![]() |
عمر بن الخطاب |
موجز عن حياة عمر بن الخطاب
يعتبر "عمر بن الخطاب" ، الخليفة الثاني للمسلمين بعد "أبي بكر الصديق" رضي الله عنهما . كني عند العرب "بأبي حفص" ، و إشتهر في الإسلام بالفاروق ، لأنه جاهر بالإسلام في مكة المكرمة ، ففرق الله به بين الكفر و الإيمان ، و جعله سندا قويا و دعما قويا للدعوة الإسلامية . لقد ولد "عمر بن الخطاب" بمكة المكرمة بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة . تميز بالقوة و الشدة و الشجاعة و المروءة . كان يخشاه أقرانه لشجاعته ، و قوة جسمه . تزوج "أم كلثوم" بنت الصحابي الجليل "علي بن أبي طالب" من "فاطمة" بنت الرسول محمد (ص). ولدت له "زيدا " و "رقية". لقد عاش عمر بن الخطاب في الجاهلية حياة قاسية كغيره من قاطنة المناطقة المقفرة . رعى الإبل ، و الأغنام لوالده و خالاته. و رغم قسوة الظروف الإجتماعية التي عانى منها عمر بن الخطاب في صغره ، لم تضعف عزيمته أبدا ، و لم تلهيه ظروفه البائسة عن الإهتمام بتعلم الكتابة ، و القراءة و تذوق الشعر ، و ممارسة رياضة المصارعة ، و ركوب الخيل ، و الإلمام بتاريخ أسلافه العرب ، و الإطلاع على مآثرهم في حياتهم السلمية و الحربية .
عمر بن الخطاب المحافظ على النظام المكي
صار "عمر بن الخطاب" بعد ذلك من أشراف قريش و سادتها . تمتع بحياة رغدة ، و بعيش هنيئ ، و تنعم بثراء كبير في قومه . لقد إحترف التجارة بمهارة و حذق ، و تمكن منها بكفاءة ، حيث كان يسافر مع قوافل القبائل العربية إلى الشام ، و إلى اليمن في رحلة عرفت في القرآن الكريم ، و في تاريخ العرب برحلة الشتاء و الصيف . إخترته قبيلة قريش سفيرا لها لنبباهته ، و حصافة رأيه ، و حكمته ، يمثلها لدى الأمم المجاورة في فض نزاعات أو تسوية خلافات قد تطرأ على علاقتها معهم . و كانت تحتكم إليه كذلك ، و تستشيره في الكثير من القضايا ذات الصلة بأحوال العرب في السلم و في الحرب و عند الأزمات التي تنشأ مرارا بين القبائل العربية .
إنه الشخصية الوفية لقريش و لنظامها الإجتماعي في مكة . كان يستميت في الدفاع عن عاداتها ، و تقاليدها ، و مقدساتها لا يخشى في ذلك لومة لائم ، لتظل في نظره متميزة عن سائر العرب بوجود البيت العتيق بها ، بنظامها القبلي و الوثني و بتبادلها التجاري الرائج بين العرب ، و غيرهم من العجم . حين ظهرت الدعوة الإسلامية في مكة ، و عرف الجميع أنها جاءت لتقضي على ديانات ، و عادات ، و أعراف أسلافهم . كان "عمر بن الخطاب" من بين الذين قاوموها بكل شدة . لقد قسا "عمر" حتى على أهل بيته ، و اقرب الناس إليه ، و على المؤمنين بها من أتباع رسول الله محمد (ص). كان يعاملهم بغلظة و خشونة و يجيد في تعذيبهم . بقي الأمر على هذه الحال إلى أن فتح الله قلبه للإيمان و إعتنق الإسلام .
عمر بن الخطاب يواجه الإسلام
كان "عمر بن الخطاب" أخطر الناس على اتباع رسول الله محمد (ص)، مثل ما كان يفعل سادة "قريش" ، و زعماؤها مع هؤلاء المستضعفين كل يوم ، إلا أن "عمر بن الخطاب" رق قلبه في آخر المطاف ، و أشرقت أنوار الحق في أعماقه ، و لانت نفسه ، و صحا ضميره بعد غفلة طويلة . تأمل في يوم من الأيام بخشوع مشهد إستعداد بعض المؤمنين للهجرة إلى الحبشة بأمر من رسول الله محمد (ص)، تاركين وطنهم و أهاليهم . كانت هجرتهم الإضطرارية هي وسيلة نجاة من بطش قريش ، و خشونة معاملتها لهم . لقد أثر هذا الموقف الرهيب فيه أيما تأثير . و تساءل "عمر بن الخطاب" عن ما سر صمود هؤلاء الستضعفين و صبرهم على البلاء ، و سرهم في بذل تضحيات جسام من أجل حماية هذه العقيدة الجديدة التي جاء بها محمد . هل هم على حق ، و قريش على باطل ? لقد توسم الرسول محمد (ص) في عمر بن الخطاب الخير ، و دعا ربه أن يهديه إلى الإسلام و إلى الحق .
قال الرسول : اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : بأبي جهل بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب . و في حديث آخر : اللهم أشدد دينك بأحبهما إليك . 1.
لقد حرضت قريش كثيرا "عمر بن الخطاب" على قتل الرسول محمد (ص) ، نظرا لقوته و شدة بأسه ، و شجاعته في مثل هذه المواقف . فرضخ لمطلبها ، و عزم على قتله . توجه "عمر بن الخطاب" إلى "دار الأرقم " لتنفيذ هذه المهمة التي رأى فيها خلاص العرب ، و قريش من هذا الرجل ، الذي فرق أمرهم ، و عاب دينهم ، و هزئ من قدسية آلهتهم . أدرك عمر بن الخطاب في الطريق ، أنه سيلاحق من قبل قوم محمد و هم "عبد المناف" إذا ما تجرأ على قتل الرسول محمد (ص). و كان "نعيم بن عبد الله النحام" قد نبهه من عواقب ما سيقدم عليه ، و أن هذا الدين سينتشر ، و لا تستطيع وقفه عمر ، و لا قريش ، و لا العرب أجمعين .
قال الله تعالى : يُريدونَ أَن يُطْفِؤوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهمْ وَ يَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَه وَ لَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ . و قال كذلك : هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَ دِينِ الحَقِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ . 2.
إسلام عمر بن الخطاب
رغم تحذير "عمر" من مغبة فعلته ، و عواقبها ، فإنه أصر على قتل النبي الذي جاءهم بالحق و الهدى . و إستل السيف و إستعد لإهلاكه . في هذ اللحظة ، لم يجد "نعيم بن عبد الله النحام" حلا من هذا الأمر ، إلا أنه إضطر إلى إخباره بحقيقة أهله الذين أسلموا و صاروا من أتباع محمد (ص)، كي يغير عمر قصده ، فلا يذهب إلى بيت "الأرقم" ، بل ليتوجه إلى بيت أخته "فاطمة" و إبن عمها . إشتد غضب "عمر" كثيرا لما علم بإسلام أخته و زوجها ، فتوجه مسرعا إلى حيث تسكن أخته فاطمة . و هنا إستفسر عن سبب إعتناقهما الإسلام ، و مخالفة معتقدات أسلافهم ، و هو لا يدري شيئا من ذلك على خلاف الناس . و سألهما عن سبب تدارسهما القرآن سرا في هذا البيت ، و شوقهما لحفظه و تلاوته . و في نهاية الحوار الذي كاد أن يتحول إلى عراك بينهم ، تناول "عمر بن الخطاب" بعد أن توضأ ، صحيفة بالية فيها سورة طه ، و قرأها بتمعن فأدرك سر تغلغل الإسلام في قلوب الناس ..
قال الله تعالى : طه . مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقىَ . إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشىَ . تَنْزِيلاً مِمَنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَ السَمَوَاتِ العُلَى . الرَحْمَنُ عَلَى العَرْشِ إِسْتَوَى . لَهُ مَا فِي السَمَوَاتِ وَ مَا فِي الأرْضِ وَ مَا بَيْنَهُمَا وَ مَا تَحْتَ الثَرَى . وَ إنْ تَجْهَرْ بَالقَوْلِ فَإِنَهُ يَعْلَمُ السِرَ وَ أَخْفَى . اللهُ لاَ إِلَهَ إلاَ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى .3.
واصل "عمربن الخطاب" قراءة السورة ، فعرف سبب نفور قريش من هذا الدين الجديد. فحينها و على الفور، أعلن عن شوقه لرؤية الرسول محمد (ص) فقال دلوني على محمد. تشجع "خباب" رضي الله عنه ساعتئذ ، و خرج من مخبئه و قال "لعمر" : أن الرسول يقول اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك : "بأبي جهل بن هشام" ، أو "بعمر بن الخطاب" . ثم دله على مكان الرسول محمد (ص) الذي كان بأسفل "الصفا" . دق "عمر بن الخطاب" الباب ففتح عليه "حمزة بن عبد المطلب" و قاده إلى رسول الله محمد (ص) ، و تم إسلامه على يد النبي محمد (ص) . كان "عمر بن الخطاب" من بين المتحمسين جدا إلى إعلان الدعوة الإسلامية .
قال "صهيب بن سنان" : لما أسلم "عمر بن الخطاب" ظهر الإسلام ، و دعي إليه علانية ، و جلسنا حول البيت حلقا ، و طفنا بالبيت، و إنتصفنا ممن غلظ علينا ، و رددنا عليه .
خلافة عمر بن الخطاب
يعتبر "عمر بن الخطاب" الرجل الثاني بعد "أبي بكر الصديق" في خلافة الأمة الإسلامية . إنه الصحابي الزاهد ، و العالم الجليل المبشر بالجنة . جاء إلى الخلافة الإسلامية بعدما مرض الخليفة " الصديق"، وعجزه تماما عن القيام بمهام الأمة الإسلامية . تقلد "عمر بن الخطاب" منصب الخلافة الإسلامية سنة 634 ميلادية . و كان ذلك على إثر قناعة جل الصحابة من المهاجرين ، و الأنصار به ، و بما كانت تتصف به شخصيته من خصال حميدة أعلاها العدل ، و الغيرة على الدين . و كذلك جاء هذا الإختيار بعدما أكد الخليفة "أبو بكر الصديق" على ضرورة إستخلافه "بعمر بن الخطاب" .
قال "أبو بكر" في إستخلاف "عمر" : أترضون بمن أستخلف عليكم ، فإني و الله ما ألوت من جهد الرأي ، و لا وليت ذا قرابة . و أني إستخلفت عليكم "عمربن الخطاب" فاسمعوا له و أطيعوا . فقال الجمع سمعنا و أطعنا . بعد ما إطمأن قلب "أبي بكر الصديق" توجه إلى الله بالدعاء : اللهم وليته بغير أمر نبيك ، و لم أرد بذلك إلا صلاحهم ، و خفت عليهم الفتنة و إجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم ، و أحرصهم على ما أرشدهم ، و قد حضرني من أمرهم ما حضر فأخلفني فيهم فهم عبادك .
رضي المسلمون و إقتنعوا بخلافة "عمر بن الخطاب" ، و بايعوه على السمع و الطاعة ، و كان "عثمان بن عفان" قد أطلعهم على وثيقة "أبي بكر الصديق" الذي دعاهم فيها إلى مبايعة عمر . أنه الرجل الأنسب الذي سوف يقود الأمة إلى الصلاح ، و إلى الوحدة ، و إلى التحضر ، و الرقي في فضاء الإسلام .
قال رسول الله محمد (ص) في "عمر بن الخطاب" : ايها يا إبن الخطاب و الذي نفسي بيده ما لقيكَ الشيطان سالكاً فجاَ إلا سلك فجاَ غير فجك . 4.
بعد وفاة "أبي بكر الصديق" ، باشر "عمر بن الخطاب" مهامه بصفته خليفة المسلمين . لقد نال رضى الغالبية العظمى من الأمة ، بعد تزكية "أبي بكر الصديق" ، و كبار الصحابة له ، و بالتالي نال الشرعية لحكم المسلمين . و هذه هي الطريقة السليمة في إختيار ذوي الكفاءة ، و الأخلاق الرفيعة ، المؤهلين للحكم و التي تبناها الإسلام منذ أمد ، و قبل دعاة النهج الجمهوري بكثير. إنها الكيفية في تمثيل الأمة الإسلامية عن طريق الشورى . كان "عمر بن الخطاب" جديرا بخلافة المسلمين بعد "أبي بكر الصديق" رضي الله عنهما . لقد إستمد هذا الرجل شرعية الخلافة من الأمة ، و أعيانها بالمبايعة ، و لم يعاكس قط المرجعية الإسلامية في نيله ثقة المسلمين ، و إمتطاء سدة الخلافة . لقد رفع شأن الأمة بين الأمم .
قال رسول الله (ص) : إني لا أدري قدر بقائي فيكم ، فاقتدوا باللذين من بعدي . و أشار إلى أبي بكر ، و عمر ، و تمسكوا بهدي عمار ، و ما حدثكم إبن مسعود فصدقوه . 5.
هذا الحديث الشريف يضفي الشرعية التامة ، و يقر بشكل رسمي بخلافة "عمر بن الخطاب" ، و أحقيته بها . زيادة على ذلك إجماع الأمة الإسلامية على إختياره ، و الرضى به كحاكم عليهم ، إنه ذلك الرجل القادرعلى تحمل مسؤولية تسيير أمورهم ، و المحافظة على دولتهم و دينهم .
قال إ"بن تيمية" : و أما عمر ، فإن أبا بكر عهد إليه ، و بايعه المسلمون بعد موت أبي بكر. فصار إمامل لما حصلت له القدرة ، و السلطان بمبياعتهم . 6.
لما أوكلت الأمة الإسلامية "عمر بن الخطاب الخلافة بصفة شرعية نهائية ، إغتنم وقتها الفرصة كي يوضح للناس نهجه السياسي في كيفية قيادة هذا المجتمع الفتي. كان ذلك في أول خطبة ألقاها 101
- حديث شريف : إبن سعد عن سعيد بن المسيب .
- سورة التوبة الآية 32 ـ 33.
- سورة طه :الآية 1ـ 8
- حديث شريف : صحيح البخاري .
- المصدر: سنن الترميذي .
- منهاج السنة . أبن تيمية .