recent
أخبار ساخنة

من الديانة النصرانية إلى عقيدة المسيحية

أستاَََد أفغول عبد القادلر
الصفحة الرئيسية





من الديانة النصرانية إلى عقيدة المسيحية
الديانة المسيحية


الديانة المسيحية.



الديانة المسيحية هي ما تعتقده اليوم، نسبة هامة جدا من سكان المعمورة من تعاليم جاء بها المسيح عيسى عن طريق الوحي الإلهي. فهي معصومة و مقدسة لا يمكن نقضها أو المجادلة فيها، إنها تعاليم مسلم بها تسليما كاملا كونها لا تنطق إلا بالحقيقة التي لا يدركها العقل البشري الموصوف بالمحدودية و القصور، إنها من وحي السماء، إنها المعرفة التي على البشر التسليم بها بالقلب أي بالإيمان، و على الأتباع الإيمان بها إيمان ثابت دون تردد، لأن الله الذي أوحى إلى المسيح عيسى لا يخطئ و لا يجر الناس إلى الخطأ. إنها تسعى إلى تنظيم حياة المؤمنين بها، الحياة الروحية و المادية معا.


 فهي تشعر المرء بالطمأنينة و السعادة الروحية، و حاجة المؤمن الدائمة إلى الرب الواحد. و تطهر عقله من الأوهام و الأفكار التي تزكي الشكوك و الريب في نفسه. تلك هي حسب الكنائس مفهوم العقيدة المسيحية. من هنا ندرك أن العقل لا دور له فالوحي هو الذي يتولى هذا الدور، و هو مصدر المعرفة التي تتماشى مع فترة العبد. و منح الباباوات على هذا الأساس، العصمة من الخطأ كونهم ينفذون هذه التعاليم للبشر. 


يقول مينيوت : العقيدة في حد ذاتها أعجوبة غير قابلة للتصديق إنها شيء مرعب إنها تقتضي إذلال العقل و خضوعه لما لا يمكن فهمه إنها يترتب عليها من الآثار الروحية و الأخلاقية ما قد لا يمكن في الإستطاعة إختراعه.


  لكن الإيمان عند المسلمين يقتضي التسليم بالدين كله دون إهمال التأمل الفكري و إمعان العقل لدى البشر. يقول الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ 1 . و يتضمن القرآن العديد من الآيات التي تشرف العقل البشري، و تشجعه على التأمل و البحث في الكون، و ما يحتويه من خلائق دقيقة و عظيمة. 





لقد نشأت المسيحية في بيئة فلسطينية، كعقيدة دينية جديدة، و التي هي في الأصل إمتداد للعقيدة اليهودية الموسوية و شريعتها، المنبثقة كلها من عقيدة أباء عيسى عليه السلام، إبراهيم و إسحاق و يعقوب عليهم السلام و مكملة لها، و يصرح عيسى المسيح بذلك فيقول: لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة. وقد ورد في إنجيل متى. 2 . ما يلي: ثم خرج يسوع من هناك و إنصرف إلى نواحي صور و صيدا 22 و إذا إمرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة إرحمني يا سيد بن داود إبنتي مجنونة جدا 23 فلم يجبها بكلمة فتقدم تلاميذه و طالبوا إليه قائلين إصرفها إنها تصيح وراءنا 24 فأجاب و قال لم أرسل إلا إلى خراف بني إسرائيل الضالة.


 و جاء في نفس الإنجيل 3: هؤلاء إثنا عشر أرسلهم يسوع و أوصاهم قائلا إلى طريق الأمم لا تمضوا إلى مدينة السامريين لا تدخلوا بل أذهبوا بالأحرى إلى خراف بني إسرائيل الضالة. إننا نعلم من هنا أن النصرانية لم تأت لسائر الأمم، بل خصها الله لبني إسرائيل فقط، فهي عقيدة خاصة جدا و ليست شمولية و لا عالمية كالإسلام الذي ينطبق على كل الممل و المجتمعات الإنسانية مهما إختلفت في الأعراف و اللغات و الثقافات



 لقد كان مهد ظهور المسيحية في مدينة بيت لحم الفلسطينية، و فلسطين هي منطقة من مناطق بلاد كنعان الكبيرة، في الشرق الأدنى القديم. تبنت هذه الديانة الإمبراطورية الرومانية فيما بعد، كديانة رسمية لها، و إحتضنتها الثقافة الهيلينية اليونانية المنبثقة من الفكر الديني الوثني التعددي. فالمسيحية هي في حقيقة الأمر، مادة مهجنة من الفكر الحضاري الإغريقي، و الفكر الحضاري لدول الشرق الأدنى القديم، كمصر و الشام و العراق و الفرس و الهند. 


بالإضافة إلى ذلك فالمسيحية قد ورثت عن اليهودية رصيدا كبيرا من الشريعة الموسوية كما ذكرنا، و بعض طقوسها الدينية. كما إقتبست عن الحضارة اليونانية الفن المعماري المتمثل في كيفية تصميم و تشييد الكنائس و المعابد و الأديرة، لممارسة هذه الطقوس في أوقات معينة، و بالتالي فإن المسيحية قد أجريت عليها عملية تهجين محكمة بينها و الفكر الهيليني العقلي من جهة، و المقدس للآلهة من جهة أخرى، الآلهة التي يمكن أن نراها اليوم، مجسدة في التماثيل و الرسومات الموجودة في التراث الفني الغربي، الذي يحظى بإحترام و تبجيل الأوروبيين. 


و قد يصل إلى درجة التقديس أحيانا. نجم عن تأثير اليهودية على المسيحية كذلك، ظهور عدة طقوس أقحمت فيها، مثل العشاء الرباني الأخير، و التعميد و التطهر و غير ذلك. في الظاهر و على ما يبدو من خلال الإحصائيات الخاصة بتطور الديانات، أن العقيدة المسيحية تعتبر اليوم، هي الديانة التي لها نسبة انتشار عالية في العالم الحديث، بالمقارنة مع الديانات السماوية، و الديانات الوضعية الأخرى في آسيا و أفريقيا





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
  1.   سورة أل عمران الآية 190  
  2.  إنجيل متى 15 : 22 ـ 23 ـ 24 3 
  3. إنجيل متى 5


أن أكثر من ربع سكان المعمورة يعتنقون المسيحية بلا منازع، و يمارسون طقوسها بشكل عادي في مختلف كنائس العالم. لقد جاءت المسيحية إلى العالم في أعقاب العقيدة اليهودية المحرفة، كعقيدة دينية غريبة عن الناس. و ما إحتضنتها في بداية عهدها إلا القلة من اليهود، أتباع عيسى عليه السلام، و رفضها معظم بني إسرائيل رفضا تاما لما ظنوه فيها من إختلاف بعيد عما إعتقدوه و ما ألفوه في دينهم خلال أربعة قرون من ميلاد هذا النبي الكريم و قبل ظهور الإسلام.


 إكتسحت هذه الديانة مساحة كبيرة في منطقة البحر المتوسط، في شمالها و في جنوبها، رغم أنها ليست ديانة عالمية على الإطلاق كما رأينا. و أصبحت اليوم الديانة الوحيدة المهيمنة على معظم شعوب هذه المناطق، و أنجبت أشهر علماء اللاهوت أمثال تيرتيليان الأمازيغي قيبريانوس القرطاجي، القديس أوغسطين الأمازيغي الجزائري . 






إنحراف المسيحيين عن النصرانية الحقة.




 يقر المؤرخين المسيحيون الموضوعيون، و المفكرون الباحثون المتخصصون في شأن هذه الديانة، أن الإيمان بألوهية المسيح لم يكن مبدأ مقبولا في إعتقاد معظم النصارى أبدا، إلا بعد رفع المسيح، و إنصرام فترة الحواريين، تلاميذ المسيح الأوائل بالتمام. أما قبل ذلك، و في حدود القرن الأول لبعثة عيسى عليه السلام تحديدا، فكان إيمان الناس بالمسيح و بطبيعة المسيح طبيعيا جدا، و إعتبرته القلة من يهود فلسطين، هو ذلك الشخص الذي بشرت بنبوته الكتب المقدسة سابقا، و منهم الحواريون، الذين تدل كتاباتهم و رسائلهم أنهم كانوا يرون في شخص المسيح نبيا كسائر البشر، كلفه الله بتبليغ رسالة التوحيد لعامة اليهود.


 فنرى أن زيغ المسيحيين عن جادة الطريق، و إنحراف قلوبهم عن الإيمان الصحيح ببشرية عيسى عليه السلام، وقع بعد تشبث أجيالهم اللاحقة بمعتقدات مبنية على ما سجل في بعض الأناجيل المقدسة بفترات متباعدة جدا عن عهد يسوع المسيح، من مفاهيم جديدة في تفسير طبيعة المسيح تفسيرا تأويليا موغلا في الغيبيات. 



و على ما ورد كذلك في رسائل و مؤلفات بولس الطرسوسي تتماشى مع النظرة الجديدة لهذا التأويل. هذه المجموعة من الأناجيل و الرسائل المختلفة التي دونت بعد عيسى المسيح، أعاد أصحابها ترجمة نظرة المسيحيين إلى دينهم، من معتقد التوحيد، إلى عقيدة الثالوث أو الأقانيم الثلاثة. فمفهوم الثالوث الأقدس عندهم بدأت بذور نشأته من هنا، من التفاسير الإنجيلية الخاطئة لطبيعة المسيح، و للمساعي الحثيثة التي أداها بولس في هذا المضمار بكل مثابرة وإصرار و جدية.


 فانقياد عامة المسيحيين إليه و إلى غيره من علماء اللاهوت في طريقة الضلال هذه، أو الشرك، و جاءت كنتيجة حتمية لتلاعبهم بالكتاب المقدس و بنصوصه الذين ظلوا عاكفين على إثرائه بالمتناقضات و بالفكر الفلسفي الخاطئ، سنين طويلة زيادة على ذلك ألحقوا إليه الكثير من الرسائل الخاصة بتفسير مضامين النصوص وفق مبدأ الثالوث.




 فالمسيحية كما نلاحظ تطورت كثيرا بعد رفع المسيح إلى ملكوت السماء، و إتسعت الهوية و تعمقت بين النصرانية الخالصة و المسيحية المشربة بالفكر الوثني من شتى المدارس الفلسفية اليونانية. لو تتبعنا بشيء من السرعة قصة هذا التطور، الذي هو في غير محله، كما يرى المؤرخون فنقول أن البداية كانت على يد بولس الرسول الذي رفع السيد المسيح فوق طبيعة البشر، و فوق مستوى الإنسانية. 


إنه إعتبر المسيح إنسانا إلهيا تقمصه روح القدس إلى غاية أنه عده الإله نفسه. أما إنجيل يوحنا صور المسيح على أنه إرادة الله الخلاقة، أو هو وحي يماثل الوحي الإلهي غير أنه يمتاز عنه بالكمال. يقول الله تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. 1. و يقول كذلك: وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.2 . إن هذا الزيف المضلل الذي إنتاب طبيعة المسيح إلى درجة أنه صار دينا يدعو إلى الشرك، و محبب إلى قلوب المؤمنين به، إنه يناقض الفترة و العقل السليم عند البشر. لقد حذر الله المسلمين من ذلك. يقول الجليل في الكتاب الكريم: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا. 3


نحاول أن نستعرض في هذا المقام، بداية إنحراف عقيدة المسيحيين، من مبدأ التوحيد الذي جاء به عيسى عليه السلام، و تأكد في الأناجيل الثلاثة الأولى، إلى مبدأ الثالوث الذي ورد في إنجيل يوحنا و أعتمد فيما بعد من قبل كافة الكنائس المسيحية بمختلف مذاهبها، و صار عقيدة رسمية للمسيحيين في العالم المسيحي جمعاء. و لكي تكون لدينا فكرة عن تعلق المسيحيين بالثالوث و مجافاة مبدأ التوحيد، و المسار الذي إتخذته الكنيسة بحزم و إصرار لبلوغ هذه الغاية، وجب علينا توضيح مفهوم الثالوث المقدس بشيء من الإختصار. 





  1. سورة آل عمران: الآية 75
  2.  سورة آل عمران: الآية 78.
  3.  سورة الكهف: الآية 110 




عقيدة الثالوث Trinité. 


 تتمثل عقيدة الثالوث الأقدس في المسيحية أن الله هو إله واحد لكن في ثلاثة أشخاص، أو ثلاثة أقانيم  Hypostases هم الأب، الابن يسوع، الروح القدس. أي أن الله واحد في ثلاثة أقانيم إلهية. الأقانيم الثلاثة مستقلة ولكنها واحدة في المادة، و الجوهر، والطبيعة. في هذا السياق فإن الطبيعة هي ما يكونه الشخص، في حين أن الأقنوم هو من يكونه الشخص والعلاقة بين الثالوث متكاملة، فبينما أرسل الأب الابن إلى العالم، تم ذلك بواسطة الروح القدس، وبينما يعتبر الروح القدس أقنومًا خاصا يطلق عليه في الوقت نفسه، روح الأب وروح يسوع. هذا هو تصور المسيحيين للإله المعبود الذين جعلوا منه ثالوثا مقدسا، وعقيدة لها من الأحكام الشرعية و الطقوس الدينية مرجعيتها الإنجيل المقدس حسبهم، تمارس في مختلف الكنائس بشكل عادي.




 و هو النتيجة الحتمية التي توصل إليها علماء اللاهوت التائهين في الفكر اليوناني الميتافيزيقي الماورائي، البعيد جدا عن التصور الديني الصحيح المنزه لذات الإله الأزلية من كل صفة من صفات البشر. لقد بدأ الإنحراف الخطير في المسار التبشيري لهذه العقيدة منذ القرن الأول من ميلاد المسيح عليه السلام، على يد بولس الطرسوسي، و تطور إلى أن يصل إلى عقيدة دينية تعددية، بعيدة كل البعد عن دين التوحيد، و إستحال على المسيحي أن يحيد عنها قيد أنملة نظرا لخضوع وجدانه و مشاعره لهذه العقيدة المحرفة تحت تأثير الدعاة و علماء اللاهوت الذين تفننوا في كيفية عزله عن النصرانية الحقة و إقصائها نهائيا عنه.


من الديانة النصرانية إلى عقيدة المسيحية
أستاَََد أفغول عبد القادلر

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent