recent
أخبار ساخنة

مشاريع الخليفة عثمان بن عفان .


مشاريع الخليفة عثمان بن عفان .
عثمان بن عفان




 مجمل أعمال الخليفة عثمان بن عثمان

 لقد إستفادت الأمة الإسلامية كثيرا من عبقرية و مهارة الخليفة "عثمان بن عفان"  في شتى المجالات : المجال الديني ، و السياسي و الإقتصادي ، و الثقافي ، و  العسكري . لقد تمكنت في أيامه من تحقيق قضاء قوي مستنبط من النصوص الشرعية : كتاب الله ، و السنة النبيوية الشريفة. قضاء كان يسهر رجاله على إشاعة العدل و المساواة بين أفراد الرعية ، دون تفرقة بين الأعراق ، و الأنساب ، و الطبقات الإجتماعية . كان يقف الخليفة شخصيا على سير القضاء ، خشية الله ، و إقتداء برسوله ، و حرصا منه على تمكين الناس من حقوقهم المشروعة .  نتيجة ذلك قلت الإضطرابات ، و القلائقل و الفتن في المجتمع الإسلامي . و ساد السلام و الأمن . و إطمأن الناس على أنفسهم  و ممتلكاتهم و تنقلاتهم أثناء البيع و التجارة . 


ناضل الخليفة عثمان بلا هوادة ، و لا عياء أو ملل في مساعيه لتوزيع ثروات الأمة الإسلامية من بيت المال على الرعية بصفة منصفة عادلة ، وفق معاير متعارف عليها في الفقه الإسلامي . فلم ينس الفقير و المسكين ، و إبن السبيل ، ولا المرأة و الصبي ، و طلاب العلم و غيرهم . كما كان حريصا على جباية ما كان على ذوي اليسر ، من مال الخرج و عشور التجارة لفائدة بيت المال . و مع هذا كله فإنه شجع الناس على إمتلاك الأراضي الزراعية ، و المواشي ، و على ممارسة الأنشطة التجارية مع الأمم المجاورة ، و البيع الحر في الأسواق . فعم الرخاء و تيسرت للأمة ظروف المعيشة الحسنة الهنيئة.


إنجازات عثمان بن عثمان الكبرى 

لقد تميز عهد خلافة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه بتجسيد عدة مشاريع ، ساهمت في توحيد و ترقية الأمة الإسلامية ، و تقوية جيشها ، و حماية عقيدتها الإسلامية  من التحريف ، و التدليس و صونها من الزوال . و هذا العمل الجبار الذي أنفق عليه الخليفة من إجتهاده الفكري ، و جهده العملي سنوات عدة ، بغية تحقيقه ،  كان يسمو في نظره على سائر أنشطة ، و أمور الأمة و شؤونها التي جرت العادة إن يباشرها الخليفة يوميا ، مع الولاة و عماله في الأمصارعبر مناطق الدولة الإسلامية الكبيرة. من هذه الإنجازات .               


 جمع القرآن الكريم في مصحف واحد 


إن السبب الذي دفع "عثمان بن عفان" إلى إنجاز مشورع جمع آيات القرآن الكريم في مصحف واحد ، هو الخوف على الأمة من الإختلاف في قراءته . قال "حذيفة بن اليمان" للخليفة يوم مجيئه من غزوات الفتح "بأرمينيا" و "أذربيجان"  يا أمير المؤمنين ادرك هذه الأمة قبل إستفحال إختلافهم في قراءة كتاب الله الكريم ، كإختلاف اليهود و النصارى من قبل . فقام "عثمان بن عفان" بمبادرة إستنساخ كتاب الله الأصلي الذي كان بحوزة حفصة رضي الله عنها في عدة مصاحف. و بعد إستشارة أعيان و أعلام ، و أئمة الأمة الإسلامية ، و علملئها ، أمر بالشروع في عملية النسخ هذه ، و جند مجموعة من أشهر قراء الصحابة ، و أتقنهم  لحفظ كتاب الله و أفهمهم  للغة و إعرابه و هم : "زيد بن ثابت" "عبد الله بن زبير" "سعيد بن العاص" "عبد الرحمان بن الحارث بن هشام" . بعد هذه العملية التي تعد من أجلّ العمليات و أثقلها في حياة خلافة الأمة ، و التي إستغرقت وقتا و جهدا و تركيزا عظيما.


بقي على الخليفة "عثمان بن عفان" البث في مهمة إرسال هذه المصاحف المستنسخة إلى الأمصار المعروفة في ذلك الوقت وهي : مكة المكرمة ، و المدينة المنورة ،  و الشام ، و الكوفة ، و البصرة ، و البحرين ، و اليمن ، و نسخة أبقاها لنفسه. بهذا العمل أمّن الخليفة على مصير العقيدة ، و جنّب الأمة الإسلامية فتنة الإختلاف في كتاب الله. لم يقف الأمر عند عملية الإستنساخ ، بل رأى الخليفة بعد ذلك ضرورة بعث من يرشد أهل الأمصار إلى قراءته القراءة السليمة الصحيحة ، و لذلك عيّن "عبد الله بن السائب" قارئ مكة ، "المغيرة بن شهاب"  على الشام ، "أبو عبد الرحمان السلمي" على الكوفة ، و "عامر بن قيس" على البصرة ، و "زيد بن ثابت"على المدينة .


قال الله تعالى : و أَنَّ هَذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَكُمْ تَتَّقُونْ . 1 . وَ لاَ تَكُونوا كَالذِينَ تَفَرَقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ البَيِّنَاتْ وَ أُؤلًَئِكَ لَهثمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . 2 .


ثانيا توسيع المسجد النبوي الشريف 


رأى الخليفة "عثمان بن عفان" ضرورة الإهتمام بترقية و تطوير هياكل العبادة لتكون طاقة إستيعابها في مستوى تزايد عدد المصلين بإستمرار . و لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل سعى الخليفة كذلك أن يكون المسجد النبوي ، و المسجد الحرام مواكبين لمظاهر العمران الراقي في ذلك الوقت .  


لقد قام الخليفة عثمان بن عفان في هذا الصدد بتوسيع مساحة المسجد النبوي الشريف ، و هذا بعدما زاد عدد المصلين فيه كثيرا ، و فاق قدرة إستيعابه لهم . فأصدر الخليفة أمرا بتوسيعه . تمت عملية توسيع المسجد من الناحية الشمالية ، و الغربية ، و الجنوبية فقط . أما الناحية الشرقية فلم تتعرض لهذه العملية ، لوجود حجرات زوجات النبي (ص). إستعمل البناؤون لتشيد الأجزاء الجديدة من المسجد ، مواد مختلفة منها الحجر المنقوش ، و مادة الجص . و كانت الأعمدة من الحجر المقوى بالحديد و الرصاص . أما  بالنسبة لسقف المسجد  فتم  تشيده من خشب الساج القوي و الثمين . إستغرقت عملية البناء المسجد من سنة 644 ـ 656 ميلادية .  صار مقدار الزيادة فيه بعد إنهاء المشروع 496 متر مربع . لقد إحتوى المسجد النبوي أيام الخليفة "عثمان بن عفان" على سبعة أروقة ، و ستة أبواب ، و خمسة و خمسين عمودا  و مقصورة و محرابا . و إستعمل في إنارة محيط المسجد القناديل الزيتية . بالتالي كيّف الخليفة حجم المسجد وفق متطلبات العبادة و شعيرة الصلاة في ذلك الزمان .


 توسيع المسجد الحرام 


أما ما يخص المسجد الحرام في مكة المكرمة ، فقام أمير المؤمنين عثمان بن عفان بتنفيذ مشروع توسيعه ، و الزيادة في مساحته .  لقد جرى البدء في عملية الإنجاز  هذه ، بعد شراء جميع المنازل المحذية لمحيط المسجد ، ثم تدميرها كلية ، و دكها و تسويتها بأرض المسجد ، و ضمها لمساحته  كي يسهل الشروع في عملية إنجاز المشروع . و بعد إتمامه زادت مساحته بمقدار 2040 متر مربع . أما بالنسبة لتطوير المظهر الخارجي للمبنى ، فقد إبتكر الخليفة في هذا المسجد و لأول مرة في تاريخ بناء الأمة الإسلامية ، أروقة مسقوفة و مثبتة على أعمدة رخامية ليلحَم المصلين و العاكفين عليها الشعور الحقيقي بالعبادة ، و كذلك ليميزه عن سائر المباني العادية . بهذه الكيفية الحضارية ، صارت المساجد في المدينة و مكة أيام الخليفة "عثمان بن عفان"  تبتعد شيئا فشيئا عن مظاهر البناءات التقليدية التي كانت ضرورية في بداية الدعوى الإسلامية ، و أمام ندرة الإمكانية المادية التي عانى منها المجتمع الإسلامي آنذاك ، و الذي جعلته لا يفكر إلا في نشر العقيدة و الدفاع عنها بالوسائل المتوفرة .


رابعا تأسيس أسطول بحري عسكري 

لقد تجلى أمر إهتمام الخليفة عثمان بن عفان بالسلاح البحري المتمثل خاصة في الأسطول البحري ، و ذلك للدفاع عن حدود الدولة الإسلامية ، من جهة الساحل البحر المتوسط . في حقيقة الأمر أن فكرة إنشاء الأسطول تبادرت إلى ذهن "معاوية بن أبي سفيان" ، و رآها ملحة في تلك الظروف لمقاومة الأعداء ، و إبطال هجماتهم في عرض البحر . وافق الخليفة على إلحاح "معاوية" في طلبه ، و على تنفيذ فكرة تأسيس الأسطول .  


أمر الخليفة إذن الوالي "معاوية" و "عبد الله بن أبي سرح"  بإنشاء الأسطول لصد هجمات الروم البيزنطيين المتكررة على حدود البلاد الإسلامية . خاصة من جهة الشام ، و مصر ، و لتأمين أراضيها و إستقرار أوضاع السكان فيها. شيد "معاوية" و صاحبه دور الصناعة في مصر لنباء سفن الأسطول ، و أضاف إليه جميع البواخر التي وقعت في قبضتهم ، في كل من موانئ الإسكندرية ، و مدينة عكا. بهذه الكيفية تمكن المسلمون من تنويع الإستراتيجية الحربية للدفاع عن الدولة الإسلامية ، برا و بحرا.


إن هذا العمل العسكري يعد مفخرة للأمة الإسلامية جمعاء ، سجلها التاريخ . حيث  تمكن الفاتحون المسلمون من التأقلم مع هذا النوع من السلاح بسرعة مذهلة فاقت كل تصور . و أهم إنتصار سجله هذا الأسطول ، كان في موقعة ذات الصواري سنة 34  هجرية . حيث تواجه الجيشان في هذه الموقعة ، و كان عدد سفن جيش الروم يقدر بستمائة وحدة ، و كان عدد سفن المسلمين الحربية مائتي وحدة حربية تحت قيادة "عبد الله بن أبي سرح" . دارت بينهما معارك ضارية ، كان النصر فيها للمسلمين ، رغم عدم تكافؤ موازين القوى بينهما. دمر الفاتحون أسطول الأعداء ، و قتلوا الكثير من جيشهم ، و أصابوا ملكهم الأمبراطور قسطنطين الثاني، الذي فر من المعركة. 


نهاية عهد الخليفة عثمان بن عفان  

لقد وصلت خلافة "عثمان بن عفان" في أواخر عهده من حكم المسلمين ، إلى نهاية مفجعة ، و مأسوية ، و مؤسفة جدا ، من جراء مؤامرات خبيثة ، و تخطيطات رهيبة . أعدها بدقة الحاقدون على الإسلام ، وعلى المسلمين جمعاء ، الذين هزموا ملوكهم ، و أبادوا جيوشهم ، و حطموا دياناتهم الباطلة ، و أعرافهم و عاداتهم الزائغة . فحيكت خيوطها هذه المؤمرات الهدامة في الخفاء  بسرية فائقة ، و تكتم بالغ . لقد تكونت لهذا الغرض القبيح ، جمعية سرية ضمت كل الحاقدين ، و الساخطين من الماجوس و اليهود ، و المعارضين للإسلام من العرب ، و الرعاع و السذج ، و أراذل القوم و أوباشهم . إمتدت فروعها إلى المدن ، و أقاليم الأمصار العديدة . و نسجت بين أعضائها شبكة إتصالات سرية ، في كل من الكوفة و البصرة بالعراق ، و مصر ، و الشام و حتى المدينة المنورة . 

                

كان قائد هذه العصابة الباغية "عبد الله بن سبأ " اليهودي الذي ينتمي في الأصل إلى يهود صنعاء باليمن . أمر أتباعه بتهييج الرعية على الأمراء و عمال الأقاليم بواسطة الأكاذيب و الإفتراءات ، و التظاهر بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و غايته في ذلك الوصول إلى عزل الخليفة عثمان ، و القضاء على الدولة الإسلامية برمتها ، في آخر المطاف. و بالتالي فلم يدخر جهدا في الإنطلاق بثبات في مساعيه التخريبية ، و دسائسه الهدامة لكل ما تم أنجازه  خلال فترة "عثمان بن عفان"  . فطاف بأهم أمصار البلاد الإسلامية ، و تغلغل في أوساط أقوامها ، محاولا إثارة الفتنة بين الرعية و المسؤولين على شؤونها . و تأليب الناس على الخليفة . 


فذهب إلى البصرة فأخرجه الوالي "عبد الله بن عامر"  منها . فتوجه إلى الكوفة عسى أن يجد ضالته فيها . فطرد منها على الفور كذلك . و ظل يسعى دون كلل ، يبحث عن البيئة الملائمة  لتجسيد نواياه الدنيئة المنحطة . فقصد بلاد الشام ، غير أنه وجد من كان له بالمرصاد ، و هو "معاوية بن أبي سفيان" . و أخيرا إستقر به المقام في مصر ، و منها بدأ ببث مزاعمه في كل من البصرة ، و الكوفة ، و الشام . و منها بدأت كذلك تفاصيل المؤامرة تتجلى لعمال الأقاليم بشكل لا يحتمل الريب أبدا . لقد إدعى أن وصي النبي محمد (ص) هو"علي بن أبي طالب" وهو خاتم الأوصياء ، و أن "عثمان" إنتزع الخلافة من الوصي علي دون وجه حق . 


مقتل الخليفة عثمان بن عفان  

لقد أثرت هذه الإدعاءات ، و المزاعم  المشاعة بين الناس ، على أهل الأمصار   بدأ الإضطراب ، و القلاقل تتفشى بسرعة في الدولة الإسلامية . كانت البداية من بلاد مصر.                                                                            إستقبل الخليفة  أهل مصر المتذمرين من واليهم  "عبد الله بن أبي سرح" ، و إستمع إلى شكواهم . فبعث على إثر ذلك بجماعة من الأنصار ، و المهاجرين ، و معهم "محمد بن أبي بكر"  وحمله عهدا بتوليه  على مصر عوض إبن أبي سرح . و كان هذا إقتراح "علي  بن أبي طالب" و "طلحة" و "عائشة" رضي الله عنهم .


 خرجت الجماعة من المدينة المنورة متوجين إلى مصر . و في الطريق إستوقفهم غلام يحمل رسالة .  إدعى أنها من الخليفة نفسه . إلا أنها تبيّنت أنها من "مروان"  الذي كان يطلب فيها من الوالي "إبن أبي سرح" قتل "محمد بن أبي بكر" و من معه عند وصولهم . فعاد أصحاب رسول الله إلى المدينة ، و معهم الغلام و الرسالة . بعد قراءة الرسالة أدرك الخليفة ، و من كان بحضرته "علي" و "الزبير" و "طلحة" و "سعد" و "عمار" أنها مكيدة من صنع "مروان" . طلب أصحاب رسول الله تسليم مروان إليهم . فرفض تسليمه . و بالتالي ذاع الخبر في المدينة . و حاصر أهلها الخليفة "عثمان بن عفان" في داره . ثم إقتحموا عليه المنزل من الأعلى ، و قتلوه رغم الحراسة المشددة من قبل الحسن و الحسين ، و بعض الصحتابة . إن مقتل الصحابي الجليل كان بداية فتن تحمل المجتمع الإسلامي الكبير نتائجها ، و عواقبها الوخيمة .


  1. السورة الأحزاب الآية 70.
  2. السورة  آل عمران الآية 105.


مصادر البحث : 

  1. د . محمد حسين هيكل . كتاب عثمان بن عفان .
  2. د. محمدسعيد ومضان البوطي . فقه السيرة .
  3. د . محمد محمد الصلابي . كتاب عثمان بن عفام شخصيته و عصره .


google-playkhamsatmostaqltradent