recent
أخبار ساخنة

حتمية التقارب الصيني الروسي .

 



حتمية التقارب الصيني الروسي .
China-Russia rapprochement






خطوات التقارب الصيني الروسي 

بعد تعاظم الصراع الصيني الأمريكي، رأت الإدارة في "بكين" أن تسند ظهرها في هذا الظرف الحرج إلى إحدى القوى،التي تتمتع بثقل كبير، و دور فعال و مؤثر في النظام الدولي الحالي . و تقاسمها كذلك الرغبة في محاصرة الولايات المتحدة الأمريكية،  و إضعاف هيمنتها على العالم.  و بالتالي التخفيف من حدة هذا الصراع المعقد،  الذي ظهر على ساحة الأحداث العالمية بعد الحرب الباردة . هذة الرؤية الجديدة في سياسة الصين، تفسر بوضوح قلقها الشديد على منجزاتها التجارية، و مشاريعها الإقتصادية الضخمة في العالم . و من الطبيعي أن تتجه الصين إلى تعزيز العلاقات و تقويتها مع روسيا في عديد من المجالات،  في وضح النهار. كون أن روسيا أقوى دولة سبق لها أن واجهت مع أمريكا صراعا إيديولوجيا كاد أن يتحول إلى حرب مدمرة . من البديهي أن هذا التقارب لا يهدف إلى تحقيق مصالح إقتصادية مشتركة فقط.  بل أن يساهم في التحولات الجيوسياسية الدولية الكبرى، و أن يأخذ موقعه في تحديد معادلة القوة و النفوذ. أي أن لا يسمح لأمريكيا أن تنفرد بالعالم،  دون إعتبار لأحد . و بالتالي نستطيع القول أن التقارب الصيني الروسي جاء نتيجة سياسة التهديد و الوعيد، التي تنتهجها أمريكا ضدهما بمشاركة حلفائها الغربيين، و حتى الآسيويين،  كلما لاحظت أن نفوذهما يزداد إجتياحا و تمددا في العالم .                                                                                                                                    

إن الضرورة إقتضت من البلدين، و الأمر على هذه الشاكلة، أن تتقارب أكثر فأكثر من بعضهما. لأن سياسة البيت الأبيض لم تتغير بتغير رؤسائه . فالرئيس "جو بايدن" لا زال يعتمد على سياسة "ترامب" في كثير من القضايا المتعلقة بالصين و روسيا .  من المعروف أن الصين ما فتئت تطالب بإستعادة جزيرة "تايوان" و ضمها إلى أراضيها . كما أن "روسيا" مصممة على إجتياح "أوكرانيا" التي كانت من بين جمهوريات "الإتحاد السوفياتي" سابقا.


ملامح التقارب الصيني الروسي 

لاحظ الكثير من متتبعي سياسة التقارب ، و التحالف الحديثة بين الدول ، أن الحظ يجاري الصين، و هي في اللحظة التي تحتاج إلى من يؤازرها، و يدرأ عنها عواقب الصراع الأمريكي . وأن روسيا هي الدولة القوية التي تتوفر فيها إلى الآن، صفات التقارب النزيه و الموثوق به . فلم يكن أمام الصين إذن، إلا التقرب منها بخطى ثابتة، و التغاضي عن بعض الخلافات الظرفية بينهما . و فعلا أن إرادة التحضير لهذا التقارب بين الصين و روسيا قوية جدا هذه الأيام. إن من أبرز علامات التقارب الصيني الروسي :  

                          

في الشأن السياسي:

 تبني الصين و روسيا مواقف سياسية مشتركة، تجاه معظم القضايا الإقليمية، و الدولية، لدى هيئة الأمم المتحدة. و تكوين جبهة مضادة للهيمنة الأمريكية منها:  "إيران" و "الجزائر" و "روسيا البيضاء" و "فنزويلا" و "بوليفيا" و "كنبوديا" و "كوبا" و "سوريا" و "أنجولا" و "إيريتريا" و غيرها. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت بتشكيل حلف للدفاع عن ميثاق الأمم . و الوقوف معا في وجه أمريكا، كي لا تستغل منظمات حقوق الإنسان،  و تتخذها ذرائع لتصعيد التوتر، و تأزيم العلاقات بين الدول.                                                                                                        

في الشأن الإقتصادي و التكنولوجي:

 من صور التقارب بين البلدين، فإن العلاقات الإقتصادية و التكنولوجية صارت وثيقة جدا، و متنامية بإطراد . لقد بلغ حجم التجارة لسنة 2019 ميلادية ما قيمته 110 مليار دولار . هذه العلاقات الطيبة جعلت الصين تعتمد أساسا على روسيا في تغطية إحتياجاتها من الطاقة، و في إقامة مشاريع ضخمة  لإستغلال إحتياطات الطاقة في القطب المتجمد الشمالي. في الآونة الأخيرة تعدت العلاقات إلى المجال التكنولوجي المتقدم، بحيث أن روسيا تفضل التعامل مع شركات صينية، خاص في مجال بناء شبكات الإتصال من الجيل الخامس . و مع الشركات المتخصصة في البحث العلمي، و االطبي قصد مكافحة الفيروسات بأنواعها .


في شأن الصناعة العسكرية :

 سجلت سنة 2020 ميلادية تعاونا كثيفا بين الدولتين في مجال الصناعة العسكرية، و صناعة الأسلحة التكنولوجية الحديثة، و في تدريب الجيش. حيث قامت بمناورة جوية مشتركة في أجواء منطقة غرب المحيط الهادي، و شرق بحر الصين. إن تطور العلاقات العسكرية بين روسيا و الصين، هو تفسير لقلقهما من خطر الناتو، الذي لا زال يزحف نحو الحدود الغربية لروسيا، و تأسيس طوق وقائي معادي للصين على حدودها الجنوبية و الشرقية . هذا العمل الفريد من نوعه الذي قامت به الصين و روسيا ، تعتبره الولايات المتحدة تهديدا موجه إليها، و إلي حلفائها "كاليابان" و "كوريا" الجنوبية. 


في شأن الفضاء

إن رغبة الصين الصادقة في سياسة التقارب مع روسيا، جعلت منها البلد الذي يبرم بكل أريحية، شراكة كبيرة في إستغلال الفضاء الكوني . ففي سنة 2021 ميلادية تم توقيع مذكرة تفاهم بين شركات البلدين لإنشاء محطة قمرية، قصد البحث العلمي، و إستغلال الفضاء لأغراض سلمية بحتة . كما فتحت هذه المذكرة الباب أمامهما لتبادل الخبر العلمية، و التكنولوجية في دراسة سطح القمر، و الإستفادة من مداره.                                                                                

                                                 

في الشأن المالي :

 أكبر خطوة جريئة تعدت بها الصين جل المشاكل المختلقة ظلما من أمريكا،  تمثلت في إتفاقها مع روسيا على ضرورة تأسيس منظومة مالية مستقلة عن الدولار، و ترتكز أساسا على روبل الروسي، و اليوان الصيني، و اليورو الأوروبي،  تكون في خدمة التجارة، و التعاملات المالية بينهما في الأسواق العالمية . و في نفس الوقت تُعد حصانة لهما من العقوبات الإقتصادية المفروضة عليهما من أمريكا . و فعلا خصصت الدولتان قيمة مالية لتجسيد هذه الخطوة، قدرت ما قيمته 200 مليار دولار. و يدل ذلك صراحة على إهتمام البلدين في الرد على التهديدات الأمريكية، و الأوروربية المتكررة. و كذا العقوبات المفروضة على التعاملات المالية الروسية، و الصينية في السوق الدولية .و ما يلاحظ في سنة 2020 ميلادية أن حجم التجارة تراجع إلى 50 % بعملة الدولار بين البلدين  . 




العلاقات الاستراتيجية الصينية الروسية

لقد تأكدت رغبة التقارب بين الزعيمين "بوتين" و "شي جي بينغ" في أكثر من مناسبة.  آخرها في 15/12/ 2021 ميلادية . إن أهمية التقارب بين البلدين تكمن في معالجة قضايا محورية، أهمها ترجيح  توازن القوى في العالم لصالحهما، ثم الإنكباب إلى تحقيق طموحاتهما الكبرى المتمثلة في تغيير النظام العالمي، وحيد القطب إلى نظام دولي متعدد الأقطاب و الشراكة الكاملة و الحقيقية . كان الزعمان متحمسين جدا لمثل هذه اللقاءات بصفتهما قوى ىسياسية  ضاغطة، و مؤثرة في السياسة الدولية .  يبدو أن لقاءات القمة المتكررة، كانت تتعلق في الظاهر بالصداقة ، و التعاون ، و حسن الجوار ، و العمل على تطوير الشراكة بينهما، و تبادل الرؤى حول مختلف قضايا العالمية، و الإقليمية الراهنة في هذا الصدد .  

                                                                                        

قال وزير روسيا للخارجية

الآن وصلت العلاقات الثنائية إلى أعلى مستوى في التجارة. و هي ذات طبيعة شراكة إستراتيجية شاملة. و يمكن القول أنها تعتبر نموذج للتعاون الفعال بين الدول في القرن 21 ميلادي. بالطبع لا يحلو ذلك للجميع . و يحاول بعض الشركاء الغربيين علانية دق إسفين بين موسكو و بكين .  من خلال هذا التصريح أقرت روسيا أن التعاون بينهما لا يروق الغربيين أبدا. و لا يريدون المنافسة من غيرهم . و سيسعون بشتى الوسائل  عرقلة هذا التقارب .                                              

و قال وزير خارجية الصين

لا توجد نقطة نهاية في التعاون الإستراتيجي بين الصين و روسيا. و لا توجد مجالات محظورة لهذا التعاون. و لا يوجد سقف له. ليس كالتحالف، إنما أفضل من التحالف. أي علاقات شراكة إستراتيجية شاملة بين الصين و روسية . نأنل من القمة المقبلة أن تزيد الثقة بين البلدين لترتقي العلاقات إلى مستوى جديد. و أن تعزز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين، ليقفا ظهرا إلى ظهر.             

إن العلاقات الصينية الروسية صارت أكثر من رسمية في ظرفنا هذا. نظرنا لمصالحهما المشتركة من جهة، و التهديدات الأمريكية التي تقف في سبيل تحقيقها. و لقد عبر وزير أمريكا للخارجية "أنتوني بلينكين" عن سياسة بلاده فقال: إن الحد الأقصى للعلاقات المبرمجة مع بكين هو جعل التنافس الإستراتيجي معها قيد التحكم . و حسبه أن الرئيس الأمريكي يتقاسم مسؤولية عميقة لضمان عدم تصعيد المنافسة بين البلدين إلى صراع . 


وزن الصين و روسيا في النظام العالمي المتوقع 

لقد إرتاحت شعوب الدول النامي نسبيا أمام هذا التحرك الروسي الصيني المشترك، و تأمل أن يزداد جدية و إيجابية في المستقبل . و كلها تنتظر بشغف، أن يكتب له النجاح . لأن ذلك سوف يدشن عهدا جديدة في الفترة المقبلة . تتعدد فيها سياسة الأقطاب ، سياسة القوى الإقتصادية المنافسة لأمريكا في مناطق النفوذ التقليدية في الشرق الأوسط، و إفريقيا و آسيا. و يعيد صياغة خريطة التحالفات بين الدول . و تخف بذلك هيمنة الولايات المتحدة ، و أوروبا على إقتصاديات أمم العالم الفقير.  إن ظرف الوباء الطارئ الذي مر على البشرية قاطبة، أثبت للقاصي و الداني أن دور أمريكا القيادي تراجع كثيرا، و تقهقر معه دور أوروبا، و برهن للجميع ضعف المنظومة الصحية الغربية في مواجهة كوفيد 19. بينما تمكنت روسيا و الصين بنجاح من إحتواء الأزمة الوبائية. و هذا ما أيقظ وعي الشعوب، بأن نجم الغرب الرأسمالي المتوحش سيخبو توهجه، و سيفشل في المستقبل القريب . و أن العالم سيطفو على ساحته من جديد قوتان، هي أشد تمسكا بالقيم الإنسانية، و أشد حرصا في تعاملهما مع الشعوب وفق قواعد العدالة و المعايير الشرعية  المتعرف عليها.

                                                                                                                                  

عوامل نجاح السياسة الصينية الروسية :

لقد إستغلت الصين بذكاء ظروف الوباء و تداعياته على المجتمع الدولي في إنجاز ما يسمى بالدبلوماسية الصحية التي أهلتها لإكتساب ثقة الدول حتى الدول الأوروبية نفسها .أما روسيا كقوة عسكرية عظيمة لم تترك هذا الظرف يمر دون الإستفادة منه فلقد وظفت بما يسمى بدبلوماسية المساعدات الصحية التي رأت من خلالها القدرة على النفوذ إلى مجتمعات عانت كثيرا من سطوة الغرب الرأسمالي. . 

أن مصير الشعوب خاصة شعوب العالم النامي سيتحدد بمدى إنتصار الصين و روسيا في مواجهة الصراع الغربي الرأسمالي. و أن مؤشرات الإنتصار التي تنتظره هذه الأمم أصبحت بادية بشكل واضح هذه الأيام بحيث أن إدارة الرئيس بايدن تدرك جيدا أن من المستبعد مواجهة الصين عسكريا رغم تحديها لسياستها الخارجية . إن الولايات المتحدة تسعى الآن إلى تبني سياسة المواجهة مع الصين في مجالات التفوق الإقتصادي و التكنولوجي و العسكري. أما بنسبة لروسيا فإن البيت الأبيض الأمريكي يكتفي برفع درجة التوتر مع روسيا من خلال الكثير من التصريحات العدائية دون الإقدام على صراع عسكريا و هو لا زال يعاني من أزمات إقتصادية و صحية من جراء إنتشار وباء كوفيد 19 . 



مصادر الموضوع :

  1. حازم عياد تقرير : 16/01/ 2021 . روسيا و الصين من الشراكة إلى التحالف .
  2. يوسف جمعة الحداد : التقارب الروسي الصيني، هل يعيد تشكيل خريطة التحالف، و معدلات القوة و النفوذ في العالم .
  3. سلام العبيدي . تقرير 15 /12 / 2021 . شراكة الظهر للظهر بين روسيا و الصين .




google-playkhamsatmostaqltradent