
الخلافاء الراشدون.

تعريف الصحابة The Companions of the Prophet
الصحابي بإختصار هو من لقي الرسول محمد (ص) و هو مؤمنا به ، و فارق الحياة على الإسلام . إن التعريف كما يبدو عام . الا أن للصحابة بعض الفضل و التزكية من الله ، و النبي ميزوهم بها عن سائر الناس . و هي على سبيل الحصر الهجرة ، و الإيواء ، و النصرة ، و الجهاد في سبيل الله.
قال الله في حقهم : وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ. 1
و قال الله تعالى أيضا : وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . 2 .
قال رسول الله فيهم : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، و من أبغضهم فببغضي أبغضهم ، و من آذاهم فقد آذاني ، و من آذاني فقد آذى الله ، و من آذى الله فليوشك أن يأخذه .
قال عبد الله بن مغفل . و قال أيضا : أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم . و قال : لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك أحدهم و لا نصفيه . مسلم .
الصحابة هم الجماعة التي ساندت و ناصرت النبي في أحلك الظروف ، و أصعب الأحوال التي مرت بها الدعوة . و ما خذلوا نبيهم أبدا . لقد خصص لهم التاريخ صفحات ناصعة سجلت لهم فيها جملة من المناقب التي لا تتوفر إلا في رجال أحبوا الحق ، و كافحوا ببسالة من أجله . فهم لرسول الله بمثابة الحواريين "لعيسى" عليه السلام الذين تعرضوا في سبيل الدعوة الى شتى صنوف الإزدراء و السخرية و المضايقة و الإذلال و الإحتقار من قبل اليهود . لقد واجه الصحابة من سادة قريش بسبب مؤازرتهم للرسول في دعواه إلى الإسلام ، مثل الحواريين تماما . لقد عاشوا الهجرة إلى الحبشة ، و النفي و المقاطعة و الحصار في شعاب مكة ، و التجويع بمقتضى الصحيفة التي علقتها قريش في الكعبة الشريفة. فكان الثبات على الحق من شيمهم مرضاة لله ، و تأييدا لنبيهم حتى أيدهم الله بالنصر المبين .
تنامى عددهم بعد ذلك خاصة أثناء إنتقال الإسلام من الدعوة ، إلى الفتح ، ليصل إلى مائة و أربعة وعشرين ألفا صحابيا. من بين الصحابة الأوائل الذين صدقوا الرسول محمد (ص) في دعواه و إعتنقوا الإسلام بعد ذلك : "أبو بكر الصديق" و "عمر بن الخطاب" و "عثمان بن عفان" و "علي بن أبي طالب" و "طلحة بن عبيد الله" و "الزبير بن العوام" و "عبد الرحمن بن عوف" و "سعد بن أبي وقاص" و "سعيد بن زيد" و "أبو عبيدة بن الجراح" . إنهم صفوة المسلمين الذين بشرهم النبي بالجنة في حياتهم . كان البعض منهم ممن توفرت فيه مواهب الذكاء ، و القدرة على الحفظ و تلاوة القرآن ، و رواية أحاديث النبي دورا عظيما في دفع الدعوة إلى الشمول : و هم "أبو هريرة" و "عبد الله بن عمر" و و "أنس بن مالك" و "عبد الله بن عباس" و "جابر بن عبد الله" و "سعيد الخدري" و "أبو بن كعب" و "زيد بن الثابت" و " أبو الدرداء" و "إبن مسعود" و غيرهم .
إن التاريخ الإسلامي بجل شخصيات هؤلاء الصحابة ، و عظم دورهم في إعلاء كلمة الحق ، و دحض مزاعم المشركين و أعراف أبائهم . التي كانت تدعو إلى تمجيد المجون ، و الفتن الدائمة . فمن هؤلاء الذين قادوا أو شاركوا في الغزوات لمقاتلة المشركين هم : "حمزة بن عبد المطلب" الذي إستشهد في أحد . و "عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب" و "عبد الله بن جحش الأسدي" الذي إستشهد في أحد . و "مصعب بن عمير" . و "أبو سلمة المخزومي" . و "عبد الله بن أنس" و "عكاشة بن محصن" و غيرهم .
الصحابيات الجليلات رضوان الله عليهن
و كما أبرز التاريخ الإسلامي دور الصحابة في نشر الدعوة الإسلامية بين قومهم ، و بين سائر القبائل العربية . فإنه لم يغفل أبدا دور الصحابيات اللواتي برزن في ميدان العلم ، و الفتوى ، و رواية الحديث .
يقول "الحافظ بن حجر" في كتابه القيم الإصابة في تمييز الصحابة . أن عدد الصحابيات تجاوز ألف و خمسمائة صحابية . من بين الصحابيات في هذا المجال أمهات المؤمنين : "عائشة" و "حفصة" و "أم سلمة" و "زينب بنت جحش" و "فاطمة " بنت رسول الله و "أسماء بنت أبي بكر الصديق" رضوان الله عنهن . كانت "عائشة" رضي الله عنها أكثرهن فقها في المدينة المنورة .
قال الرسول محمد(ص) عنها : فضل "عائشة" على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام . صحيح البخاري . و خصال الصحابيات كثيرة جدا ، لا يسعها الموضوع أبدا . "فعائشة" رضي الله عليها إتصفت بالذكاء ، و قوة الذاكرة و الشغف بالعلم و المعرفة . و ساهمت عدة عوامل إجتماعية في تنمية هذه القدرات لديها . مثل نشوئها في بيت النبوة ، و ملازمتها رسول الله بإستمرار عند نزول الوحي عليه . كان صحابة رسول الله يلجؤون إليها عند إختلافهم في كثير من المسائل الفقهية ، نظرا لعلمها و إلمامها بالفقه . لقد وصلت "عائشة" بقدرتها العلمية و تفوقها في الفقه إلى درجة إستنباط الأحكام الشرعية للوقائع التي لم يرد لها نص في الكتاب و السنة .
و على هذا المنوال فإن الصحابية "أم سلمة" هي الأخرى تميزت بالمواهب المختلفة إلى أن تشرفت بإستشارة النبي لها في مسألة صلح الحديبية . لقد إشتهرت هذه المرأة بعد وفاة "عائشة" رضي الله عنهما في التفسير ، و أحكام العبادات و الأدعية و الآداب.
إن ظاهرة فسح المجال أمام المرأة المسلمة للتزود بالعلوم ، و المعرفة ، و التبحر في صنوفها ماهي إلا من مبادئ ديننا الحنيف الداعية إلى عدم المفاضلة بينها ، و بين أخيها الرجل في طلب العلم . و إن ذلك لهو حقها الشرعي ، و الطبيعي لا مراء فيه . في حين عند سائر الأمم ، و في ذلك الظرف كانت المرأة تهان و يعبث بكرمتها ، بل كان تباع كالمتاع في الأسواق .
الخلفاء الراشدون أمام مسؤولية الأمة
و لنا أن نوضح في هذا المقام ، أن دور الصحابة لم يقتصر على الجهاد في سبيل الله ، و طلب العلم الشرعي للإستزادة من المعرفة الدينية ، بل تعداه إلى مجال السياسة ، و الإدارة . خاصة زمان الخلفاء الراشدين ، حيث إتسعت الدولة الإسلامية لتشمل عدة أقطار جديدة تتطلب الإشراف المتواصل ، و التسيير الإداري الصحيح . فأصبح التنظيم الإداري أمرا تقتضيه الضرورة بشكل فوري ، لحصر كل الإحتياجات التي تتطلبها الحياة الجديدة في ظل الدولة الإسلامية الفتية . أستحدثت عدة وظائف إدارية ، و دواوين في هذه الدولة لم يعهدها المسلمون من قبل . تمثلت مهامها في تسيير الأمور الإجتماعية ، و الإقتصادية ، و الجيش و غيرها . و كان الخليفة يسوس شؤون الرعية بمقتضى مبدأ الشورى ، طبقا لما ورد في الكتاب و السنة . لا يفرق الإسلام بين العرب ، و العجم إلا بالتقوى ، و الكفاءة و حسن الخلق ، و السيرة الطيبة . إنها المعايير التي تؤهل المرء إلى حمل مسؤولية الأمة ، و السهر على تحقيق مصالحها .
تجلت كفاءة الخلفاء الراشدين بعد وفاة الرسول الأعظم ، و إنتقاله إلى الرفيق الأعلى . و ذلك في التنظيم الإداري المحكم و قيادة الأمة بتبصر في سائر شؤونها نحو المجد و العظمة . لقد إبتكر الخلفاء الراشدون نظاما إداريا فعالا ، و صارما في إنتقاء الكفاءات الشخصية دون تمييز . و تعيينها في مختلف مرافق الدولة . إنتهى في وقتهم و بشكل قطعي التقديرات الخاطئة في تعيين المواهب حسب الطبقة الإجتماعية ، و الولاء ، و النسب ، و العرق . كما أوجد الخلفاء طرق إدارية بحتة في كيفية المراقبة ، و تفتيش الولاة و إطارات المؤسسات الإدارية المختلفة للدولة الإسلامية الواسعة . أن جميع التدابير الحكيمة في التسيير الإداري في عهدهم ، أتخذت وفق مبدأ الشورى في الإسلام .
يتجلى لنا و بشكل واضح من خلال صفحات التاريخ القديم ، و الحديث معا . إن ما قام به الخلفاء في هذا المجال كان طفرة فريدة ، و ثورة هائلة غيرت المعايير في إختيار ، و تقييم القدرات ، و المواهب لدى الأشخاص ، و حسن تعيينهم في المناصب الجديرة بهم . و كذا نكران الذات و أطماعها ، و التفاني في خدمة الرعية ،و تحقيق مصالح الأمة .
بعد وفاة النبي محمد (ص) مباشرة إلتقى جمع غفير من المهاجرين و الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور حول من سيخلف الرسول الأعظم في مواصلة قيادة الأمة الإسلامية . بعد نقاش قصير خال من التنافس و الصراع و النزاع القومي على السلطة . إتفق هؤلاء الصحابة على تزكية "أبي بكر الصديق" و مبايعته خليفة على المسلمين نظرا لخصاله المعروفة ، و مآثره العديدة . نال "أبو بكر الصديق" الصفة الشرعية لخلافة الأمة الإسلامية بعد مبايعته من قبل الصحابة . و ما عليه إلا مواجهة قضايا الأمة المصيرية التي صارت بعد وفاة الرسول ، مطروحة تستوجب الحلول الفورية ، و كذلك التصدي لجميع المعضلات التي ظهرت في المجتمع الإسلامي الحديث . و بالتالي لنا أن نعترف أن شخصية "أبي بكر الصديق" التي تم مبايعتها من قبل الأمة لهي جديرة بحمل المسؤولية السياسية ، و الإدارية ، و العسكرية بكل إقتدار في ظل الثقة العظيمة التي وضعتها فيه هذه الأمة عن طريق المبايعة .
معالم الحكم في الإسلام بعد الرسول(ص)
المبايعة هي شكل من أشكال الإنتخاب في أيامنا . و هي الطريقة التي ينتقى بها الحاكم الذي يتولى أمر المسلمين . لا يكون إختياره بكيفية إرتجالية خالية من روح المسؤولية ، بل يجب أن يتم مبايعة الحاكم وفق مقايس ،و شروط ، و صفات تتوفر فيه بغية نيل ثقة الأمة ، و إرتياحها له .
يقول عارف خليل أبو عيد : و لنتعلم من مبايعة الأمة "للصديق" بأن الحاكم في الدولة الإسلامية ، إذا وصل إلى الحكم عن طريق أهل الحل ، و العقد بايعته الأمة ، بعد أن توفرت فيه الشروط المعتبرة . فيجب على المسلمين جميعا مبايعته و الإجماع عليه ، و نصرته على من يخرج عليه حفاظا على وحدة الأمة ، و تماسك بنيانها أمام الأعداء في داخل الدولة الإسلامية و خارجها . إنتهى النص . 3.
و يقول الرسول محمد (ص) : من مات و ليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية . هذه الطريقة المثلى التي يتم بها إصطفاء الخليفة و تمكينه من مباشرة مهام الأمة . و هي الكيفية المستمدة من الشريعة الإسلامية التي يخضع لها الحاكم و المحكوم على السواء . يقول الله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا . 4 .
أما الخلافة فهي الأسلوب الذي أجمعت عليه الأمة للحكم و تنظيم شؤونها ، و رعاية مصالحها . و أن أصول الخلافة هي الأخرى مستمدة من الكتاب و السنة . و قد رأت الأمة الإسلامية أن الخلافة ضرورة ملحة لحسم الأمور بجدية . و لمواجه المواقف الصعبة إثر موت النبي محمد (ص) . و حمايتها من الفتن التي تؤدي حتما إلى الوقوع في الإنقسامات و تفكك وحدتها .
يقول أبو الحسن الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية : إن الله جلت قدرته ندب للأمة زعيما خلف به النبوة . و حاط به الملة . و فوض إليه السياسة ليصدر التدبير عن دين مشروع و تجتمع الكلمة على رأي متبوع . فكانت الإمامة أصلا عليه إستقرت عليه قواعد الملة . و إنظمت به مصالح العامة حتى إستثبتت به الأمور العامة . و صدرت عنه الولايات الخاصة . إنتهى النص .5 .
و أن الفقهاء المسلمين يطلقون أحيانا الإمامة على مصطلح الخلافة . لذا أصبح "أبو بكر الصديق" أول خليفة من الخلفاء الراشدين الأربعة الذي كلف بحمل ثقل هذه المسؤولية . و لا مناص من حملها و مواجهة متاعبها . إن سجل قضايا الأمة بعد وفاة نبينا الكريم بات ضخما و مؤرقا للغاية . فتطبيق الشريعة ، و حماية العقيدة ، و نشر الدعوة ، و إقامة الحدود و الذود عن حق الناس ، و السهر على خدمة الرعية ، هي من ضمن هذه القضايا . و على الخليفة التصدي لها بكل حكمة ، و تبصر و كفاءة عالية .
- سورة الأنفال الآية 74 .
- سورة التوبة الآية 100 .
- عارف خليل أبو عيد : شخصية أردنية متخصصة في الشريعة الإسلامية ولد سنة 1948 ميلادية .
- سورة الفتح الآية 18 .
- أبو الحسن الماوردي : فقيه في المذهب الشافعي . عاش في العصر العباسي من كتبه الأحكام السلطانية . ولد سنة 974 ـ 1058 ميلادية .