوال بني إسرائيل أثناء فترة الغزو و السبي.


سقطت دولة الشمال على يد" سرجون الآشوري" كما أسلفنا، و جرى لشعبها السبي الكامل نحو بلاد "العراق"، و مع مرور الزمان، ذاب هذا الشعب المأسور الذليل كلية في كيان الدولة الآشورية الغازية، فاعتنق دينها و تشبع بثقافتها و تمسك بأعرافها. كما لقي شعب دولة الجنوب نفس المصير، حيث تعرض للغزو "المصري سنة 920 قبل الميلاد"، أثناء حكم" الملك شيشنيق"، مؤسس الأسرة الثانية و العشرين في أواخر القرن العاشر قبل الميلاد.

 ثم تعرض إلى السبي من جديد نحو العراق، بعد قرن و نصف من الزمان، من قبل "نبوخذ نصر البابلي". ففي عهد "الملك يهوياقيم بن يوشيا"، هزم" بختنصر البابلي الجيش المصري" في شمال سوريا و واصل زحفه إلى أن دخل القدس و أخضع ملكها و أذله، و صارت المنطقة تحت نفوذه. أراد الملك يهوياقيم الثورة على البابليين المحتلين إلا أنه فشل و قبض عليه بختنصر البابلي و قيده بسلاسل نحاسية إلى غاية وفاته.

 أما عهد "الملك يهوياكين "598 ـ 597قبل الميلاد حاصر بختنصر القدس من جديد، و أخذ ملكها و أفراد عائلته و رؤساء اليهود و حوالي عشرة آلاف من سكانها و يسمى بالسبي الأول، و بعض ذخائر الهيكل الثمينة إلى بابل. عين بختنصر البابلي صدقيا بن يوشيا اليهودي597 ـ 586 قبل الميلاد على هذه المقاطعة، بعد أن أقسم له يمين بالولاء و الطاعة، غير أن صدقيا ثار على البابليين من جديد، ما أدى بالبابليين إلى محاصرة القدس يوما، و أخذها بعد ذلك و صار صدقيا أسيرا، سيق إلى بابل و قتل مع أبنائه جميعا، و خربت القدس، و دمر الهيكل، و نهبت الخزائن و الثروات، و سيق نحو بابل حوالي أربعون ألف من اليهود، و يسمى هذا "بالسبي الثاني"

و فر الباقي إلى مصر مع النبي إرميا. كانت نهاية دولة يهوذا على يد البابليين سنة 586قبل الميلاد. دمرت هذه الدولة نهائيا من قبل البابليين الغزاة. بيد أن شعب الجنوب هذا استطاع، رغم طول البعاد عن البلاد، وظروف السبي المهينة، من الحفاظ على كيانه الذاتي المستقل في الدولة البابلية، و التف حول نبيه حزقيال، و استفاد كثيرا من نتاج الحضارة البابلية، سنرى ذلك فيما بعد. فلم يندثر إذن و لم يذب في قوميات و أجناس متواجدة في هذه الدولة، على عكس ما حدث لشعب الشمال.



 إن المعاناة و المحن التي قاس منها بنو إسرائيل، و التفرقة التي طالتهم سنون طوال، يرجعها "تلمود" و هو الكتاب المقدس الثاني، و بعض الأنبياء مثل" أراميا و حزقيال من اليهود"، فيما يلي: عندما بلغت ذنوب بني إسرائيل ما بلغت، و فاقت حدود ما يطيقه الإله الأعظم، و عندما رفضوا أن ينصتوا لكلمات و تحذيرات أراميا، و القول موجه إلى نبو خذ نصر. لا تظن بقوتك وحدها، أنك استطعت أن تتغلب على شعب الرب المختار. إنها ذنوبهم الفاجرة التي أسقطتهم إلى هذا العذاب1. 



وتشير التوراة إلى نفس فحوى المعاني التي تضمنها تلمود. فتقول على لسان "إشعيا" أحد أنبياء بني إسرائيل: ويل للأمة الخاطئة، الشعب الثقيل الآثم، نسل فاعلي الشر، أولاد مفسدين تركوا الرب، استهانوا بقدوس إسرائيل، ارتدوا إلى وراء.2  وتقول كذلك: والأرض تدنست تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع، غيروا الفريضة، نكثوا العهد الأبدي3.



و لخص "جوستاف لوبون" هذه الأفعال الفاجرة، أو الفواحش في: زنا المحارم، اللواط و المساحقة، و مواقعة البهائم، و خلط أفضع الملذات بالطقوس الدينية. هذه الفضائح الأخلاقية التي انتشرت بين الشخصيات و عامة الناس ، جعلت النبي أراميا يثور على هذه الأوضاع التي آل إليها هذا الشعب، و يصف المنغمسين فيها بالكفار، و ينبه بشدة، إلى عدم عصيان الدولة البابلية، و نكث العهد معها، و العودة إلى دين الآباء دين التوحيد 4.



عاد هذا الشعب إلى فلسطين بعد 70عاما من الاضطهاد و الأسر و الغربة. تمت العودة إلى البلاد فلسطين ، بعد أن سمح الملك الفارسي" قورش الأخميني" لهم بذلك، على إثر انتصاره على البابليين سنة 538 قبل الميلاد. لكن الغالبية منهم فضلوا البقاء في الدولة البابلية على العودة إلى بلاد كنعان. 

لقد لقي بنو إسرائيل من الفرس المنتصرين، معاملة إنسانية حسنة لأنهم كانوا في الأساس أعداء للبابليين و شاركوا مشاركة فعالة إلى جانبهم في دحر الدولة البابلية. و نالوا في بلاد الفرس مناصب حساسة في الحكم و الإدارة. و غدت دولة يهوذا ولاية تابعة للفرس في فلسطين حتى 332 قبل الميلاد.


 شعب يهوذا الجنوبي هو من تبقى من نسل سيدنا يعقوب عليه السلام، بعد أحداث السبي المروعة. و هو الذي قام نبيه "عزرا Ezra le scribe" و الكهنة في القرن الخامس قبل الميلاد. بجمع و كتابة التوراة بأسفارها الخمسة التي كانت تتناقل شفاهيا بين الأجيال، خدمة لمستقبلهم. تم ذلك تحت إشراف المجلس الديني الأعلى المكون من مائة و عشرين شخصية، و كان من أهمها " نحميا دانيال حجاي زكريا ملاخي مرودخاي". استمرت عملية الجمع و التدوين بعد "عزرا".


 و كانت المحطة الأولى في تدوين الكتاب المقدس و تلمود بأقسامه" المشناه و الجماراه"  في بابل و باللغة الآرامية التي فضلها اليهود عن لغتهم العبرية، نتيجة تأثرهم بثقافة الشعب البابلي، و كانت أثار حضارات منطقة الشرق الأدنى المتمثلة في حضارة "السومريين و الآشوريين و البابليين و الفرس و اليونان"، واضحة على هذه الكتب المقدسة، في الآداب و الفنون و التاريخ و القصص و الفكر و الفلسفة ، خاصة في مفهوم الحياة و الموت و الكون، الثواب و العقاب، و التنبؤات الغيبية، و الملاحم البطولية و الشعرية. لقد أسهمت دولة بابل في توفير الظروف الاجتماعية و الفكرية الملائمة لكتابة العهد القديم، وظهور الديانة اليهودية المعروفة الآن.



 استوجب على بني إسرائيل، بعد تحررهم من أغلال الأسر، وذل السبي، أن يتحالفوا مع غيرهم من سكان المناطق المحاذية لهم للحصول على قوة تقيهم من ضربات العدو من الخارج، و تعطي لليهودية صدى و اتساعا في منطقة الشرق الأدنى. تشكلت الجماعة اليهودية إذن، من اتحادات عشائرية عديدة، فهي ليست من نسل واحد كما تزعم الرواية التوراتية.

 إن معظمها تكون على إثر الاضطرابات التي عرفتها فلسطين في أعقاب التراجع المصري. رأت هذه الجماعات المتعددة الأجناس، و القوميات، و الأعراق، أن من الضروري لمواجهة هذه الأخطار الخارجية، التي تهدد أمن و استقرار المنطقة، الشروع في تكوين تحالفات فيما بينها، هذه التحالفات التي تطورت فيما بعد، إلى مجتمع يربط جميع أفراده وشائج النسب، و المصاهرة.

 كما يحدث عادة في التحالفات العشائرية عند شعوب أخرى. بهذه الكيفية توسع المجتمع ليتشكل منه الدولة اليهودية. بذلك بدأت اليهودية تنتشر بين من هم من غير بني إسرائيل. و استمر الوضع على هذه الحال إلى أن جاء دور اليونان في المنطقة كلها.





ــــــــــــــــــــــــــــــ 
  1. تلمود.
  2.  سفر اشعيا الإصحاح 1. 
  3. سفر اشعيا الإصحاح 24.
  4.  جوستاف لوبون Gustave Le Bon 1841 ـ 1931 طبيب فرنسي و عالم في الأنثروبولوجيا و علم النفس الاجتماعي .













كيف تعرض بنو إسرائيل إلى الانقسام الغزو و السبي الخارجي
أستاَََد أفغول عبد القادلر

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent