recent
أخبار ساخنة

الخليفة الصديق و السياسة الأمة الإسلامية .



الخليفة الصديق و السياسة الأمة الإسلامية .
الخليفة ابوبكر الصديق 


سياسة  الصديق التنفيذية 


 إعتمد "الخليفة الصديق"  في تنفيذ سياسته على جهاز تنفيذي . يصطلح على تسميته اليوم بالسلطة التنفيذية للدولة . إنه جهاز إداري بحت يستعين به في تسيير أمور المجتمع المختلفة ، وفق السياسة العامة للدولة . لقد رأى "أبو بكر الصديق" من الأجدر أن يعتمد على الصحابة رضوان الله عليهم كأعوان في حمل هذه المسؤولية معه ، و يكون هؤلاء الرجال  له محل مشاورة في أهم الأمور . و أن يتم  تشكيل هذا الجهاز منهم . في إطار هذا التوجه السياسي الجديد ، عين الخليفة "أبا عبيد الله بن الجراح"  في منصب أمانة الأمة ، أي في المال العام . فكلفه على بيت المال . و أسند القضاء "لعمر بن الخطاب" . و تولى "زيد بن ثابت" كتابة الدولة . و أحيانا إستعان الصديق "بعلي" و "عثمان" رضي الله عنهم . و هنا تتجلى لنا حنكة الخليفة الصديق الإدارية في إختيار الطريقة المثلى في التسييرشؤون الرعية . رأت الأمة الإسلامية ضرورة تخليص الخليفة من إنشغالاته اليومية فيما يخص أمور أسرته المادية . فخصصت له دخلا ماليا ، و هو بمثابة راتب رسمي  يتقاضاه من الدولة . و بهذا الإجراء تمكن الخليفة الصديق من التفرغ لشؤونها كلية . و قد قدر راتبه السنوي بثلاثمائة دينار و شاة .


سياسة الصديق التنظيمية 

يعتبر ما أقدم عليه الخليفة ابوبكر الصديق من مساعي في  تكوين جهاز إداري تنفيذي ، يرعى شؤون الدولة ،  و إختيار أمهر الرجال لتسييره . هو بمثابة الخطوة الأولى في بناء مؤسسات الدولة الإسلامية . هذه الرؤية الثاقبة التي بادر بها الصديق الذي كان تاجرا سابقا  في الميدان الحكم و التسيير، لهي نتاج ثقافته الإسلامية التي إستنبطها من دستور الأمة  الا و هي الكتاب و السنة . بينما  أن أرقى الممالك ، و الإمبراطوريات في أيامه ، كانت بعيدة كل البعد عن فهم هذا التوجه السياسي الجديد ، الذي سعى إلى  خدمة الشعوب ، و السهر على مصالحها بشكل إنساني سليم .                                            و أن إتساع الدولة الإسىلامية أيام خلافته ، لتشمل كل الجزيرة العربية ، لم تتعبه أبدا . بل زاده عزما على المضي في تطبيق برنامجه الذي أفصح عنه للأمة في خطابه . فإستحدث  سياسة إدارية ذكية ، يرعى من خلالها مصالح المسلمين  . و يضطلع على جل إنشغالاتهم . تتمثل إجراءات هذه  السياسة كذلك في تقسيم الدولة إلى ولايات ، و تعيين في كل ولاية إسلامية وال ينفذ أوامر الخليفة الضديق . و يرفع إليه هموم الرعية . تسمى هذه الإجراءات في وقتنا بالتقسيم الإداري للدولة . تعتبر سياسة التقسيم الإداري الحكيمة ، الخطوة الثانية في نهج الصديق لإستكمال تشييد سرح الدولة الإسلامية . 


التقسيم الإداري في عهد الصديق 

كان الخليفة ابو بكرالصديق يهتم بالغ الإهتمام بالولايات العامة للدولة .  فكان عند تعيينه من سيتولى الإشراف عليها ، يوصيهم بالتفاني في العمل ، و الإجتهاد في التسيير، كي تعيش الرعية الحياة المستقرة الشريفة ، تتوفر فيها كل أسباب العيش   الكريم . ومن المهام التي كان الخليفة يأمر الوالي بتنفيذها فور وصوله إلى ولايته . أن يتولى الإدارة ، و الحكم،  و الإمامة ، و الجباية المالية ، و سائر الخدمات الإجتماعية . إعتمد الخليفة في تسيير شؤون ولايات البلدان المفتوحة هذه ، على مجموعة من الولاة ، كان رسول الله ، قد أقرهم من قبل . و لم يغير منهم أحدا ، نظرا لخبرهم و تمكنهم من التسيير. جعل الصحابي "عتاب بن أسيد" أميرا على مكة المكرمة . و أقر كذلك "عثمان بن أبي العاص" الثقفي على الطائف . و بعث "المهاجر بن أبي أمية" إلى صنعاء . و ولى "زياد بن لبيد" على حضرموت . كما ولى "العلاء بن الحضرمي" على البحرين . و أبقى العراق ، و الشام تحت إمرة قادة الجند . أما اليمامة فولى عليها ، "سليط بن قيس" . و عمان ولى عليها "حذيفة بن محصن" . و صارت المدينة المنورة عاصمة للدولة الإسلامية ، و مقرا للخليفة الصديق .  


بهذه الترتيبات السياسية السليمة ، و الإدارية السوية التي إعتمدها الخليفة الصديق  في تنظيم إدارة الدولة . و في مباشرة مهام الأمة المتعددة . تمكن ببسالة و ثبات من البث بكل ثبات  في معالجة أهم قضاياها الأخرى التي ألحت الضرورة آنذاك على جعلها من الأولويات . و تمثلت في حماية الدين بمواصلة الدعوة الإسلامية ،  الدفاع بإستماتة عن وحدة الدولة الإسلامية التي بدأت تتسع في عهده ،  و إشاعة الأمن و الإستقرار في المجتمع الجديد ، و سد حاجاته الحيوية المختلفة .                      

 كما يبدو من خلال البحث . أن الخليفة الصديق الصديق إستطاع بمعية الصحابة ، تشييد مؤسسات الدولة الإدارية الكبرى بكامل التوفيق . و رغم أن هذه التدابير التي إتخذها في هذا الشأن تسستلزم الأعتماد على الذكاء ، و المهارة السياسية فقط . إلا أنه تمكن من ترويضها و تكييفها وقف النصوص الشرعية بكل حكمة و براعة . و بالتالي فإنه مكن الإسلام لأول مرة في تاريخ العرب من الولوج ساحة السياسة بأمان .  فأثبت بذلك ، و في نفس الوقت فشل ، و بطلان كل الأنظمة السياسية التي كانت تدير مقاليد الحكم  في الممالك ، و الإمبراطوريات قديما . و لم يقف الأمر به عند هذا الحد  ، بل ما قام به الخليفة الصديق في هذا الإطار ، يعتبر  إبتكارا حديثا ، بات ينافس أحدث أنواع المدارس السياسية  في العالم الذي صارت دولها تتغنى بأنها هي مبتكرة النظام الجمهوري ، و راعية الديمقراطية ، و مصدرة لها.


محاولات إحباط الردة في عهد الصديق 

إن الأعمال الإدارية المضنية حقا التي جادت بها كفاءة ، و حكمة الصديق ، في بناء الدولة ، و تحصين مؤسساتها . وجدت للآسف من يحاول دون يأس  إثارة الفوضى لتعطيلها أو إفشالها . إن أعداء الإسلام من بعض القبائل العربية حاولوا  نكران العقيدة الإسلامية ، و العودة إلى الجاهلية الأولى ، عن طريق عرقلة هذه المساعي الحميدة ، التي أراد منها الصديق توثيق وحدة المجتمع الإسلامي ، و تقوية مؤسساته . لقد عرف الصديق في خلافته الفتن الكبرى ، ظاهرها الردة عن الإسلام ، و التملص من تكاليفه الشرعية ، و باطنها حب الزعامة على القبائل العربية ، و التحكم في زمام أمورها ، و التعصب لها . و هذا ما يجعلنا نجزم أن المجتمع الإسلامي الذي تكوّن أيام خلافة الصديق ، و شمل الجزيرة برمتها ، لم يكن قد صفى بعد من عصابات الشر،  التي كانت تسعى في الخفاء إلى صد المسلمين عن دينهم . و ما فتئت في عهده تواصل إثارة الفتن ، و إشعال الحروب ، بغية خلق بؤر التوتر في المجتمع بالكيفية التي تؤدي إلى إنهاك قوة الدولة  الجهادية .


تدابير الصديق لإيقاف حركة الردة 

لقد بدأت حركة الردة في المجتمع الإسلامي أيام رسول الله ، في السنة التاسعة للهجرة . الفترة التي عرفت في تاريخ المسلمين بعام الوفود . و إزدادت قوتها في عهد الخليفة الصديق في السنة الموالية ، السنة العاشرة الهجرية . قاد هذه الحروب بعنف ضد المسلمين بعض زعماء القبائل العربية . من بينهم : "الأسود العنسيباليمن ، و "مسيلمةالكذاب باليمامة ، و "السجاح بنت الحارث بن سويد" ، و "طليحة الأسدي" بنجد . أدرك زعماء حركة الردة ، أن السبيل الوحيد للنصر هو الهجوم على المدينة المنورة ، عاصمة الدولة الإسلامية . فبسقوطها تسقط الدولة برمتها ، و تتضعضع أركان المجتمع الإسلامي الالحديث . 


تفطن الخليفة ابو بكر  لما كانت تسعى إليه هذه الحركة . فقام بتحصين حدود المدينة ، و حراستها ليلا ، و نهارا ببعض الفرسان المغاور . منهم : "علي بن أبي طالب" ، و "الزبير بن العوام" ، و "طلحة بن عبيد الله" ، و "سعد بن أبي وقاص" ، و "عبد الرحمن بن عوف" ، و "عبد الله بن أبي مسعود"  رضي الله عنهم . كما طلب على الفور من القبائل العربية المسلمة المجاورة للمدينة المساندة ، و الدعم لمجابهة أهل الردة المارقين عن الدين . من المحاربين الذين واقفوا مع جند الخليفة كانوا من قبيلة غفار ، و مزينة ، و جهينة ، و أشجع ، و كعب . لقد جاءوا إلى هذه المعارك مجهزين بالسلاح ، و الخيول و الجمال ، لمساندة إخوانهم في إطفاء نيران هذه الفتن . لما علم المرتدون بتدابير الخليفة الأمنية ، تراجعوا عن مهاجمة المدينة المنورة . كان هذا الإنتصار الذي حققه الخليفة عليهم ، في الذود عن عاصمة المسلمين ، إنتصارا مبدئيا . لقد أصر الخليفة بعد ذلك على محاربة المرتدين خارج المدينة، و صمم على إستئصال شأفتهم من المجتمع الإسلامي نهائيا. 

 

تخطيط الصديق لمحاربة أهل الردة 

قام الخليفة في المرحلة الثانية ، بمراسلة بعض القبائل العربية الثابتة على الإسلام . لتنبيههم و توعيتهم بضرورة التمسك أكثر فأكثر بعرى الإسلام . و الوقوف في وجه المرتدين الذين يرومون تشتيتهم ، و كسر شوكتهم . لقد نجح في ذلك نجاحا كبيرا ، بحيث جعل منهم جيشا قويا يمكن دحر جند المرتدين بكل يسر. قسم الخليفة الجيش الإسلامي إلى أحد عشر لواء . و عين على كل لواء أميرا . من المهام التي أُمر بها أمراء الألوية تتمثل في توحيد و إستنفار القبائل العربية ، و تهيئتهم للحرب . فتوجه  جيش "خالد بن الوليدإلى قبيلة بني أسد ، و تميم ثم اليمامة . و جيش "عكرمة بن أبي جهلإلى مسيلمة في قبيلة "بني حنيفة" ثم  عمان و حضرموت و اليمن . و جيش "شرحبيل بن حسنة" إلى اليمامة ثم حضرموت . و جيش "عمرو بن العاص" إلى قبيلة قضاعة . و كل جيش من جيوش الخليفة الأحد عشر توجه حيث أُمر . إتخذ الخليفة من قرية "ذي القَصة" ، قاعدة عسكرية لتحرك الجيش ، و لإدارة الحرب ، و تحليل معلومات المعارك التي كانت تصل إليه تباعا ، و تزويد الجيش في حينها بأوامر تماشيا مع ما يطرأ من جديد في ساحة الوغى .                                                                    


إن المهارة التي كان يتمتع بها الخليفة الصديق في تلك المرحلة الحرجة ، عكست لنا درايته الكاملة بتفاصيل جغرافية منطقة الحجاز ، و طرق التنقل في مسالكها ، و تجمعاتها السكنية . زيادة على ذلك ، براعته في إصدار الأوامر العسكرية السديدة إلى الأمراء الذين كانوا يقومون  بتنفيذها على الفور، للضغط على المارقين عن الدين . و لا ينبغي أن ننسى دور جيوش الخليفة في هذه المعارك . لقد تميزت بالتفوق العسكري الكبير على جند المرتدين ، كفاءة ، و عدة ،و عتادا ، نظرا لما حازته من خبر ، و مهارات أيام غزوات الرسول المظفرة على المشركين . و هذا ما أهلها عن جدارة على محق بقايا المرتدين الباغية . 


سقوط زعيم المرتدين في اليمن 

كان أمراء جيش المسلمين  ينفذون تعاليم "الخليفة الصديق" بكل عناية و حذر، فلا يشرعون في محاربة المرتدين إلا بعد دعوتهم إلى الإسلام من جديد . فمن أبى منهم وجب على الجيش مقاتلته . و يبدو أن الدعوة إلى الإسلام قبل بدء الحرب  كشفت للخليفة الصديق ، أن الغاية من ردة بعض العرب ليس الهروب من تكاليف الشريعة . بل حب الزعامة و سيادة على القبائل و العيش في أجواء الإغارات و الحروب الطويلة على بعضهم البعض دون طائل و لا مبرر . من أشهر حروب المرتدين التي واجهتها جحافل جيش المسلمين في عهد "الخليفة الصديق" هي الحرب على جيش "الأسود العنسي" الذي ظهر قبل  وفاة الرسول .                                                                                                 


لقد قاد زعيم المرتدين الذي لقب نفسه برحمان اليمن ، الحرب على الإسلام .  فإدعى النبوة و أنكرها على سيدنا محمد .     و أعلن في نفس الوقت القتال على أتباعه بكل شراسة . لقد تمكن من التأثير على بعض القبائل العربية ، و أولها قبيلته "عنس" و كون من أفرادها ، و رجال القبائل الأخرى جيشا عرمراما وصل إلى سبعمائة فارس . و بدأ بالضغط على القبائل المجاورة له بغية الإنضمام إليه ، و تأييده على الزعامة ، و سيادته عليهم . عند إستفحال طيشه و تفاقم بطشه، رأى خصومه من جيشه الإستعانة بالمسلمين للقضاء عليه . تمت دراسة خطة إغتياله بإحكام لا مجال للخطأ فيها . لقد تبنى قائد جيش العنسي "قيس بن المكشوح المرادي" ، و رفيقه  "فيروز" و "داذوية"  مسألة الإغتيال لأنها تيسر على المسلمين القضاء على جيشه فيما بعد ذلك . وجدت هذه الجماعة من مهد لهم سبيل قتله على فراش نومه ، و هي زوجته "آزاد الفارسية" التي إغتصبها ، و أخذها عنوة من زوجها . و تم الإعلان عن مقتله ، و عرف الرسول ذلك قبل موته بقليل . و كان أول فتح إسلامي في عهد "الخليفة الصديق" . عين "أبو بكر الصديق" "فيروز الديلمي" واليا على اليمن و جعل "قيس بن مكشوح" و "داذوية" مساعدين له . 


مواصلة الحرب على المرتدين 

لا نتصور أن معضلة ردة العرب عن دينهم قد إنتهت بسقوط الزعيم العنسي ، بل ظلت معقدة أيام "الخليفة الصديق" ، و كان عليه أن يواجهها بكل ثبات و رباطة جأش . في الحقيقة كان "الصديق"  ينتظر جيش "أسامة" الذي بعثه إلى فتح الشام . ليتولى مقاتلة المرتدين في اليمامة ، و البحرين ، و عمان ، و تميم . و هي أعتى مواجهة مما حدث في اليمن . و رغم ضخامة المواجهة ، تمكن الخليفة من القضاء عليها تارة بجيش الدولة بعد عودته من الشام ، و تارة بمراسلة العرب الثابتين على الإسلام ، و توعيتهم بضرورة التمسك بالعقيدة الإسلامية ، و دعم إخوانهم في هذه الحرب . إستعان "الخليفة الصديق" بعد ذلك بجيش "عكرمة" الذي قدر بسبعمائة فارس ، فأمره بتطهير منطقة عمان ، و أن يجتمع مع "المهاجر بن أبي أمية"  القادم من صنعاء فيتوجها سويا  إلى "كندة" .


 لقد إنشغلت الأمة الإسلامية عن الكثير من مهام الدولة ، و قضايا المجتمع الحيوية بسبب هذه الحروب  التي انهكت جيش "الخليفة الصديق" . تواصلت إذن هذه الحروب مع المرتدين بكل ضراوة  . فبعد عودة "المهاجر بن أبي أمية" من صنعاء إلى المدينة . أعد هذا الأخير جيشا من الأنصار و المهاجرين ، و خرج ليتمم مطاردة  فلول المرتدين في سائر مناطق الحجاز . إنضم إليه زعماء العرب من مكة ، و الطائف ، و نجران ، و تهامة ، و صنعاء ، و اليمن ، و حضرموت ، و كندة . إن نهاية المرتدين عن الإسلام  الحتمية كانت على يد جيوش الدولة الإسلامية الجرارة ، التي إكتسحت ربوع الجزيرة بقيادة "المهاجر بن أبي أمية" ، و رفيقه "عكرمة بن أبي جهل" . و تم النصر بالنزال تارة و بالمحاصرة تارة و بالتوعية تارة أخرى . إن أعتى الحروب التي دارت أيام "أبي بكر الصديق" هي التي أرسل إليها جيش "عكرمة" و "مهاجر" و "شرحبيل بن حسنة"  للقضاء على جيش "مسيلمة" الكذاب . 

 

معاملة الخليفة الصديق مع زعماء الردة 

كان "أبو بكر الصديق" حكيما ذو بصيرة ثاقبة في تسيير أمور الحرب ، التي إجتاحت في عهده كل الجزيرة العربية . فكان يعفو عن زعماء  المرتدين المعاندين بمجر عودتهم  إلى الصواب ، و إلى الحق و إلى الإسلام ،  و توبتهم من الخطيئة ، و وهم الزعامة . كان القصد من سياسة العفو التي إنتهجها هي في المقام الأول ، الحفاظ على تماسك الأمة ، و وقايتها من الشتات  و الوهن . كما كان يرى في شجاعة هؤلاء الزعماء ، القوة الضاربة التي يمكن أن تعين المسلمين على نجاح الفتوحات الإسلامية المنتظرة.                                                                                                               و من ثمار هذه السياسة السديدة ، أن اليمن تخلصت من العصبية نهائيا ، و توحد شعبها ، و إنضمت إلى الأمة الإسلامية ، و صارت تابعة إلى عاصمتها المركزية في المدينة المنورة .


لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل واصل "أبو بكر الصديق"  تجفيف منابع الشرك ، و الردة في كل مكان من الجزيرة . في منطقة نجد ظهر المرتد "طليحة الأسدي" في سنة 11 هجرية زعيما على  قبيلة "أسد" و "غطفان" و "طيء" و "عبس" و "ذبيان" ، ليقود منها جيوشا كبيرة لمقاتلة المسلمين . بعث "أبو بكر الصديق" "خالد بن اللوليد" للقضاء عليه ، و كان ذلك في معركة "بزاخة" . يعد "طليحة الأسدي" ثالث زعماء المرتدين بعد الأسود العنسي ، و مسيلمة الكذاب .    ثم واصل جيش أ"بي بكر الصديق" الزحف على مناطق بقايا المرتدين ، و منها منطقة عمان التي أطل منها مدعي النبوة ، هو "لقيط بن مالك الأزدي" ، بعد أن تغلب على ملكها "جلندى" و إبنيه . أرسل الخليفة الصديق الأمير "حذيفة بن محصن" ، و عرفجة لمحاربة هذا المارق في عمان ، و دعم جيشهما بجيش "عكرمة بن أبي جهل"  و كان النصر للمسلمين إذ قتلوا من المرتدين حوالي عشرة آلف و غنموا الأموال و المتاع . 

قال الله تعالى : و أَعِدُّوا لهم مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَةٍ وَ مِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ و عَدُوَّكُمْ و ءَأخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ الله يَعْلَمُهُمْ و ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَّفَ إليْكُمْ وَ أنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ . 1.                                                                      


 لقد إستهلك تاريخ المرتدين عن الإسلام فترة معتبرة من خلافة الصديق . و كان على جيش المسلمين يومذاك أن يواجه هذه الفتن التي أجج نيرانها الطامعون في زعامة القبائل العربية ، و التحكم فيها . لا يخفى على أحد أن من أخطر المتنبئين ، "مسيلمة" الذي ولد باليمامة بنجد . أسلم قومه من بني حنيفة أيام رسول الله ، و ذهب بعضهم  في الوفد لمبايعته ، و كان مسيلمة ضمنهم  متخفيا . حين عاد إلى اليمامة إدعى النبوءة  و جاهر بها ، و تجاوب "بنو حنيفة" مع هذا المارق عن الإسلام ، و ناصروه على ما يدعيه. فبعث "أبو بكر الصديق" "خالد بن الوليد" لمقاتلة مسيلمة و قومه باليمامة . كان النصر للمسلمين في بزاخة . سقط مسيلمة الكذاب برمح و"حشي بن حرب" ، ثم ضرب بالسيف . إنتهت هذه الحرب بمصرع إحدى و عشرين من أتباع مسيلمة ، و إستشهد من المسلمين ما يقارب ستمائة من خيرة المقاتلين و من بينهم حفظة القرآن الكريم .                                                                                                                                        

هذه الأحداث المأسوية التي مرت بها  الأمة الإسلامية في صدر الإسلام ، و هي في مرحلة النمو ، أبطأت مسيرتها نحو الوحدة المنشودة ، و أوهنت أواصر  قبائلها العربية . و شغلتها إلى حين عن تثبيت أركان مؤسسات الدولة الإسلامية بشكل نهائي . لكنها وفرت "للخليفة الصديق" خبرة سياسية ، و حنكة بإدارة أمور المجتمع الإسلامي ، الذي لم يبرأ بعد من علل  الجاهلية ، فأدرك "الخليفة الصديق" أن هيبة الدولة الإسلامية تقتضي الحزم و الجدية في مقارعة ذوي النوايا السيئة و الأطماع الشخصية التي لا تؤدي في نهاية المطاف إلا إلى تهديد إستقرار ، و أمن الأمة بأسرها . كما أدرك أن صمودها يستوجب الحرص على نشر الدعوة الإسلامية ، و ما تنطوي عليه من تعاليم القرآن ، و تربية المجتمع الجديد وفق أخلاق الرسول محمد (ص) النبيلة المستمدة من السنة الشريفة . بهذه الكيفية تمكن "الخليفة الصديق" من صيانة وحدة الأمة الإسلامية ، و التفرغ إلى توسيع حدودها بإكتساح دول أجنبية أبت أن ترى شعوبها تتخلى عن دين أسلافها ، و تعتنق الإسلام .

 قال الله تعالى : وَعَدَ اللهُ الذينَ ءَامَنوا مِنْكُمْ وعَمِلوا الصَالِحَات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْضِ كَمَا إِسْتَخْلَفَ الذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ و لَيُمَكِّننَ لَهُمْ دينُُهُمْ الذي إِرْتَضَى لَهُمْ و لَيُبَدِلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهمْ أَمْناً . يَعْبُدونَنِي لا يُشْرِكونَ بي شَيْئاً . و مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الفَاسِقُونَ . و أَقيموا الصَلَوة و ءَاتُوا الزَكَوةَ و أَطِيعُوا الرَسولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون .2. 

لقد مات أبو بكر الصديق و هو يؤدي مهامه بكل نجاح رغم المكاره و المخاطر في سنة 634 ميلادية بعد مرض ألزمه الفراش مدة خمسة عشرة يوما لم يصل فيها بالناس .


  1. سورة الأنفال الآية 60 .
  2. سورة النور الآية 55 ـ 65 .



مصادر الموضوع : 

  1. الدكتور محمد محمد الصلابي : أبو بكر الصديق . شخصيته و عصره .
  2. محمد سعيد رمضان البوطي : فقه السيرة النبوية .
  3. سميح عاطف الزين : خاتم النبيين محمد صلى الله عليه و سلم .


google-playkhamsatmostaqltradent