recent
أخبار ساخنة

الفتوحات الإسلامية كما يراها الإنسان المعاصر.


الفتوحات الإسلامية كما يراها الإنسان المعاصر.
الفتوحات الإسلامية



 الفتوحات الإسلامية في العالم Islamic Expansions


إختلف المؤرخون في الشرق، و في الغرب معا في تحديد مفهوم الفتح الإسلامي الذي بفضله إجتاح الإسلام مساحة هامة من المعمورة . و كثرت حول الموضوع الفتح الدراسات و البحوث التاريخية المعمقة، قديما و حديثا . و تشبعت هذه الدراسات التاريخية بالإنتقادات و الملاحظات البنّاءة تارة. وهي قليلة للأسف ، و المغرضة تارة أخرى . إلى غاية أن وصل الأمر ببعض المؤرخين، تفسير الفتح الإسلامي على أنه ظاهرة إستعمارية توسعية . بينما الفتح هو في حقيقة الأمر ظاهرة دينية، بدت في التاريخ و في أول وهلة، غريبة أو متناقضة في نظر بعضهم. خاصة المفكرين المستشرقين . و حسبهم أن إدعاء العرب و المسلمين ، أن الدعوة الإسلامية التي حملها الفتح الإسلامي إلى الأمم، تميزت بالسلمية لا بالعنف و سفك الدماء، فهي مغالطة و تشويه للتاريخ. و بالتالي أصّر هؤلاء المؤرخون على أن الفتح الإسلامي هو ضرب من إحتلال الشعوب، و إستغلال ممتلكاتهم، و نهب ثرواتهم، و الإطاحة بأمجادهم و مكاسبها الحضارية. و الأمر يعني عندهم  "الفرس" و "الروم"على التحديد. 


هذه المسلمات التي تبناها هؤلاء المؤرخون في رأينا، ما هي إلا قياسا غير متكافئ على ما عهدوه، و ألفوه أثناء تعاطيهم مع تواريخ بلدانهم الأوروبية و الأمريكية التي إحتلت قارات بأكملها، و إستعبدت شعوبها بإسم الدين، و لم يكن الدين في نواياهم أبدا عند إقدامهم على هذا الإجتياح المأسوي في تاريخ البشرية. فهي دراسات تفتقر للموضوعية العلمية، و البحث النزيه المبني على التحليل المنطقي و التجرد المطلق.                                                                                    

 مفهوم الفتوحات الإسلامية 

الفتوحات الإسلامية حسب النظرة الحرة الحديثة ، هي حملات جهاد القصد منها نشر الدعوة الإسلامية على نطاق واسع. جرت أحداثها بعد وفاة "رسول الله محمد (ص)" . و تجاوزت في ذلك الوقت حدود الحجاز ، لتشمل شعوب "الروم البيزنطيين"و "الفرس" و أقوام أخرى "كالأفارقة" و "البربر" و"القوط" وغيرهم . حدد المؤرخون فترة الفتوحات  ما بين 632 ـ 750 ميلادية. إن عمليات الفتح الإسلامي هذه،  قاد ملحماتها مغاوير العرب المسلمين في العهد "الراشيدي و الأموي". إن مصطلح الفتح الإسلامي لا يعني أبدا التسلط ، و الإستغلال و الإستعباد كما هو شائع في ثقافة الغرب . بل أنه وسيلة لإظهار حقيقة  تعاليم الإسلام التي تدعو إلى السلم، و التسامح و إحترام كرامة الإنسان، و الدفاع عنها .                

 يقول "توماس آرنولد"   Thomas Arnold: لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي إضطهاد منظم قُصد منه إستئصال الدين المسيحي من قبل المسلمين . 

قال الله تعالى : فَإنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَ ألْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً . 2.                                  و قال الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَّبَيَنَ الرُشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بالطَّاغُوتِ و يُؤْمِن بِاللهِ فَقَدْ إِسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ االوُثْقَى لَا إِنْفِصَامَ لَهَا وَ اللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . 3.                                                                                                             

الفتح الإسلامي هو مواصلة الرسالة المثلى التي جاء بها الإسلام لتحرير الشعوب من تسلط الأباطرة، و الملوك ،و الأمراء و الجبابرة على حقوقهم النفسية و المادية . هو  كذلك تحرير عقول بني البشر من رجس الوثنية،  و من ظلمات الجهل و التعصب الأعمى. إن الفتح الإسلامي مكن الإنسان العربي و العجمي، مهما كانت  فلسفته أو مذهبه و موقعه في المجتمع ، من التمتع بآدميته و بحريته في الإستفادة من قدراته الفكرية، و طاقاته و مهارته، من أجل أن يحيا حياة كريمة، ينفع  بها نفسه و غيره. إن الفتح الإسلامي هو بشرى عمت أصقاع العالم، جاءت لترقية شعوب الأرض. هذا هو المغزى العام من الفتوحات الإسلامية . لن يدعو الرسول و لا الصحابة من بعده إلى غزو البلدان من أجل متاع الدنيا و لا إذلال شعوبها و سلب حقوقهم .  


الفتوحات الإسلامية في عهد الخلافة الراشيدية  632 ـ 661 ميلادية

الفتح الإسلامي في عهد الخليفة أبي بكر الصديق:

 أول رجل في تاريخ الأمة الإسلامية، إتخذ قرارا شجاعا بالفتح الإسلامي خارج حدود الحجاز، هو الخليفة الصحابي الجليل "أبو بكر الصديق". جاء هذا القرار مباشرة بعد مبايعته بالخلافة من قبل الأمة الإسلامية.  و كان الخليفة جادا و حاسما في هذا القرار، رغم صعوبة و خطورة القيام به.  بحيث أن جيوش المسلمين سوف تواجه أعتى قوى عسكرية في العالم، في ذلك الحين. و الدخول في حرب مع أكبر إمبراطوريات و هي الإمبراطورية "الساسانية" و "البيزنطية". إن الخليفة و المسلمين أدركوا ضرورة مواصلة واجب الدعوة الإسلامية، و الجهاد في سبيل الله، بعد وفاة "رسول الله (ص)".   لقد تميزت جيوش المسلمين بالحماس الشديد لملقاة جند الأعداء. لا يحدوهم في ذلك إلا حرارة العقيدة، و الإيمان بالله، و الجهاد في سبيله.    

 إن أول بعثة خرجت للجهاد في إطار سياسة الفتح الإسلامي، كانت بقيادة "أسامة بن زيد" . توجهت هذه البعثة إلى الشام لمحاربة حلفاء الإمبراطورية البيزنطية من العرب. لقد كلّفها الخليفة بهذه المهمة، رغم ما تعانيه  الجزيرة العربية من تداعيات حروب الردة . دامت هذه المواجهة أربعين يوما، كللت بالإنتصار الساحق. ثم شرع المسلمون في محاربة الإمبراطورية الساسانية، و بعدها  الإمبراطورية البيزنطية.   

                                                                  

تحرير العراق من قبضة الفرس

كانت ثقة الفاتحين المسلمين بأنفسهم عالية جدا، و كان إستعدادهم للحرب على أتم وجه. عيّن الخليفة "أبو بكر الصديق" "المثنى بن حارثة الشيباني" لفتح الفرس. و أولها العراق التابعة لها، و هذا بعد أن علم أن عرب الخليج، و جنوب العراق سيعينون هذا القائد على الفتح. وأن الدولة الساسانية كانت ضعيفة فعلا، و كانت هي العامل الأساسي لدفع بعض القبائل العربية إلى الردة. بعد ذلك صار "خالد بن الوليد" قائدا على جيش يتألف من عشرة آلاف محارب، بالإضافة إلى ثمانية آلاف جندي من العراق، ساقهم في حرب الساسانيين و تحرير العراق في شهر محرم سنة 633 ميلادية. لقد شهدت أرض "الكاظمة" أول و أكبر المعارك بين العرب المسلمين و الفرس .إشتهرت في التاريخ العربي بمعركة السلاسل. إنتصر "خالد بن الوليد" على جيش الفرس، و قتل قائدهم "هرمز" و أخذ قلنسوته المرصعة بالجواهر رمزا للشرف. ثم وزع الغنائم  Booty على الجند، و أرسل الباقي إلى "أبي بكر الصديق".                                                                

عملية إجتياح العراق :

لقد إنتشر خبر إنهزام جيش القائد "هرمز" في جميع أنحاء الفرس، و وصل صداه إلى غاية العاصمة "المدائن". فحز هذا النبأ المخزي في صدر الملك "إزدشير" فأمر بإرسال جيش كبير، و إنضم إليه جيش "هرمز" المهزوم. و دارت معارك ضارية بين جنده، و جيوش الفتح الإسلامي التي تقاسم قيادتها "خالد بن الوليد" و "المثنى بن حارثة الشيباني" و كان النصر في هذه المعارك حليف المسلمين. لقد أصّر الملك بعد ذلك، على مواصلة الحرب على المسلمين، مستعينا في هذه المرة ببعض القبائل العربية المجاورة لحدوده.  رغم هذه التدابير المتخذة  من أجل تغطية الهوان بالتحالف، إلا أن جيشه إنهزم شر هزيمة أمام عظمة جيوش الفتوحات الإسلامية، الذين إعتمدوا خطة ضرب المحاصرة، و نصب الكمائن. واصل القائد "خالد بن الوليد" زحفه على أراضي العراق، فحررها تباعا. ثم فتح "الحيرة" و صلى بها شكرا لله. ثم أتبع هذا الفتح بمحاصرة عدة قصور متباعدة عن بعضها في المنطقة. كان من نتيجة المحاصرة إستسلام أهلها جميعا، و دفع الجزية إلى الخليفة "أبي بكر الصديق" . قام هذا القائد المغوار بفتح "الأنبار" و "عين التمر" و أخذ منها عدد هائل من الأسرى.

لقد إهتتم "أبو بكر الصديق" بتحرير كامل التراب العراقي، و إنهاء أمره بالمَرة . فأرسل إلى جهة الشمال جيشين، الأول بقيادة "خالد بن الوليد" و الثاني تولاه "عياض". توجه هذا القائد نحو "دومة الجندل" و هي مدينة بعيدة عن المدينة المنورة. كان بها بعض المتمردين فقضى عليهم، و أسر قادتهم، و إستولى على حصونهم . عاد القائد "خالد بن الوليد" إلى "الحيرة" بالعراق ينتظر أوامر الخليفة. و في شهر صفر من سنة 633 ميلادية، أبلغ  الخليفة ،أبو بكر الصديق" "خالد بن الوليد" أن يلتحق بالشام على الفور، و يترك قيادة جيشه لمثنى بن حارثة الشيباني .لقد دامت معارك تحرير العراق على يد "خالد بن الوليد" ما يقرب مدة السنة .


تحرير بلاد الشام :

لقد حشد الخليفة الصديق جيشا كبيرا لتحرير الشام من قبضة الروم سنة 634 ميلادية. تكوَن الجيش من ثلاث فرق بقيادة أبي عبيد بن عامر بن الجراح ، و عمرو بن العاص، و يزيد بن أبي سفيان . ذكّر الخليفة الصديق القادة بواجباتهم نحو جندهم و جند الأعداء. و أن لا يتعرضوا للمدنيين من نساء و أطفال و شيوخ، و لا للذين حبسوا أنفسهم في الصوامع إحتراما لدينهم. و لا يقطوا أشجارا و لا يفسدوا محصولا. أُعيد ترنيب الجيش الإسلامي، و أسندت قيادة قسم منه إلى شرحبيل بن حسنة، و القسم الثاني إلى عمرو بن العاص. كما دُعم بجيوش إسلامية وافدة على المدينة المنورة، فصار العدد أربعة و عشرين آلاف مقاتل. و عندما وصلت جيوش الفتح إلى حدود الشام الجنوبية، طلب عمرو بن العاص الممد من الخليفة الصديق، نظرا لكثرة عدة و عدد جند الأعداء. أمر الخليفة عندئذ خالد بن الوليد أن يلتحق و جيشه من العراق إلى الشام .

لقد خاض جيش الفتح معارك ضارية، و عديدة في الشام، إلى غاية المعركة الحاسمة عند "أجناد ين" التي وصل عدد جيش الفتح الإسلامي فيها إلى سبعة و عشرين آلاف محارب، مقابل مائة آلاف من جند الأعداء. بعد الإنتصار توجه خالد بن الوليد إلى الجهة الشمالية للقضاء على فلول جند الروم . لقد تلقى الخليفة أبو بكر الصديق خبر إنتصار الجيوش الإسلامية في الشام قبل وفاته بخمسة و عشرين يوما.



مصادر البحث :

  1. د. محمدود شاكر . دار أسامة للنشر و التوزيع . الأردن، عمان.                                                                  
  2. اللواء أحمد عبد الوهاب علي : أراء الغرب في الفتوحات الإسلامية .                                                              
  3. د. روجي جارودي : الفتوحات الإسلامية. 
 د . علي محمد محمد الصلابي : شخصية أبي بكر الصديق .

google-playkhamsatmostaqltradent