recent
أخبار ساخنة

غزوات الرسول محمد (ص) ضد قريش






غزوات الرسول محمد (ص)
غزوات الرسول محمد (ص)









غزوو ة أحد 


أرادت قريش الإنتقام لموتاها في موقعة بدر المباركة ، و الأخذ بالثأر من المؤمنين ، و بالتالي إفشال دعوة الإسلام . فصمم زعماؤها عندئذ على ملاقة الرسول محمد و جنده . فهيئت جيشا قويا قوامه ثلاثة آلاف محارب ، و أفرادا من الأحباش . إعتمدت في تجهيره على أموال القوافل التجارية لأبي سفيان . إستعملت النسوة في الخط الخلفي لمنع الرجال من الإنسحاب من ساحة المعركة . علم الرسول بعزم قريش على الحرب من جديد . إستشار أصحابه في هذه المسألة ، و خيرهم على البقاء في المدينة ، أو الخروج لملاقاتهم و مقاتلتهم . و تمثل رأي الأغلبية من الصحابة في الخروج من المدينة لمحاربتهم ، و رغبوا الرسول في ذلك . قالوا يا رسول الله أخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون إنا جبنا عنهم ، و ضعفنا.





خرج الرسول صلى الله عليه و سلم ، من المدينة بجيش قوامه ألف مقاتل لمحاربة المشركين من قريش ، و الدفاع عن المدينة . كان ذلك في السنة الثالثة للهجرة . لما توسط محمد رسول الله الطريق بين المدينة و أحد ، إنسحب "عبد الله بن إبي سلول" بثلث الجيش ، و غادر جيش النبي راجعا إلى المدينة . و برر خذلانه بحجج واهية . 


 فقال : عصاني و أطاع الولدان ، و من لا رأي له ، و ما ندري علام نقتل أنفسنا . فقل جيش المؤمنين إلى سبع مائة مقاتل. 


قال الله تعالى : فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينْ فِئَتَيْنِ وَ اللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا . أَتُريدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ . وَ مَنْ ُيضْلِلِ اللهُ فَلَنْ َتجِدَ لَهُ سَبِيلا .1.


أشار بعض الصحابة على الرسول أن يستعين باليهود ، بناء على بينه و بينهم من مواثيق. رفض الرسول هذا الإقتراح . قال لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك .


عوامل إنهزام جيش الرسول في أحد 


نزل محمد (ص) في شعاب أحد ، و عسكر قرب جبل الذي جعل منه مانعا يحمي ظهورهم من ضربات الأعداء . تموقع في هذا الجبل خمسون راميا ، و كلف "عبد الله بن جبير" مسؤولا عليهم .
قال : قوموا على مصافكم هذه ، فأحموا ظهورنا ، فان رأيتمونا قد إنتصرنا ، فلا تشركونا ، و إن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا .
 أخذ "مصعب بن عمير" اللواء من الرسول . بدأت المعركة بين الجيشين ، فقتل فيها "مصعب بن عمير" ، فحمل اللواء "علي بن أبي طالب" . و ما هي إلا لحظات حتى أيد الله المسلمين بالنصر ، و إنهزم المشركون . ظن الرماة أن المعركة إنتهت ، فنزلوا من الجبل ، و تركوا مواقعهم طمعا في الغنائم . و ثبت "مصعب بن عمير" مع القلة من الرماة طاعة لرسول الله . إكتشف "خالد بن الوليد" الثغرة ، و كان لا يزال على الشرك ، فولى مسرعا مع عكرمة ، و تمكن من القضاء على الرماة و واصل المشركون أثناء ذلك مهاجمة المؤمنين من الخلف . صار ت المعركة حامية الوطيس بعد عودة "خالد بن الوليد" ، و إنتاب المؤمنون الرعب ، و تمادوا في مقاتلة المشركين على غير هدى ، و أصيبت رباعية الرسول ، و شج رأسه في هذه المعركة . إجتهد الكثير من المؤمنين في حماية الرسول بارواحهم يتلقون ضربات السهام بأجسادهم ، مانعين وصولها إلى النبي ، حتى إنتهت المعركة ، و إنصرف المشركون . قتل "حمزة" و مثل بجسده . بعدما هدأت الحرب ، أشرف الرسول على دفن الموتى بدمائهم ، و لم يصل عليهم .
قال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة .
لقد أنزل الله في حق المنافقين و اليهود الذين أظهروا الشماتة بالمسلمين ، و فرحوا بهزيمتهم فقال : الّذِينَ قَالُوا لِإخْوَانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَأدْرَءُوا عَنْ أًنْفُسَكُمْ المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . 2.



إضطرار المشركين للعودة إلى مكة



عاد الرسول و المؤمنون إلى المدينة ، و باتوا يداوون جراحهم إلى غاية الصباح . بعد صلاة الصبح مباشرة ، أمر الرسول "بلال" ينادي في الجمع ، أن الرسول يأمركم بطلب العدو . خرج الرسول و المقاتلون ، و تموقعوا في مكان يسمى "حمراء الأسد" ، و أشعلوا نيران كثيرة كي توهم العدو بكثرة جند المسلمين . نقل "معبد الخزاعي" الخبر على جناح السرعة إلى قريش ، و هي تريد العودة للقضاء على جيش الرسول بصفة تامة .


قال : ويحكم ان الرسول جمع لكم جيشا جرارا ، لا قبل لكم به ، لا أول له و لا آخر . 


فهرع المشكرون عندئذ إلى مكة ، و عاد الرسول إلى المدينة ، و إنتهت المعركة الثانية المسطرة في جدول مشروع تأسيس الدولة الإسلامية . إن نجاح المعركة أو فشلها لا يعزى إلى العدة و العتاد ، بقدر ما يعود إلى التنظيم و التسيير ، و إلى مدى قدرة الجيش على الإنضباط و الإمتثال لتعليمات القيادة . و هذا ما تجلى بشكل واضح في غزوة بدر من تحكم دقيق في هذه الأمور ، و إختلالها الواضح في غزوة أحد و كانت من أسباب هزيمة المؤمنين . إن زعماء الحروب يتوقعون النجاح و الإنتصار على العدو ، قبل السعي إليها ، لما عرفوه و خبروه أيام المعارك التي مرت عليهم . أنه في الحقيقة يتجسد النصر إنطلاقا من ذكاء القائد ، و إيمان المحارب بالمسألة التي يحارب من أجلها أولا . و لنا في غزوة بدر الشيء الكثير من ذلك ، قلة المقاتلين ، و نقصان الخيول و بساطة الأسلحة ، لم تأثر في مجريات الغزوة ، بل أدت إلى النصر المبين ، بفضل حنكة الرسول في التسيير و القيادة ، و إستعداد و حماس المؤمنين للقتال في سبيل الله ، و إيمانهم القوي بالإسلام .



زحف الدعوة الإسلامية رغم المخاطر 



لم تثبط هزيمة المؤمنين في غزوة أحد ، عزيمة الرسول ، بعد إنصراف قريش إلى مكة ، بل زادته إصرارا على مواصلة الدعوة الإسلامية ، و السعي بها إلى أقاصي الجزيرة مهما تطلب الأمر من تضحيات في سبيلها. في السنة الثالثة من الهجرة ، بعث الرسول بجماعة من خيرة شباب المؤمنين إلى بعض القبائل العربية منها قبيلة عضل و القارة ، تلبية لطلبها المتمثل في تعليمهم أمور دينهم . و هذا بعد ما وصل إليها خبر هذا الدين الجديد . من هؤلاء الدعاة الذي كلفهم الرسول بمهمة التعليم ، هم على سبيل المثال : "مرثد بن أبي مرثد" ، "خالد بن بكير" ، و "عاصم بن ثابت" . في المسلك الذي إتخذه الدعاة إلى موطن هؤلاء القبائل ، غدر بمعظمهم عند بئر الرجيع ، فقتلوا من قبل رعاع القوم ، و بيع الأخرون في مكة .




في السنة الرابعة بعث الرسول بدعاة آخرين عددهم سبعون ، تلبية لطلب "عامر بن مالك" الذي وعده بالمحافظة على سلامة من يبعثهم إلى نجد ، إلا أن الوعد الذي قطعه مع النبي ، كان تمويها لنوايا جد خبيثة . فغدر بهم من قبل القبائل العربية ، منها "رعم" ، و "ذكوان" و "بني لحيان" و "عصية" ، فأهلكوهم عن آخرهم . لقد غضب الرسول غضبا شديدا على أصحابه الصالحين الأتقياء .




يقول الله تعالى : إِنَّ اللهَ إِشتَرَى مِنْ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ و أَمْوَالَهُمْ بِأَنَ لَهُمْ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتثلُونَ وَ يُقْتَلُونَ . وَعْدًا عَلَيْهِ حَقاً فيِ التَّوْرَاةِ وَ الِإنْجِيلِ و القُرْآنِ . وَ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ . فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الذِي بَايَعْتُمْ بِهِ . وَ ذَلِكَ هُو الَفوْزُ العَظِيمُ . 3.


لا نعجب من هذه الأفعال الشنيعة ، التي أقترفت في حق المسالمين الذين يريدون إصلاح النفوس العليلة ، و تربيتها على الأخلاق الحميدة ، فهي طبيعية جدا تسري في كل الحقب التي شاهدت إصلاحا أو ثورة في المجتمعات .





إخلال اليهود بالمواثيق 






فقال أحدهم و هو "عمرو بن جحاش النضري" : أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة ، يريد قتله . 

 إطلع الرسول على ما كانت تعول عليه بنو نضير ، من التآمر بحياته . فعاد على الفور مع اصحابه إلى المدينة ، و أخبرهم بما كان سيقع له لو بقي عند جدارهم . 
قال الرسول : أخبرني الله بذلك فقمت . 
بعد هذه الحادثة ، ألزم الرسول بني نضير اليهودية بالخروج من المدينة ، نظير ما فعلوه في حقه ، و أمهلهم عشرة أيام لتنفيذ ذلك . بعد الرفض ، حاصر النبي هذه القبيلة ، و قطع نخيلها حتى إضطروا في النهاية إلى الخروج ، تاركين كل متاعهم ، إلا ما قد خف و إتجهوا إلى خيبر و الشام . و هكذا و بهذه الكيفية ، إنتهت إقامتهم بهذه المدينة ، و أمن سكانها شر هم . ثم شرع الرسول في توزيع الغنائم على المهاجرين و البعض من فقراء الأنصار .

قال الله تعالى : مَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وض لِلرَسُولِ وَ لِذِي القُرْبَى وَ اليَتَامَى وَ المَسًَاكِينِ وَ إبْنِ السَبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَ مَا أَتَاكُمْ الرَسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَ اتْقُوا اللهَ إِنَ اللهَ شَدِيدُ الِعقَابِ . ِللْفُقَرَاءِ المُهَاجِرينَ الذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَ أَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللهِ وَ رِضْوَاناً وَ يَنْصُرونَ اللهَ وَ رَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمْ الصَادِقُونَ . وَ الذِينَ تَبَوَؤُوا الدَارَ وَ الإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يثحِبُونض مَنْ هَاجَرَ إليْهِمْ وَ لاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ المُفْلِحُونَ . 4.

لقد مر على إجلاء بني نضير من المدينة ، شهر و نصف الشهر من السنة الرابعة للهجرة . أراد الرسول بعدها غزو قبائل نجد التي بدا منها الغدر بإقتراف جرائم في حق سبعين من الدعاة المسلمين . فخرج و ترك وراءه في المدينة ، "أبي ذر الغفاري" ، و توجه إلى قبائل "محاربط ، و" بني ثعلب" . و لما وصل خيم في أرض "غطفان" ، يروم مقاتلة هذه القبائل ، اشتهرت هذه السرية ، بغزوة "ذات الرقاع" ، لكن شاء الله أن يجنب رسوله و المؤمنين هذه المواجهة فأدخل الرعب في قلوب تلك القبائل ، و لم يجدوا حلا ، إلا أن تفرقوا بعيدا عن جيش الرسول .



ظهرت في السنة الرابعة للهجرة أيضا ، ما كان متوقعا من يهود المدينة ، الذين كانت لهم مواثيق مع الرسول صلى الله عليه و سلم . لقد كان الرسول في حاجة إلى إعانة يدفعها دية إلى "بني كلاب" الذين قاتلهم "عمرو بن أمية" ، و كان لهم جوار و عهد عند النبي . ففي شهر ربيع الأول من السنة الرابعة ، أتى محمد إلى "بني نضير" اليهودية ، و إلتمس منهم هذه الإعانة . قبل اليهود في الظاهر ، و لكنهم عزموا على الغدر به ، ليتسنى لهم العودة من جديد إلى إثارة النعرات بين أهل المدينة و خلخلة أمنها .












غزوة بني مصطلق 



في السنة الخامسة من الهجرة ، في شهر شعبان ، خرج الرسول و أصحابه لمواجهة قبيلة بني "مصطلق الخزاعية" ، التي عزمت على مقاتلته ، تحت زعامة "الحارث بن ضرار" . و هي قبيلة عربية تنتمي في الأصل إلى "بني قحطان" . موقعها قرب ساحل البحر الأحمر . دارت رحى الحرب بين المسلمين و المشركين في مكان كثير الآبار ، يعرف "بماء المريسيع" . تمكن الرسول من إلحاق هزيمة شنعاء بهم ما جعلهم يتراجعون تاركين وراءهم جهازهم و متاعهم و قتلاهم . بعدما إنتهت المواجهة ، شرع الرسول في تقسيم الغنائم على المقاتلين المسلمين . عاد المجاهدون من هذه الغزوة برفقة النبي إلى المدينة ، منتصرين على الشرك ، و المشركين .

حدث أثناء العودة ألى يثرب ، شيء لم يصدق بتاتا ، و لم يخطر على بال أي إنسان عاقل . هذا الحدث اشتهر في تاريخ المسلمين بخبر الإفك . 
قالت "عائشة" رضي الله عنها : لقد خرجت مع الرسول صلى الله عليه و سلم في هذه الغزوة ، لما إنتهت ، أمر الرسول أصحابه بالعودة ، فرجعت إلى راحلتي لأمتطيها و أرجع مع القوم . بحثت أثناء ذلك عن عقدي فلم أجده ، فعدت أبحث عنه مكان إستراحتي . ذهب الركب ومعه راحلتي . لم ينتبه أحد بأنني لم أكن في هودجي ضمن القوم ، فتخلفت أنا ، و بقيت أنتظر من سيعود لأخذي . كان "صفوان بن معطل" وراء الجيش فوجدني ، و أناخ راحلته فركبت ، و إلتحقنا بالجيش في الظهيرة . لقد إفترى "عبد الله بن أبي سلول" علي الكذب ، و تولى إذاعة خبر الإفك بين الناس ، و أنا طريحة الفراش أعاني المرض مدة شهر ، و لا أعرف شيئا عن ذلك . فلما شفيت خرجت مع "أم مسطح" ذات ليلة لقضاء حوائجنا ، فعلمت حينها بالأمر ، فزدت مرضا . و لم ينتهي الأمر إلى أن نزلت الأية الكريمة ،


قال الله تعالى : يَا أَيُهَا الذِينَ آمَنُوا إنْ جضاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَاٍ فَتَبَيَنُوا .5. و قال كذلك: إِنَ الذِينَ جَاءُوا بِالِإفْكِ عُصْبَةٌ مَنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَراً لَكُمْ بَلْ هُو خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ أمْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسٍبَ مِنْ الِإثْمِ وَ الذِي تَولَى كِبْرَهُ مَنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ .6.


غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب 
 

في شهر شوال من السنة الخامسة الهجرية ، واصل الرسول جهاده على الشرك ، و المشركين الذين إستعملوا كل الطرق و إتخذوا كل التدابير لإفشال الدعوة إلى الإسلام . تارة بالحرب ، و تارة بالغدر و الخيانة ، و تارة أخرى بالتحالف مع اليهود . هذه المرة كان التحالف بين يهود "بني نضير" ، و كفار قريش بمكة ، قصدهم في ذلك هو الإطاحة بمحمد ، و إجتثاث جذور دينه من الإساس . قالوا إننا معكم في هذه الحرب إلى غاية إستأصال شأفته من بينكم . و أن ما أنتم عليه خير من دينه .


قال الله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَ الطَاغُوتِ وَ يَقُولُونَ للذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً .7.


إمتد التحالف ليشمل بعد ذلك كل من : قبيلة "عطفان" و "بني فزازة" و "بني مرة" ، و أخيرا "بني قريظة اليهودية" التي نقضت العهد مع رسول الله ، بعد إن إقتنعت أن تحالف عرب قريش أقوى من جيش محمد . زيادة على ذلك تخاذل المنافقين و ترددهم عن المشاركة في هذه الحرب . 


 قال أحد المنافقين : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى ، و قيصر و أحد اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.


 علم الرسول بدخول قريش في تحالف مع اليهود ، و بعض القبائل العربية لمحاربته . شاور الرسول اصحابه في الأمر، فأشار عليه "سلمان الفارسي" بحفر الخندق . كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف ، و عدد المشركين المتحالفين عشرة آلاف . و من هنا يبدو أن موازين القوى ، و إحتمال النصر قد يكون لصالح التحالف ، إلا أن مشيئة الله أرادت عكس ذلك ، فلم تجر الحرب كما كان متوقعا لها ، و كفى الله المؤمنين القتال ، نصر الله رسوله و المؤمنين دون قتال أو مواجهة تذكر . كان أمر هذه الحرب التي لم تنطلق رغم قلة المسلمين ، و قلة عتادهم .




عوامل إنهيار تحالف قريش و اليهود


أن "نعيم بن مسعود" الذي أسلم ، أتى الرسول و عرض عليه خطة محكمة لتفكيك التحالف ، و التي هي في الأصل مبنية على فكرة أن الحرب خدعة . ذهب نعيم بن مسعود إلى بني قريظة ، و هم يحسبونه لا زال مشركا . فقال خذوا الرهائن من قريش قبل القتال كي لا يفكروا في الإنسحاب ، و تبقوا وحدكم في ساحة المعركة . ثم ذهب إلى قريش و قال لهم أن قريظة ندمت و أتفقت مع محمد خفية على إختطاف بعذ الرهائن من سادة قريش ، و "عطفان" لتسليمها له فينفذ فيهم القتل ، فإن فعلوا فلا تسلمون احدا لهم . ثم ذهب إلى "غطفان" و أسمعهم نفس الكلام .


فبهذه الحنكة السياسية ، تمكن "نعيم بن مسعود" من تأليب بعضهم على بعض ، و دفعهم إلى إتهام بعضهم بالخيانة و الغدر . لقد كانت خطة "نعيم بن مسعود" ، هي بداية إنهيار التحالف العربي اليهودي ، ثم جاءت العوامل الطبيعية لتقضي على هذا التحالف نهايئا . فهبت رياح هوجاء أقلعت خيام المشركين ، و بددت شملهم أثناء حصارهم للمسلمين ، و لم يجدوا بدا من الإنسحاب فإنسحبوا.





قال ألفونس دي لامرتين Alphonse de Lamartine : لم يحدث في العالم أن قام إنسان في مثل هذا الوقت القصير بهذا التغيير الهائل و المستمر .... فإن كانت عظمة الغاية ، و قلة الوسائل و النتائج المذهلة ، هي المقائس الثلاثة لعبقرية الإنسان ، فمن الذي يجرؤ على مقارنة أي رجل عظيم في التاريخ الحديث بمحمد : حكيم و خطيب و رسول و مشرع و محارب و هادم للأفكار الخاطئة ، و محيي المعتقدات العقلانية ، و محيي العبادة بلا أصنام و لا صور ، و مؤسس عشرين إمبراطورية دنيوية ، و إمبراطورية واحدة روحية . ذلكم محمد و بالنظر إلى كل المقايسس التي يمكن أن تقاس بها عظمة البشر يحق لنا أن نقول هل يوجد إنسان أعظم منه . 8 .





غزوة بني قريظة 



علم الرسول من جبريل عليه السلام ،أن المعركة لم تنته مع قريظة بعد ، فعاد إليهم على الفور ، و حاصرهم في حصونهم خمسة عشر يوما كاملة . عرض أحد رجالهم ، و هو "كعب بن أسعد" ، عندما أدرك أن الرسول قد أصر على البقاء ، و أن الهزيمة ماثلة أمامهم ، ثلاثة حلول هي : نؤمن بمحمد و نصدقه على ما جاء به ، فنأتمن على أنفسنا ، و أبناءنا و نساءنا . نقتل أبناءنا و نساءنا و نخرج إليه و أصحابه و لم نترك وراءنا ثقلا نخشى عليه . أو نغير عليه دفعة واحدة مستغلين يوم السبت ، عسى الرسول أن لا يحاربنا فيه . أبى يهود "بني قريظة" حلول "كعب بن لأسعدط ، فخرجوا من حصونهم فرادى ، ثم سيقوا إلى خنادق في المدينة و قتلوا و سبي نساؤهم . كان من بين القتلى "حيي بن الأخطب" الذي أقنع بني قريظة بالغدر.







هذه هي الملحمة التي كتب فصولها سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، بدماء الشهداء الأبرار ، الذين سقطوا في ساحة الوغى ، دفاعا عن التوحيد و الحق و الأخلاق . عرف فيها ألوانا من الغدر ، و الخيانة ، و نقض العهود ، و تحالف الأعداء عليه بغية إبعاده عن ساحة العز و السؤدد ، و الإنتصار لمعتقد الشرك ، و طاعة الأوهام التي ألفوها منذ أسلافهم . إن الرسول أنهى هذه الملحمة بالنصر المبين وذلك بإقاظ ضمائر البشرية من الغيبوبة التي طال أمدها ، و تمكينها من معانقة الإسلام و إتباع منهجه في حياتهم الفانية .




المصادر:
  1. سورة النساء الآية 88 .
  2. سورة آل عمران الآية 168.
  3. سورة التوبة الآية 111
  4. سورة الحشر الآية 7 ـ 9 .
  5. سورة الحجرات الآية 6 .
  6. سورة النور الآية 11 .
  7. سورة النساء الآية 51
  8. ألفونس دي لامرتين : من أكبر الشعراء الفرنسيين ولد 1790 ـ 1869 ميلادية .

google-playkhamsatmostaqltradent