recent
أخبار ساخنة

النهضة الأدبية في العصر الجاهلي


النهضة الأدبية في العصر الجاهلي
 النهضة الأدبية في العصر الجاهلي





 ماهية العصر الجاهلي 


هو الفترة التي عاشها العرب قبل بعثة الرسول صلى الله عليه و سلم، النبي محمد بن عبد الله . و الذي قدرها بعض المؤرخين والأدباء العرب المهتمين بهذا النوع من التراث . منهم الأديب الجاحظ بحوالي مائة و خمسين إلى مائتين سنة.

 يقول الجاحظ : و أما الشعر فحديث الميلاد . صغير السن . أول من نهج سبيله و سلك الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر . و المهلهل بن ربيعة.  فإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام. 1 انتهى النص. 


هذه الحقبة من الزمان التي تبدو في نظرنا قصيرة جدا من عمر تاريخ العرب الفكري و الأدبي . إذا ما قيست بمدى عمق المجتمع العربي و امتداد جذره في تاريخ البشرية . قبل و بعد التاريخ الميلادي . خاصة إذا علمنا أن اللغة العربية لغة الآداب . قد انتشرت بشكلها الفصيح منذ أيام العرب العاربة البائدة . و رغم ذلك يحدد بعض المؤرخين أن أقدم شعر عربي من العصر الجاهلي بدأ عام 565 ميلادية. أطلق القرآن الكريم على هذه الحقبة التاريخية التي مرت على شعوب بلاد العرب . بالعصر الجاهلي للتمييز بين حالهم قبل الإسلام . و حالهم بعد انتشاره . و اجتيازه حدود منطقة الحجاز .


 اتصف عصر الجاهلية بالثقافة الأدبية الغزيرة . و بالأدب الغني بالخيال و الصور الفنية البليغة . حيث قيد العرب القصائد الشعرية الطويلة . و النصوص النثرية المليئة بالأمثال و الحكم ، الدالتين على حالاتهم و تجاربهم الإجتماعية ، و السياسية و الدينية و العرفية. و جارى جل المؤرخون العرب ، و الأجانب في هذه المسألة ، مجرى القرآن الكريم في استعمال مصطلح العصر الجاهلي . و ذلك للدلالة كما قلنا على أحوالهم المختلفة قبل العصر الإسلامي. إن العصر الجاهلي عكس لنا بصدق بعض المواقف التي كان العرب يتخذونها اتجاه بعضهم البعض في الأحوال العادية و المضطربة على السواء.


 فهي مواقف و سلوكيات لا تستند أبدا إلى القيم الصحيحة . أو ما يستوجبه العقل البشري من سداد ، و تبصر في أداء أفعال، و ممارسة أعمال عادية تخدم المقاصد العامة.  بل كانت تصرفات و أخلاق منافية للمنطق السليم، و الفطرة السوية التي فطر الله البشر عليه. فهي سلوكيات ذميمة و سفيهة . بعيدة كل البعد عن الحلم و العقل مثل: "العصبية للقبيلة"، و "الأخذ بالثأر"، و "وأد البنات"، و "الغزو و الإغارة على الغير"، و" النهب و السلب"، "أكل مال اليتيم"، و "التفاخر بالأنساب".

 يقول الله تعالى : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ.2 ، و قال الرسول صلى الله عليه و سلم لأبي ذر الغفاري: إنك امرؤ فيه جاهلية. 3 . هناك من يقول أن الجاهلية، هي الجهل بالدين الصحيح الذي يدعو إلى عبادة الله وحده لا التعلق بعبادة الأوثان و التقرب إليها.



هو السبب الحقيقي الذي وصفت به الشعوب العربية في هذه الفترة التاريخية قبل البعثة النبوية الشريفة . و أكدها القرآن الكريم رغم الخصال الرفيعة التي تحلت بها قبائل العرب جمعاء : من عزة بالنفس، و شجاعة كرم الضيافة، و صدق الحديث، و وفاء بالعهد، و أداء الأمانة و حماية الضعيف، و نصرة المظلوم، و احترام الجار و المروءة . قال آخرون هي تصرفات تجافي التفكير العلمي المنطقي  الذي يعتمد في الأساس على ملكات العقل، و قدرات الفكر، و إثبات الحقائق بالبحث و الدراسة. يقول عمرو بن كلثوم:

                                        ألا لا يجهلن أحد علينا             فنجهل فوق جهل الجاهلين .                                                      


إن التراث الأدبي العربي في العصر الجاهلي، لهو في الحقيقة إسهامات فنية جليلة من قبل أساطين الأدب القديم، الذين يعود إليهم الفضل في تهيئة أجواء النهضة الفكرية العربية، قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. إن الأدب العربي في الجاهلية كما يبدو، هو رصيد فكري ضخم بحق، و تراث تليد دون منازع ، من ملاحم و بطولات وتجارب اجتماعية و سياسية و غرامية . قيدتها رجالات الأدب العربي في شكل قصائد شعرية موزونة . أهمها المعلقات الشعرية أو النصوص المنثورة المليئة بالحكم ، و المواعظ ، و المناقب الحميدة. ما ميز هذا العمل الفني الذي ظهر في عهد الجاهلية بمنطقة الحجاز، كان حافلا بالبلاغة و البيان و برصانة اللغة الفصحى.




 لقد اعتبره الكتاب و المفكرون فيما بعد أن التراث الأدبي العربي ، هو سند أساسي لفهم التاريخ العربي القديم . دون الأدب العربي في القرن الثاني للهجرة حسب المؤرخين ، أثناء حركة التصنيف ، و الجمع التي شهدها العالم الإسلامي في ذلك الوقت .  ما جعل بعض الكتاب المعاصرين تثير الشكوك حول تدوينه . و ظلت كذلك إلى غاية يومنا. ما يلاحظ من خلال هذه الأسطر أن الأدب العربي، سواء كان شعرا أو نثرا ، فهو  بمثابة مصادر تاريخية يعتمد عليها المؤرخون في كتابة شيء أو مرحلة ما من تاريخ العرب القديم.


لقد تطور مفهوم الأدب العربي كثيرا خلال العصور المتلاحقة من الجاهلية إلى وقتنا المعاصر، تماشيا مع تطور الحياة الفكرية لدى الأمة العربية، من حياة البداوة إلى حياة التمدن. كانت كلمة أدب تعني عندهم ببساطة الدعوة إلى الطعام، و صارت بعد ذلك في العصر الإسلامي الذي أعقب العصر الجاهلي تعني، الأخلاق و الخصال و السجايا و الشمائل الحميدة. قال الرسول الكريم: أدبني ربي فأحسن تأديبي. و اكتسب هذا المفهوم في العصر الأموي دلالات إضافية أوسع لتشمل كل معاني التعليم بمختلف فروعه: التاريخ، علوم الفقه و تفسير القرآن الكريم، و علوم الأحاديث الشريفة، زيادة على ذلك قرض الشعر و تحسين المقالات و النصوص المنثورة. أما في العصر العباسي صار يشمل كل صنوف المعرفة، من البلاغة و البيان، و اللغة و قواعد النحو العربي. أما في وقت المعاصر أصبح مفهوم أدب هو كل ما يؤثر على عواطف المهتمين بمطالعة كتب الأدب، من صور بلاغية جميلة، و أساليب بيانية فصيحة، في شكل قصص أو روايات، أو نظم أو مقالات أو خطب .

 


ما يهمنا من كل هذا أننا ورثنا أدبا كاملا و متكاملا في اللغة و الشعر و النثر. إن الأدب العربي في العصر الجاهلي أدى أدوارا مشرقة و مشرفة في تحديد هوية العرب الثقافية، و التاريخية و رافدا من روافد الفكر العربي للحضارة الإسلامية فيما بعد. كما أثر بقوة في البيئة الثقافية الأدبية للعصور التي جاءت بعده، ابتداء من العصر الإسلامي، إلى الأموي و العباسي و غير ذلك. لو أخذنا بعض الأمثلة القليلة جدا من صور تأثير الأدب الجاهلي على الثقافة الإسلامية بصفة عامة لأدركنا أنه يمثل الأركان الوطيدة لصروح هذه الثقافة الإسلامية. و بالتالي يمكننا أن نجزم أن الكثرة من رجالات الأدب العربي، منذ صدر الإسلام، إلى اليوم يعتبرون أن الأدب العربي الجاهلي مرجعية أساسية لا يمكن التنائي عنها أبدا إذا أردنا الحفاظ على هويتنا العربية. تتجلى وشائج الأدب الجاهلي بالأدب العربي الإسلامي ككل، في الكثير من ميادين المعرفة: في التاريخ الذي كان يعرف بالسير و المغازي و أيام العرب، و في الأدب. كان المؤلفون يستشهدون بكثير من نصوص الأدب الجاهلي، بغية إثبات بعض الأحداث و الوقائع التاريخية المختلفة. و في قواعد النحو العربي، كانت كتب العلامة سيبويه زاخرة بالشواهد و الأمثلة من صلب الأدب الجاهلي للفصل في بعض المسائل اللغوية المستعصية.


تصنيف مجالات الآداب الجاهلي .

                                                                                                                   

يصنف الأدب العربي في العصر الجاهلي إلى عدة مجموعات تراثية التي اعتبرت لدى الأدباء مصادر جد هامة كما قلنا، ساهمت في تكوين التراث الفكري الثقافي و الحضاري في العصور الإسلامية المتلاحقة. كانت بعض مدن العراق كالبصرة و الكوفة هما المراكز الهامة لدراسة الآداب العربي و توثيقه. و هي على التوالي :



  الحكم و الأمثال .


كما يبدو لنا من خلال وثائق تاريخ الأدب العربي لأسلافنا، أن رجالات الأدب في العصور الإسلامية انهالوا دون انتظار على دراسة و تدوين أدب الجاهلية، و ما خلفه العرب في المناطق البدوية أو المدن الحضرية من حكم و أمثال رفيعة الجودة الأدبية، بليغة المعاني، دقيقة المقاصد، ثرية الخبر. كان التدوين في منتصف القرن الأول الهجري على يد الكثير من المؤلفين منهم على سبيل المثال: صحار العبدي و عبيد بن شرية، و في القرن الثالث الهجري انتقل التدوين إلى الكوفة و البصرة على يد أبي عبيد القاسم بن سلام، و أبي هلال العسكري . كانت هذه الحكم و الأمثال تعكس في مضامينها وصايا و تعاليم و توجيهات سديدة يمتثل الناس لها عن طواعية في معاشهم و حياتهم المألوفة، و في حلهم و ترحالهم لسهولة حفظها و جودة التعابير و البلاغة و الفصاحة المستعملة فيها.



 قال الجاحظ في هذا الموضوع: و من القدماء ممن كان يذكر بالقدر، و الرياسة، و البيان، و الخطابة، و الحكمة، و الدهاء، و النكراء، لقمان بن عاد، لقيم بن لقمان، مجاشع بن دارم، سليط بن كعب بن يربوع، لؤي بن غالب ، قس بن ساعدة، قصي بن كلاب. و من الخطباء البلغاء و الحكام الرؤساء أكتم بن صيفي، ربيعة بن حذار، هرم بن قطبة، عامر بن ظرب العدواني، و لبيب بن ربيعة. انتهى النص. 1. 



هؤلاء النبغاء بزوا غيرهم بهذا الفن الرائع، في صدارتهم امرؤ القيس، ربيعة بن حذار، سهيل بن عمرو، هرم بن قطبة الفزاري، و أكثم بن صيفي التميمي. كانت هذه الحكم و الأمثال بمثابة وصايا يقتدي الناس بها و يربونا أبناءهم عليها لما تزخر به من تجارب إنسانية حصيفة و راجحة و قيمة ذات مقاصد هامة . 




                                                             

  الخطابة في عصر الجاهلية .


الخطابة في التراث العربي القديم قليلة، لاندثار الكثير منها و قلة المدونين لها. إلا أن الخطباء النبغاء في هذا الفن كانوا يرتجلون و يسترسلون في الخطب الطويلة ببراعة و فصاحة لا نظير لها، فائقة التفنن و الإبداع. القصد منها تحريض الناس للقتال في مناسبات الحرب، أو تحفيزهم على الصلح في فترات الهدنة. كانت تلقى أثناء جمهرة الناس حول خيامهم أو في مراعيهم أو تواجدهم في الأسواق. كانت الخطب تلقى من ألسنتهم بداهة، دون معاناة و لا مكابدة. أبرز الجاحظ هذه الخصائص فقال: و كل شيء للعرب فإنها هو بديهة و ارتجال، و كأنه الهام و ليست هناك معاناة و لا مكابدة، و لا إجالة فكرة، و لا استعانة، و إنما هو أن يصرف همه إلى الكلام . عند المقارعة أو المناقلة أو عند صراع أو في حرب. فما هو إلا أن يصرف همه إلى جملة المذهب، أو إلى العمود الذي إليه يقصد، فتأتيه المعاني إرسالا و تنثال عليه الألفاظ انثيالا، و كان الكلام الجيد عندهم أظهر و أكثر و هم عليه أقدر و له أقهر و كل واحد في نفسه أنطق، و مكانه في البيان أرفع، و خطباؤهم للكلام أوجد، و الكلام عليه أسهل، و هو عليهم أيسر  من غير تكلف و لا قصد و لا تحفظ   و لا طلب. انتهى النص. 



استخدمت الخطابة في مجالات شتى غير التي ذكرنا، استعملت في المصاهرة و المفاخرة بالأنساب، و إبراز المآثر و الخصال و المناقب الجليلة في وقائع حاسمة. أو ترددهم على الأمراء في إمارة الغساسنة أو المناذرة. من بين الخطباء: علقمة بن علاثة، عامر بن الطفيل، هرم بن قطبة الفزاري، القعقع بن معبد التميمي، خالد بن مالك النهشلي، ربيعة بن حذار الأسدي.





 القصائد الشعرية في العصر الجاهلي .



لقد تم تدوين جزء كبير منها في صدر الإسلام و ما بعده، كقصائد امرئ ألقيس، زهير بن أبي سلمى، عنترة بن شداد، لبيد بن أبي ربيعة، طرفة بن العبد، عمرو بن كلثوم، الحارث بن حلزة، الأعشى و النابغة الذبياني. و غيرهم. يتبين للقارئ الكريم أن تدوين القصائد الشعرية العربية الكثيرة لم يتم في العصر الجاهلي أبدا بل كان ينتقل من جيل إلى غيره عن طريق الروايات المتواترة، لأسباب جد معقولة، و هي في رأينا أن الشعراء لم يفكروا البتة في نقلها إلى الأجيال اللاحقة لصعوبة وسائل تقييدها و حفظها، التي كانت تتمثل في ذلك الحين في سعف النخيل و الحجارة و العظام و جلود الحيوانات.




 لكن رغم هذه الصعوبة فإن الإسلام فيما بعد، كان له الفضل في إيقاظ رغبة الأدباء و دفعهم إلى الاهتمام بمسألة التدوين، على غرار ما فعله الصحابة في جمع و تدوين آيات القرآن في مصحف و هو الكتاب الكريم. و بالتالي فإن القصائد التي كانت المسموعة في العهد الجاهلية، أصبحت أشعارا مكتوبة و محفوظة، و تم ذلك على يد النوابغ من العرب المستعربة. من أشهر رواة الشعر العربي الجاهلي بعد انقضاء عصر الجاهلية بمراحل كثيرة هم على سبيل المثال: "أبو عمرو بن العلاء"، "خلف الأحمر"، "محمد بن السائب الكلبي"، "المفضل الضبي".   



 القصائد المعلقة في العصر الجاهلي .



 و هي مجموعة قصائد شعرية مطولة جادت بها قرائح أساطين شعر العربي، تعلق على ظهر الكعبة المشرفة، و هي عبارة عن حكم مختلفة كثيرة مستوحاة من الخبر التي مروا بها في حياتهم الإجتماعية أو أثناء غزواتهم. لقد قاد شغف العرب إلى قرض الشعر باختيار من بين قصائدهم ما هي أجود و أجدر بأن تشرفها الكعبة فتكتب بماء الذهب، ثم تعلق على جدرانها كقصائد امرئ القيس و زهير بن أبي سلمى، النابغة الذبياني، الأعشى. إلى جانب هذه القصائد الشعرية القيمة التي نالت اهتمام الكتاب العرب و العجم لمكانتها التاريخية و روعة فنها خلال العصور الإسلامية، رافقتها قصائد شعرية أخرى في نفس العصر، عاش أصحابها على هامش المجتمع. 




لقد اختار هؤلاء الناس وسائل الاسترزاق المنافية تماما للأعراف. فمن هؤلاء من فضل الغزو و قطع الطرق، و منهم من كان مولع بارتكاب الجرائم الشنيعة في حق الأبرياء، و منهم أراد الانتقام من القبيلة التي نبذته و طردته خارج حماها. منهم: حاجز الأزدي، قيس بن حدادية، أبي الطمحان القيني، تأبط شرا، الشنفرى، عروة بن الورد العبسي. كانت قصائدهم مليئة بالتعاسة و البؤس. سجلت قصائدهم ضيق حالهم، و صبرهم على الشدائد. لقد أجاد هؤلاء الناس الذين عرفوا في تاريخ الأدب العربي في الجاهلية بالصعاليك ركوب الخيل و العدو وراء الطرائد في الفيافي و القفار. 




 الدواوين الشعرية في العصر الجاهلي . 


دواوين القبائل العربية في الشعر و التي تعكس لنا مناقب القبائل العربية و خصالها. اندثر الجزء الأكبر منها و لم يبقى إلا القليل جاء من قبيلة هذيل. 



















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
  1. الأعراف: الآية 199.  
  2.  الحديث الشريف الإمام البخاري. 
  3. الجاحظ : ولد في 159 ـ 255 هجرية. أديب عربي في العصر العباسي.





google-playkhamsatmostaqltradent