recent
أخبار ساخنة

حكومة فقدت الرؤية الإستشرافية



حكومة فقدت الرؤية الإستشرافية





 غموض الرؤية الإستشرافية Perspective لدى الحكومة الفرنسية 


لقد تيقنت الأمة الفرنسية الآن،  بأن مصيرها يضحى مبهما ، و غامضا إذا ظل في أيادي حكومة تفتقر إلى إستراتيجية دقيقة ، مبنية على سياسة الإستشراف . الإستشراف الذي من الممكن أن يؤهلها إلى تبوء المكانة الطبيعية بين جيرانها الأوروبيين في المستقبل القريب،  "كايطاليا" أو المستقبل البعيد "كالمانيا" . و عرفت كذلك من خلالا الأزمات المتلاحقة التي عاشتها في ظل هذه الحكومة ، و الحكومات التي سبقت ، منذ "فرنسوا هولاند" ، أنها ضيعت الكثير من عوامل النهضة و الرقي في جميع المستويات . إن الإمكانيات السياسية المتاحة لها اليوم ، لا تنبئ بمستقبل واعد ، بدليل أن القضايا المتراكمة ، و التي إستعصى حلها بسبب ضعف الكفاءة السياسية ، و المهارة الدبلوماسية في محيط دولي مليئ بصراع المصالح . تقلل من فرص مواصلة تقدمها في المستقبل . و تعمق الفجوة بينها و بين منافسيها خارج القارة الأوروبية ، من الذين أصطلح على تسميتهم بالدول الناشئة  "Emerging country"و هي "الصين" "الهند" "تركيا" و "المكسيك" و "البرازيل" . 


أو دول التنين "Dragon Countries". و هي "كوريا الجنوبية" "تايوان" "سانغفورة" "هانغ كونغ" . إن وعيها بحقيقة ظروفها الداخلية المثبطة لكل إرادة حرة ، تسعى لتغيير هذا الواقع  جعلها تنتقد وترفض بشدة كل المبادارت السياسية الإرتجالية غير الجادة ، تعول السلطة الحالية في إتخاذها كأسلوب للتخفيف من إنشغالات المجتمع الفرنسي و لا تتماشى مع طموحاته في المستقبل . لقد صار المجتمع الفرنسي الآن ، يعج بصنوف المشاكل التي وصل دوّيها إلى الصحف العالمية . إنها تحولت إلى معضلات متراكمة ، و من الراجح إنها سوف  تنذر بتوتر شديد في الوضع العام. من هذه المشاكل على سبيل المثال :


قلق الأمة الفرنسية المتزايد على الصعيد الصحي 

لقد أُبتليَ الشعب الفرنسي كغيره من شعوب العالم بوباء كوفيد 19 . و كان على الحكومة الفرنسية أن تهيئ له الظروف الصحية، و النفسية الملائمة . و توفر له الإمكانيات الضرورية من وسائل و مستلزمات طبية و أدوية و لقاحات.  و تتخذ الإجراءات الكفيلة للحد من إنتشاره في أوساطه.  إلا أنها لم توفق إلى حد الساعة في إدارة أزمة هذا الوباء ، الذي باغت المجتمع الدولي على حين غرة . لقد نجم عن هذه الظاهرة الوبائية في هذا البلد ، تداعيات خطيرة في عدة ميادين منها : الصحية ، الإقتصادية ، المالية ، السياسية و الإجتماعية . لو أردنا متابعة هذا الملف ، فإننا نلاحظ أن سياسة مكافحة هذه الجائحة ، أخذت الجزء الكبير من هموم الحكومة الفرنسية.


  التي أضحت في حيرة من أمرها ، و لم يتجرأ مسؤولوها ، خاصة الرئيس الحالي تحمل المسؤولية ، و لم يرد أن يغامر بمستقبله السياسي أمام هذه المخاطر،  و الإسراع في إتخاذ القرارات المناسبة قبل إستفحال الوباء . و تنبه الرأي العام أن البنى التحتية تفتقر لأبسط المعدات لمحاربة هذه الجائحة ، منها الأقنعة ، و أجهزة التنفس و إتضح لهم فيما بعد إضطرار فرنسا إلى إقتناء مليار و نصف من الكمامات من "الصين"  في بداية إنتشار الوباء . و أدركوا عجزها التام في إنتاج اللقاح على غرار "الصين" "أمريكا" "بريطانيا" "روسيا" "بلجيكا" و غير ذلك .                                                                                                                            

 لقد تذمر الوسط السياسي ، و الطبي ، و الجماهير من هذه الوضعية الكارثية ، و حاولوا مقاضاة السلطة الحالية ، و تحميلها المسؤولية على اللامبالاة ، و التأخر في إحتواء نتائج الظاهرة الوبائية . لقد أدى هذا التباطؤ في نهاية الأمر ، إلى تفاقم حجم الإصابات و الوفيات بهذا الفيروس . بَيّن الخبراء أن عدد الإصابات بلغ 7217484. و عدد الوفيات 117910. في 06/10/2021 ميلادية .



آثار فرنسا  على الصعيد الداخلي في وباء كورونا

أثار الجائحة على قطاعات السياحة 


لقد تجاوزت تدعيات الوباء التي لم يبال بها الطاقم السياسي الفرنسي   ، إلى قطاعات إقتصادية ، و مالية. فإضطرت الدولة إلى محاولة تغطية عجز الشركات المشرفة على الإفلاس و عمالها المهددين بالتسريح . خاصة شركات السياحة ، و الترفيه  ، نتيجة الحجر الصحي  بما يساوي 158 مليار يورو سنة 2020 ميلادية . و قد يصل إلى 171 مليار يورو في نهاية السنة الجارية . لقد بات من الواضح أن هذه الجائحة  سترغم عدة قطاعات حيوية سياحية ، و إقتصادية إلى الدخول في صراع من أجل البقاء ، و تلافي كارثة الإفلاس ، وإبعاد شبح  التوقف التام عن النشاط.  كما تَبيّن أن نفس المصير ، باغت العديد من الموظفين الفرنسيين في هذه القطاعات : الإقتصادية ، و السياحية و الترفيهية ، و النشاطات الثقافية .  

                                                                                                                                                    تملك فرنسا 168 ألف مطعم ، و 39 ألف مؤسسة ترفيهية ، و 17 ألف فندق ، يعمل بها حوالي مليون شخض . بالإضافة إلى الذين يرتبطون بها من فلاحين ، و مؤسسات نقل ، و صيانة ، و أمن . حسب المعهد الوطني للإحصاء ، و الدراسات الإقتصادية. و ما يدعو إلى القلق فعلا ، أنها دفعت الدولة في فترة 2020 ميلادية ما قبمته 30 مليار يورو للتخفيف من حدة نتائج الوباء. و أمام غموض سياسة الحكومة في التعاطي مع هذا الملف بجدية ،  فإن اليأس و القنوط ظل يراودان نفوس أصحاب هذه القطاعات . و بدا ذلك من خلال المظاهرات الإحتجاجية العديدة.  


آثار الجائحة على القطاع الصناعي


أما ما يخص القطاع الصناعي ، لم يكن محظوظا أبدا ، فإنه تلقى أوجاع هذا الوباء بشيء من الحدة . لقد تراجعت فرنسا في إنتاج السيارات  مثلا ، من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الخامسة ، بعد "ألمانيا" و "إسبانيا" و الدولة "التشيكية" و "السلوفاكية" . و فقدت مرتبتها في سوق السيارات العالمية بنسبة 25،5 % . و صناعة السيارات هي عملية معقدة جدا تتداخل فيها عدة صناعات ، و مهن ، و أنشطة و خدمات أخرى . ما يساوي 109 الاف 344 شركة فرنسية ، تشّغل 405 ألاف 127 عامل . 


إن عمال هذه الشركات هم الذين يقع عليهم عبء الكارثة ، و عواقب الطرد ، دون أن تواكب الدولة الفرنسية هذه المحنة بشيء من الرزانة في إسعاف الوضع الصناعي المتردي. إن ما ذكرناه هنا من أمثلة على واقع فرنسا الإجتماعي ، و الإقتصادي ، إلا عينة من عديد المسائل التي لا زالت عالقة تثير التشاؤم و القلق في نفوس الفرنسيين من مستقبل مبهم . إن الوضع الإقتصادي بالشكل الذي بيّناه مثلا ، و الذي يقول الخبراء فيه أنه صار يعاني من الإنكماش البطيئ كسائر إقتصاديات العالم، من الطبيعي أن ينعكس سلبيا على الأوضاع الإجتماعية ، و يتسبب في عدة إشكاليات منها:    


آثار وباء كورونا على القدرة الشرائية 


أصبحت فئات المجتمع الوسطى ، و الدنيا لا تفكر إلا في كيفية التعايش مع طبيعة غلاء المعيشة التي فرضها وباء كورونا فنسبة 75 %. منهم تنشغل يوميا في البحث عن حلول تمكنها من مواجهة تزايد الضرائب ، و نفقات الإيجار ، و النقل ، و غلاء  الوقود ، و الكهرباء و المنتجات واسعة الإستهلاك . إن الحكومة الحالية لم تفلح في معالجة الوضعية المالية لهذه الفئات ،  من حيث الدخل المالي ، و القدرة الشرائية. بل عجزت عن ذلك تماما ، فوصل العجز المالي لهذه الفئات بنسبة 80 % .في ظل الحكومة الفرنسية الحالية .


 و هذا ما يقودنا إلى التطرق لظاهرة أخطر  بدأ المجتمع الفرنسي يعاني منها . و هي البطالة . من خلال البيانات الإحصائية التي نشرتها وزارة العمل الفرنسية في فترة تفشي هذا الوباء،  يتبيّن لنا إرتفاع نسبة البطالة بشكل قياسي وصلت إلى 22 % . أي أن عدد العاطلين عن العمل بشكل إضطراري نتيجة الحجر المنزلي ، وصل إلى 4،5 مليون شخص . إلى جانب هذه الوضعية المزرية سعت الحكومة إلى إتخاذ عدة إجراءات  لإحتواء آثار الوباء المستعصية على 700 ألف شركة و مؤسسة و جمعية توظف عددا هائلا من الأشخاص قدر بثمانية مليون عامل ، يمثلون ثلث عمال القطاع الخاص . هؤلاء العمال يعتبرون بطالين جزئيا . هذا مجمل المشاكل التي تحياها الأمة الفرنسية في ظروف كورونا اليوم على الصعيد الداخلي و في غياب إستراتيجية قادرة على معالجتها بصفة نهائية . 


 سياسة فرنسا على الصعيد الخارجي

النزاع الفرنسي و البريطاني على الصيد في جزيرة جيرسي 


شرعّت المملكة المتحدة البريطانية قوانين لضبط علاقاتها الإقتصادية مع الإتحاد الأوروبي،  بعد خروجها منه سنة 2019 ميلادية  بموجب إتفاقية "بريكست British Exit" . و من هذه الإجراءت القانونية ، إعادة تنظيم الصيد البحري ، و إستغلال الثروة السمكية في جزيرة "جيرسي البريطانية Jersey". من قبل بعض الدول الأوروبية .                      "جيرسي" هي جزيرة إنجليزية تقع في شمال غرب أوروبا . تبعُد عن جنوب بريطانيا 150 كم و عن شمال فرنسا 22 كم . من هذه القوانين الإجرائية التي مست الصيد في هذه الجزيرة ، أن الإنجليز ألزموا الأوروبيين إثبات أقدميتهم في ممارسة هذا النشاط  في هذه الجزيرة بغية تمكنهم من الحصول على تراخيص الصيد .


 تجاهل الرئيس الفرنسي هذه الإجراءات ، و طالب الحكومة "البريطانية" بمواصلة بلاده الصيد في هذه الأماكن . و له الحق في ذلك طبقا لإتفاقية "بريكست" التي ستنتهي سنة 2026 ميلادية.  و أصدر بيانا أوضح فيه بأنه مقبل على إتخاذ إجراءات تفتيش شاحنات التبريد القادمة من هذا البلد . و منع سفنها من الرسو في موانئ فرنسا الشمالية.  إعتبر "بوريس جونسون" أن هذا التصريح هو إستفزاز لبلاده  و طالب من فرنسا التخلي عن موقفها ، و إلا سوف تواجه إجراءات قانونية أخرى . و قال أن التدابير العقابية التي تنوي فرنسا تطبيقها ، فهي غير معقولة و لا منطقية .                                                                                                                              

بدأ التوتر بين البلدين في شكل إستعراض العضلات . فأرسلت "بريطانيا" على خلفية هذا النزاع سفينتين بحريتين لرصد الوضع الأمني  و القيام بدوريات خشية محاصرة الجزيرة . و أرسلت فرنسا من جهتها سفينتين إلى حيث يوجد أكثر من خمسين زورقا فرنسيا محتجا على شروط الصيد الجديدة . لقد كان موقف الرئيس الفرنسي أكثر حزما ، حيث حذر المملكة من أنه سيشل إمداد سكان الجزيرة بالكهرباء إن لم تمنحه المزيد من التراخيص للصيادين الفرنسيين .             إعتبرت المملكة المتحدة إن خروجها من الإتحاد الأوروبي ، يمنحها الحق في التنظيم و التحكم الكامل في مياهها ، و ثرواتها السمكية .  نلاحظ أن ما قامت به بريطانيا من فرض رقابة على مناطق ثرواتها البحرية ، ما هي إلا تدابير لمحاصرة الإقتصاد الفرنسي كلما سمحت لها الفرص بذلك . و أن الرئيس الفرنسي ورط بلاده في مشكل كان بإمكانه تفاديه لو إستعمل القليل من الحكمة الدبلوماسية .

  

النزاع الفرنسي التركي على مناطق النفوذ في أفريقيا


ظلت العلاقات الفرنسية التركية متدهورة طيلة عقدين من الزمان ، جراء مواقف فرنسا العدائية . إن فرنسا كانت تبني سياستها إتجاه تركيا و غيرها دائما بإستعمالها ورقة الفيتو "Veto".  كي يسهل تجسيد مواقفها السياسية إلى حقائق ثابة في الواقع . تجلى ذلك في معارضتها الشديدة للإنضمان "تركيا" إلى الإتحاد الأوروبي ، التأييدها الكامل "لأكراء سوريا" ، إعترافها بمجازر "الأرمن" ، و مساندتها الحالية "لليونان" في ملف التنقيب عن النفط و الغاز في البحر المتوسط . كل هذه المساعي السياسية ، ما هي إلا محاولة تضييق الخناق على "تركيا" . إما في الآونة الأخيرة زاد التوتر بين البلدين حدة حول ملف "ليبيا" . فكان موقفها دعم الجنرال "خفتر" قائد المنشقين الليبيين ، و المرتزقة بالأسلحة و المعدات العسكرية ، ليكون هذا التصرف الصريح و العلني يغذي الصراع ضد مواقف تركيا المساندة لحكومة الوفاق الليبية الشرعية . 


 من الولاحظ أن سياسة فرنسا الجديدة ، لا زالت تسير كسابقتها عكس مستجدات الظروف الدولية . و نقرأ ذلك من خلال سعيها الجاد للمحافظة على النظام القديم في مناطق نفوذها في المغرب العربي ، و الساحل الأفريقي . لتبقى قوة إقليمية مهيمنة على المنطقة . تتصدى لكل من يسعى إلى مزاحمتها في شمال و ساحل أفريقيا ، من دولة "التشاد" إلى "موريتانيا" . إلا أن "تركيا" صار نفوذها يكتسح بشكل رهيب المنطقة الأفريقية ، على حساب المصالح الفرنسية . فهي لا تبخل على الأفارقة و المغاربة  بتوسيع مجال المبادلات التجارية ، و النهوض بمشاريع إستثمارية كبيرة ، و إبرام صفقات أسلحة لمواجهة الإرهاب.   



مصادر البحث :

تقرير30/12/2020. SKY NEWS عربية . عام الصراع الفرنسي التركي .

تقرير شبكة الميادين الإعلامية/02/11/ 2021. بريطانيا تطالي فرنسا سحب تهديداتها.

تقرير فرانس 24 . 02/11/2021 . أزمة الصيد البحري بعد بريكست .

تقرير القدس العربي 18/11/2021 . كيف سينتهي الصراع الفرنسي التركي .


google-playkhamsatmostaqltradent