recent
أخبار ساخنة

تشاؤم الأمة الفرنسية من مستقبلها المبهم.




تشاؤم الأمة الفرنسية من مستقبلها المبهم.
 تشاؤم الأمة الفرنسية



 تورط فرنسا في الحرب الليبية 


فيما يخص الشأن الليبي نستطيع القول ، أن فرنسا هي التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي سنة 2011 ميلادية . و هي التي قادت فيما بعد جل العمليات العسكرية التي شنها الحلف الأطلسي على هذا البلد العربي الأفريقي. لقد أصّرت فرنسا على أن تبقى هي الفاعل الرئيسي في المشهد الليبي ، رغم معارضة "إيطاليا" و "تركيا" العضويين في حلف "الناتو" Nato . و لا يمكن تفسير ذلك إلا من خلال جملة من الطموحات تتوخى تجسيدها على الواقع.                                                                                                                                    

على المستوى الإقتصادي :

 تريد فرنسا أن تستحوذ على نسبة كبيرة من ثروة النفط و الغاز الطبيعي الليبي. تعد ليبيا خامس دولة عربية في إحتياطي النفط .50 مليار برميل . و إحتياطي الغاز الطبيعي تريليون و نصف متر مكعب . لا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل إنها تسعى لأن تبقى مستحوذة على المشاريع الإستثمارية الضخمة لشركاتها في قطاع المحروقات . و أهمها شركة "توتال" .كما تريد أن تحظى بحصة الأسد في عملية إعمار ليبيا بعد تخريبها ، و تدمير بناها التحتية .                                                                                                  

يلاحظ  المحللون السياسيون أن ما شجع فرنسا على ذلك ، وجود قواعدها العسكرية في الساحل الأفريقي ، في "مالي" "النيجر" و "تشاد" و "بوركينافاسو" التي تقوم بوظيفة تأمين هذه المصالح ، و الحفاظ على نفوذها في القارة . و بالتالي فإنها كانت الممول الرئيسي للحرب في ليبيا بالأسلحة و تم ذلك عن طريق إبرام صفقات مع "الإمارات" و "مصر"  و مع "خفتر" نفسه . لقد كلفتها الحرب في ليبيا 450 مليون دولار سنة 2011 ميلادية . و أكد الرئيس الحالي أن خسارة بلاده تفوق هذا الرقم بكثير. 


على المستوى السياسي :

 إن الإستراتيجية التي تنتهجها فرنسا إلى جانب السياسة الإقتصادية في هذا البلد، هو محاولة التقليل من دور "تركيا"  في المنطقة ، و عرقلة التيار الإسلامي المتنامي في شمال ، و غرب أفريقيا الذي بات يهدد مصالحها. إن مواصلة السلطة الفرنسية الحالية مغامرتها في ليبيا ، جلبت لها إنتقادات شديدة من قبل الرأي العام الفرنسي ، و الأوروبي . و أثار مخاوفها من "إيطاليا"  التي تعتبر نفسها صاحبة الحق التاريخي في ليبيا . و كذا "الولايات المتحجة الأمريكية" التي ترى أن مصالحها تتعارض مع مصالح  فرنسا في القارة . و لأدل على ذلك ، دور "أفريكوم"  في شمال أفريقيا و حوض البحر المتوسط . أمام هذه التحديات العديدة تتظاهر فرنسا اليوم بهيئة الدولة الداعمة لليبيا الجديدة ، بعد أن كانت السبب الرئيسي في سقوطها . و صرح رئيسها بضرورة مغادرة القوات الأجنبية من المنطقة ، و تمكين أهل البلاد من تولي أمورهم بأنفسهم . إنه يقصد المقاتلين "الروس" و "الأتراك"  و مرتزقة "خفتر" من "السودانيين" و "التشاد".


يقول "عصام الزبير" : لا يمكن لنا الحكم على فرنسا ، إلا بعد أن نرى أفعالها خاصة . أنها دائما تراوغ . فرنسا لها مشروع ، و أهداف و أجندات تريد تحقيقها في ليبيا مهما كلفها ذلك .


تصاعد الخلاف بين فرنسا و الجزائر


يبدو أن العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا و الجزائر ستشتّد توترا في الأيام المقبلة . نظرا للسياسة التي يتبعها الرئيس الفرنسي الحالي مع الجزائر، على إعتبار أنها لا زالت تحت وصاية بلاده مثل سائر المستعمرات الأفريقية . برزت الخلافات بشكل علني منذ أن أظهر نيته في عدم التعاون مع السلطات الجزائرية في عدة مسائل سياسية ، التي يعتبر التماطل في حلها يمس مباشرة بسيادة الدولة الجزائرية . في صدارة هذه المسائل الشائكة بين البلدين ، رفض فرنسا طلب السلطة في الجزائر تسليم العناصر الإنفصالية المقيمة على ترابها ، و المصنفة في خانة الإرهاب . رغم أن الإتفاق بتسليم المطلوبين تم سنة 2019 ميلادية . إن أقصى ما يهم الدولة الجزائرية اليوم ، هو سيادتها و كرامة شعبها . و بالتالي فمعاملتها مع غيرها يجب أن يخضع لهذا المعيار. و في منظور هذا الإعتبار ، رفضت الجزائر تجديد عقد شركة "ترتيبي باريس"  لصيانة و تسيير مترو الجزائر . كما قامت بتجميد عقد "سويز"  لتسيير قطاع المياه و التطهير . و نفس المصير واجهته شركة "توتال"  التي إنتقلت أصولها إلى الشركة الأمريكية . و بذلك وضعت نهاية لهيمنة فرنسا على أهم قطاعات إستراتيجية حساسة في البلاد. 


يقول "سليمان ناصر" : إن فرنسا ظلت تعتبر الجزائر طيلة السنوات الماضية على أنها غنيمة حرب ، أو منطقة نفوذ سياسي و إقتصادي.1. 


و يقول "مبروك كاهي"  : إن مغادرة الشركات الفرنسية أراضي الجزائر ، كانت بسبب عدم توافر الفائدة الربحية بين الطرفين. إن الإقتصاد لا يؤمن بالإعتبارات التاريخية ، و العلاقات الإنسانية.  فهناك المصلحة المتبادلة و الهدف المشترك . 2 .  


من الملاحظ أن الرئيس الفرنسي لا يريد التعامل بحكمة و دبلوماسية في معالجة فتور العلاقات مع السلطة الجزائرية الحالية . بل أعلن في كثير من المناسبات تمجيده للإستعمار ، و قام بتكريم الذين حاربوا في صفوف الجيش الفرنسي ضد ثورة التحرير . بل أخطر من هذا ، أنه شكك في عراقة الأمة الجزائرية . و هذا يقودنا إلى أنه لا ينوي فتح ملف الذاكرة ، و الإعتراف بجرائم بلاده أثناء الإحتلال . هذه الجرائم التي لا تخفى على أحد ، و هي كثيرة : منها على سبيل المثال  "حرب الإبادة ، و التجارب النووية في الصحراء الجزائرية ، التي خلفت العديد من الضحايا الجزائريين ". فموقفه هذا منح السلطة الجزائرية ، إمكانية إصدار قرار بغلق المجال الجوي الجزائري أمام  الطيران العسكري الفرنسي العامل في دولة "مالي" في إطار عملية "برخان.هذا التصعيد في العلاقات سوف يؤثر على مصالح فرنسا العسكرية ، و الإستخباراتية في منطقة الساحل الأفريقي . و يصعّب عليها مواجهة الجماعات الإرهابية في "مالي" و "النيجر" و "التشاد" و "بوركينافاسو" و "كوت ديفوار" .


توتر العلاقات السياسية الفرنسية  المالية 


أما بشأن الدولة المالية فإن الإهتمام بمكافحة الإرهاب ، عزز التعاون العسكري ، و الإستخباراتي بينها و فرنسا مند 2012 ميلادية  . ثم إنتقل هذا التعاون إلى باقي دول الساحل الأفريقي . و ظل كذلك إلى أن لوحظ في الآونة الأخيرة توتر خطير في العلاقات السياسية . وصل إلى غاية إتهام رئيس الحكومة الإنتقالية في مالي  08 /10/ 2021 ميلادية ، السلطات في باريس بتدريب الجماعات الإرهابية في بلاده . 


بيد أن لو أردنا تحليل الوضع الأمني في الساحل الأفريقي بشيء من الواقعية ، نستطيع القول أن أسباب تدهور العلاقات بين البلدين ، هي :  أن منطقة الساحل الأفريقي تعاني إلى اليوم من تصاعد الهجمات الإرهابية على الشريط الحدودي الممتد من "مالي" "النيجر" "بوركينافاسو" الذي يعرف بمثلث الموت .                                                                                                                  

 

تفاقم الأزمات السياسية في هذه المنطقة ، و التي كانت تنتهي دائما بإنقلابات على الأنظمة الحاكمة . هذا الوضع الأمني دفع الرئيس الحالي لفرنسا في الظاهر إلى القيام بسحب 2000 جندي من القوات العسكرية ، إلى غاية 2022 ميلادية من "تنبوكتو" "كيدال" "تيساليت" المالية . و غلق قواعد برخان نهائيا ، ثم الإنتقال إلى مثلث الموت بالساحل ، و التركيز عليه بتكثيف العمليات العسكرية . هذا التغيير في الإستراتجية العسكرية الفرنسية في المنطقة ، أقلق مالي و إعتبرته تخل عنها في عز المواجهة . بالإضافة إلى ذلك فإن السلطات في باريس جمدت العمليات العسركية المشتركة ، و كل الدعم السياسي مع "مالي" على إعتبار أن هذه الحكومة إنقلابية تفتقد إلى الشرعية.                                                                                                                                                    

في الحقيقة أن فرنسا تتعرض إلى ضغط رهيب من قبل الرأي العام الإفريقي المعارض لوجودها بالمنطقة . و المصّر على خروجها بعد فشلها في مواجهة التنظيمات الإرهابية . و لا ننسى معارضة الشعب الفرنسي نفسه لسياسة الرئيس الفرنسي الحالي الذي ورط بلادهم في معضلة لا مكسب فيها . بل عرض الجيش الفرنسي إلى خسائر كبيرة تقدر بنسبة 80% من قدراته في المنطقة . كما أنها أصبحت محل إنتقادات شديدة من قبل الأوروبيين ، على إنها ما تقوم به مع حلفائها الأفارقة ، مناقض تماما للقيم الغربية المتمثلة في : إحترام الحريات ، و حقوق الإنسان ، و نشر الديمقراطية ،و تكريس الحكم المدني . 

إن فشل فرنسا في محاربة الإرهاب ، و إنسحاب نصف عدد جيشها من عملية "برخان" ، جعل مالي تبحث عن حليف إستراتيجي آخر. يعينها على ضمان الأمن في المنطقة . و كلل سعيها بموافقة مجموعة "فاغنرعلى تدريب قوات الأمن ، و حماية كبار الشخصيات السياسية فيها . إلا أن هذه التدابير التي قامت بها مالي على إنفراد ، جلب لها إستياء الدول الأفريقية الأخرى .و إعتبروا أن تدخل المرتزقة الروس سيعرض المنطقة إلى المزيد من تدهور الأمن ، و زعزعة الإستقرار بها.  



مؤشرات إندثار النفوذ الفرنسي في أفريقيا

بدأت الهيمنة الفرنسية تتلاشى في أفريقيا الفرنكوفونية اليوم نتيجة سياستها الفاشلة في المنطقة ، و أمام التواجد الأمريكي العسكري و النفوذ الصيني و التركي  السريع و القوي . إننا نلاحظ ذلك في الوقت المعاصر من خلال ما يُتداول في الإعلام العالمي و المحلي . أن فرنسا لم تستطع فعلا الصمود كثيرا ضمن أجواء المنافسة الضارية ، التي ظهرت في القارة السمراء مؤخرا . و لم تتمكن المحافظة على موقعها كوصية تاريخية على القارة. إن التحولات  السياسية الدولية الحديثة ، أدت إلى تغيير طارئ على خريطة أفريقيا الجيوسياسية . و يمكن أن نجلي ذلك في : بروز قوى إقتصادية حديثة في المنطقة ، "كالصين" و "الهند" و "تركيا" من جهة . يقظة الوعي الأفريقي ، و صحوة ضمير النخب الأفريقية المثقفة فيها من جهة أخرى . التي تلقت تكوينا أكاديميا عاليا خارج بلدانها الأصلية ، خاصة "فرنسا" "بريطانيا" "الولايات المتحدة الأمريكية" . و عاد لها شرف بعث الثورية في قلوب الشباب الأفريقي ، بغية إسترجاع                                           مكانتهم ضمن المجتمع الإنساني .                                            

 

هذه هي العوامل الرئيسية التي غيرت ملامح القارة السمراء اليوم ، و أرغمت فرنسا على النزول عند الخيارات التالية : إما التعامل مع هذه البلدان وقف المنظور السيادي المتحرر من ربقة الوصاية المذلة ، أو الإنسحاب من المنطقة نهائيا ، مع ضرورة رفع يدها على كل مقدرات القارة الطبيعية . 

إن الوصاية الفرنسية على بعض البلدان الأفريقية ، كان يكرسها ثلة من العسكريين و رجال الأعمال و السياسيين الفرنسيين التي ما فتئت تدعم دون توقف ، تسلط الدكتاتوريات الحاكمة على شعوبها . هذا هو مآل فرنسا الحتمي في هذه القارة ، القارة التي ظلت مرتعا للنهب من قبل الساسة و رجال الأعمال الفرنسيين. 


سليمان ناصر: باحث مختص في المصارف الإسلامية .

مبروك كاهي : أستاذ بكلية الحقوق و العلوم السياسية . جامعة ورقلة . الجزائر .

مصادر البحث : 

  1. عصام شوالي : تقرير 10/07/ 2020 .خريطة مصالح فرنسا . ماذا تريد فرنسا من ليبيا .
  2. عائد عميرة تقرير 24/03/ 2021 . هل تنهي فرنسا دورها المشبوه في ليبيا . 
  3. النهار العربي تقرير 10/09/ 2021 . الجزائر و فرنسا . ما أسباب توتر القلاقات مجددا.
  4. أخبار العالم العربي . تقرير . 03 /10/ 2021 . خبير عسكري يكشف أسباب الخلاف بين الجزائر و باريس.
  5. مركز الأهرام للدراسات السياسية و الإسترتيجية . إعادة التموقع .لماذا تصاعد الخلاف بين فرنسا و مالي . 
  6. محمد العلوي . الأناضول .تقرير 14/01/2017 . 

google-playkhamsatmostaqltradent