recent
أخبار ساخنة

الجامعات - المسيحية القديمة و الخلاف بينهما

أستاَََد أفغول عبد القادلر
الصفحة الرئيسية


.



جامعة الإسكندرية : 


 كانت قديما عاصمة للدولة المصرية،أسسها الإسكندر الأكبر سنة 331 قبل الميلاد و إعتبرها مدينة يونانية. لقد بلغت في العهد الروماني، درجة من النمو الفكري و الرقي الثقافي بفضل الجامعة العظيمة التي  لا تضاهيها فيه أية مدينة في العالم القديم. كانت منارة العلم و المعرفة بحق، تسدي خدمات التعليم لكل مواطني اليونان دون إستثناء، و غيرهم من القوميات حتى من اليهود.




 كانت تمتلك الإمكانيات المادية و الفكرية التي جعلت منها قطبا ثقافيا عظيما، يشع نوره على من أراد إغتراف من منهل العلم و المعرفة. كانت تتوفر على وسائل تعليمة هائلة، من مكتبات و متاحف رائعة في ذلك الوقت، أهلتها عن جدارة لهذه المرتبة. لقد تمكنت مدينة الإسكندرية من منافسة مدينة أنطاكيا، و مدينة روما، في الدراسات الدينية المسيحية أو في الدراسات اللاهوتية، إلى جانب ذلك أنها أصبحت ميدانا فسيحا تلتقي فيه مختلف التيارات المعرفية و الإتجاهات الفكرية، و النزعات الفلسفية المتنوعة. 




 منها مدرسة اللاهوت المسيحي التي تعد من أكبر المؤسسات التعليمية، في منتصف القرن الثاني الميلادي بالإضافة إلى ذلك، يدرس فيها العلوم الطبيعية، و الفلك الهندسة، و فلسفة الأخلاق. إن مدرسة اللاهوت هذه كان يشرف عليها القديس الفيلسوف بنتينوس الإسكندري Saint Pantaenus.1، ثم التلميذ كليمنت 2 من اليونان. سعى هذا الرجل بنتينوس إلى دمج المسيحية الموحدة، بالثقافة الهيلينية التعددية. 


.
الجامعات - المسيحية  القديمة و الخلاف بينهما
جامعة الاسكندرية

و من هنا مكن نفسه من أخذ المعرفة من مصدرين المصدر العقلي الفلسفي، و من مصدر الوحي الإلهي. و كنتيجة لجهوده التوفيقية بين الفلسفة و الدين، أو بين الفكر و الإيمان. أسس أول مذهب ديني هو التصوف العقلاني. أثر مذهبه فيما بعد على الكثير من الفلاسفة، منهم إبن رشد.3. 




وصار على منواله الفيلسوف و المؤرخ اليهودي فيلون الذي طعم العقيدة اليهودية بالفكر الهيليني. يقول كليمنت: لا يحق لنا إعتبار الفلسفة عدوة تبغض الدين، بل هي البرهنة الدقيقة للحقيقة المسيحية في حدود ما جاء به الوحي. لذا كان يدير دروسه الدينية إعتمادا على تعليم الأنجيل بالموازاة مع تعليم الفلسفة.






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



  • الفيلسوف بنتينوس: هو من أصل مصري ولد في أوائل القرن الثاني الميلادي. 
  •  الفيلسوف كليمنت: ولد بأثينا باليونان في حدود 150 و مات بالقدس في 215 ميلادية.
  •  الفيلسوف إبن رشد: ولد بقرطبة بالأندلس سنة 1126 ميلادية و مات 1198 ميلادية في التغرب.


وبهذا تحولت نظرة علماء اللاهوت و المفكرين الجدد المتأثرين به ، تجاه العقيدة المسيحية، من أن فهم الدين، لا يتم إلا بالمعالجة الفلسفية البحتة . إن هذا هو المفهوم الجديد للدين حسب كليمنت، فإن العقيدة المسيحية التي تخاطب الإيمان بالدرجة الأولى، أضحت عقيدة تخاطب المنطق العقلي أيضا، و لا تتعارض مع الإيمان.




 لقد مزج كليمنت الثقافة الهيلينية اليونانية بالعقيدة المسيحية. فأفكاره لا تتعارض مع الأنجيل في الواقع، فهي أفكار تأكد طيبة الرب و مسؤولية الإنسان الأخلاقية كأساس لتعليم المسيحية الحقة. إن جامعة الإسكندرية، كان لها السبق في التوفيق بين الفكر الهيليني اليوناني و العقيدة المسيحية قصد جعلها عقيدة مستصاغة من قبل عامة المسيحيين و خاصتهم. 



و هذا في نظرنا هو أقصى الإنحراف في الديانة المسيحية، بعد القديس بولس و يوحنا كاتب الإنجيل المقدس الرابع. يقول الله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.1. هذا هو دور أقدم جامعة ساهمة بشكل أكاديمي في إخضاع دين الله إلى منطق الفلاسفة العقلي المستنبط من الثقافة الهيلينية




جامعة أنطاكيا Antakya : 


.
الجامعات - المسيحية  القديمة و الخلاف بينهما
جامعة انطاكيا






هي إحدى أهم المدن التاريخية في سوريا، حيث كانت عاصمتها الإدارية و السياسية و الدينية و التجارية قبل الفتوحات الإسلامية، لا يضاهيها في ذلك الوقت إلا القدس و الإسكندرية و روما و القسطنطينية. كانت تلقب بتاج الشرق الجميل كونها كانت مقرا للدعوة المسيحية، يترأس فيها الجماعات المسيحية الحديثة الإعتقاد، تلميذ من حواري عيسى عليه السلام يلقب بالأسقف. 




بالإضافة إلى هذا الدور كانت ملتقى الهيئات الدينية الشرعية أو القانونية مثل الكاثوليك و الأرثوذكس و المارونية و غير ذلك. إنها تعد بالفعل قطبا للفكر والدعوة. بها جامعة من أشهر المؤسسات التعليمية في زمانها تخصصت في الفكر و التفسير اللاهوتي. كان يتردد عليها الكثير من الطلبة و الأساتذة من كل صوب و حدب، ليأخذوا حظهم من تعاليم الإنجيل و تفاسيره المختلفة. 




من أبرز أساتذة مدرسة إنطاكيا، بولس الشامشاطي.2. و كان بطريركا في كنيسة أنطاكيا، و هو صاحب المذهب التوحيدي الخالص وافقه عليه كثيرون من المفكرين عرفوا بالفرقة البوليقانية. لقد خالف بولس الشامشاطي أساتذة مدارس الإسكندرية كلية في النظرة إلى تفسير الدين. إنه تبنى بداية مبدأ التوحيد في العقيدة المسيحية و أكد على أن طبيعة المسيح هي من طبيعة البشر.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


  1.  سورة البقرة الآية 75  
  2. الفيلسوف بولس الشامشاطي




أن المسيح ما هو إلا إنسان كسائر الناس، إنما هو نبي يوحى إليه من روح القدس. و بالتالي فإن هذا الرجل مؤمن بوحدانية الله، دافع بقوة على أصالة الإنجيل، و قدسية تعاليم المسيح. كان يقول من إدعي بألوهية المسيح هو مشرك على ضلال، بعيد كل البعد عن المسيحية و تعاليمها. نلاحظ بصورة واضحة، إن جامعة إنطاكيا كانت تجتهد دائما لدحض عقيدة الثالوث الأقدس، عكس مدرسة الإسكندرية . من أبرز مؤسسي مدرسة إنطاكيا لوسيان الإنطاكي.1. سنة 312 ميلادية. 




إنه أسقف مدينة إنطاكيا هو أستاذ للمفكر الديني الكبير أريوس، بذل قصارى جهده في تصحيح كتاب الإنجيل و تفسيره التفسير المعقول، بمساعدة المفكر أوريجانوس. Origene 2، و إبتكر لذلك أسلوب النقد التاريخي للإنجيل و كان ذلك لأول مرة في تاريخ الأديان. يعد آريوس هو من بين تلاميذ لوسيان الإنطاكي الفاعلين و المؤثرين في الفكر الديني المسيحي بحيث غذى الجدال بين الجامعة الإسكندرية و الجامعة الإنطاكية إبتداءا من سنة 320 ميلادية. أما المفكر الديني أريوس. Arius3. فهو أسقف كنيسة بوكاليس في الإسكندرية250 ــ 336 ميلادية، و قد صار له آلاف الأتباع عرفوا بالأريوسيين و بقي مذهبهم التوحيدي حيا لفترات زمنية طويلة. 





صار أريوس علما من أعلام الفكر التوحيد على الإطلاق. و أن كل من جاء بعده، و أنكر التثليث و إلهية المسيح، وصمه رجال الكنيسة الرسميون بأنه أريوسي. إن جامعة إنطاكيا على نقيض من جامعة الإسكندرية، لم تحاول أبدا التوفيق بين الفلسفة و الدين،و إعتبرت ذلك ضربا من الشرك، إنما إنصب كل عملها على تصحيح المسيحية من المفاهيم الفلسفية و الأفكار التأويلية لطبيعة المسيح بالرجوع إلى النصوص الشرعية الأصلية التي وردت على لسان المسيح. و بالتالي ظلت في صراع مستمر و جدل ساخن بينها و بين جامعة الإسكندرية. 





لقد إستمر الجدال الفكري الديني بين أتباع التوحيد الخالص، أي النصارى، و دعاة التوحيد المخصب بالثقافة الهيلينية، أي المسيحيون إلى غاية القرن الخامس، حيث فصل الإمبراطور قسطنطين الأول في هذه المعضلة، و وضع حدا نهائيا لهذا النزال الفكري اللاهوتي الذي كاد أن يجزئ المجتمع إلى طوائف مسيحية متخاصمة و متنافرة، و يؤدي إلي تفكك وحدة البلاد الدينية و إنقساها إلى موالين لمبدأ التوحيد و مناصرين لمفاهيم التثليث، بالتالي قرر بشكل رسمي أن تكون عقيدة الثالوث المقدس هي ديانة الإمبراطورية الرومانية و ديانة سائر الشعوب المعتنقة لها و التي كانت تعيش ضمن حدود الإمبراطورية.




 و بهذه الجرأة السياسية من قبل هذا الإمبراطور إعتلت المسيحية بالمفهوم الجديد، مفهوم الثالوث، المنزلة التي لم تكن في حسبانها الطموح إليها، و لم تتوقع أن تصل إليها في يوم ما، و أضحت هي العقيدة القوية التي لا ينازعها أي دين فيما حققته من نصر مبين . و عادت الديانة النصرانية مهمشة و غريبة عن عامة الناس و خاصتهم. و بات أساقفتها و علماؤها أمثال آريوس مهددين بالنفي أو القتل. و من هنا بالذات إبتعد المسيحيون قاطبة عن تعاليم الإنجيل الصحيحة التي نزلت على عيسى عليه السلام و إعتنقوا المسيحية ذات التعاليم المشوهة بالثقافة اليونانية.



المواقف المختلفة تجاه النصرانية:



 إن آريوس لم يتخذ موقفا حازما و صريحا فيما يتعلق بطبيعة المسيح علية السلام، و يتقبل منهم بكل شجاعة الإنتقادات مهما كلفه هذا الموقف. و يدلي لهم و للتاريخ شهادته أن يوسع المسيح ما هو إلا إنسان كسائر بني آدم. و يدحض بالإثبات و البرهنة كل مزاعمهم و إدعاءاتهم المؤيدة لمبدأ الثالوث المقدس، إلا أنه إتضح أن آريوس كان جبان يخشى إثارة غضب الكثير من الناس و إنقلابهم عليه. 





فتغاضى عن الخلاف الحاد في الآراء و وجهات النظر لرجال الدين، و فضل أن لا يناضل و يضحي من أجل هذه الحقيقة، فإستمر الخلاف في تعميق الهوة بينه و بين رجال الدين و عامة الناس. إن هذا الجدال الحاد الظاهر في تضارب المفاهيم و إختلاف الرؤى الدينية الذي خاض غماره علماء اللاهوت مع آريوس و أتباعه من بعد، حول مسألة طبيعة المسيح، أ هو إله أو إبن إله أو بشر، أدى في النهاية إلى ظهور الكثير من المذاهب الدينية المتباينة في المفاهيم و الآراء فيما يخص هذه المرة جوهر الدين المسيحي من الأساس. 





كان الإمبراطور قسطنطين الأول على علم و إطلاع بما يجري في الساحة الدينية، و بما آلت إليه الأوضاع الإجتماعية من جرائها . و عليه أن يتخذ على الفور موقفا حاسما و فاصلا. و بحكم إنه سياسي محنك و بارع، رأى من مصلحة بلاده أن تظل الكنيسة موحدة لا ينبغي له أن يتركها تتجزأ بفعل هذا الصراع، و لا أن يتصدع كيانها بفعل هذه الهرطقة و البدع الغريبة عنها. 




فدعا إلى عقد أول مجمع مسكوني في تاريخ المسيحية سنة 325 ميلادية و كانت مدينة نيقية شمال غرب آسيا الصغرى أول مدينة تحظى بهذا الحدث الديني التاريخي العظيم في حياة المسيحيين، حضره جميع أساقفة و أساتذة اللاهوت المنضوون تحت لواء الكنيسة المسيحية و لم تكن مدينة القسطنطينية قد شيدت بعد لمناقشة خلافات كنيسة الإسكندرية الحادة. إن النقاشات التي دارت في مجمع نيقية كانت تتمحور حول قضايا من صميم جوهر الدين بين آريوس و أتباعه من جهة، و البابا و أتباعه من الأساقفة جهة أخرى، حول طبيعة يسوع هل هي من طبيعة الرب أم من طبيعة البشر كما ذكرنا. 




و مع العلم أن جامعة الإسكندرية هي التي إختمرت في عقول علمائها فكرة تأليه المسيح و التي إنتقلت إلى مفاهيم و مبادئ ثم إلى مذاهب دينية متناقضة أشد التناقض إلى عقائد يجب الإيمان بها. عكس جامعة إنطاكيا التي جاهدت من أجل العودة إلى النصوص الشرعية للإنجيل و بالتالي تنزيه الله من كل صفات البشر، و تبرئة المسيح من التأويلات و التخمينات المتعلقة بتأليهه



 يقول الله جل جلاله: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطعام. لقد فصل القرآن الكريم بكل وضوح في مسألة طبيعة المسيح، و جنب المسلمين الخوض في مسألة هذا الإعتقاد الباطل من خلال هذه الآية الكريمة و غيرها.


 بقيت ملة المسيح تتخبط في وحل فلسفة الثالوث المبتدعة، إلى غاية ظهور بدعة أخرى من وحي التفكير المريض هي أشنع من الأولى تمثلت في تبني عقد إجتماعات دورية تحتضنها الكنائس بصفة دورية عبر المعمورة و هي المعروفة بالمجامع المسكونية.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1.  لوسيان الإنطاكي: هو قديس و لاهوتي سوري ولد سنة 240 و مات سنة 312 ميلادية. 
  2. المفكر أوريجانوس: هو من أصل مصري ولد في الإسكندرية سنة 185 ميلادية و مات 254 ميلادية.
  3.  المفكر آريوس: . هو صاحب المذهب التوحيدي و له أتباع. هو من أصل ليبي أمازيغي ولد سنة 270 ميلادية و مات بالقسطنطينية سنة 336 ميلادية .

 الجامعات - المسيحية  القديمة و الخلاف بينهما
أستاَََد أفغول عبد القادلر

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent