recent
أخبار ساخنة

الحرب التجارية بين الصين و أمريكا.

 


الحرب التجارية بين الصين و أمريكا.
 الصين و أمريكا




الصراع الصيني الأمريكي 

تشهد منطقة المحيط الهندي و الهادي منذ العقدين الأخيرين من القرن العشرين، صراعا مخيفا بين القوى العظمى، المتمثلة هذه المرة في الصين و الولايات المتحدة . تفوق شدة هذا الصراع الحرب الباردة التي كانت بين المعسكر الشرقي الشيوعي بزعامة الإتحاد السوفياتي سابقا، و المعسكر الغربي الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية . لقد بات من المعروف لدى الجميع، أن الصين صارت قوة سياسية و إقتصادية عالمية دون منازع . يهيمن إقتصادها على جزء  معتبر من قارات المعمورة . فهذه القوة الإقتصادية الصاعدة بشكل غير مألوف، تتعارض مصالحها مع مصالح أمريكا . كون أن التوجه السياسي للصين يكمن في البحث عن دور عالمي، ينافس أمريكا و غيرها  بطريقة سلمية، و متفتحة و ملائمة جدا . هذه الطريقة الحديثة تختلف عما سواها في الدول المتقدمة. في هذا الصدد يسعى رئيس الصين "شي جين بينغ" إلى تعزيز مشروع النموذج الإقتصادي الصيني، الفريد من نوعه في العالم، كقاعدة للقوة الناعمة  Soft Power


طبيعة العلاقات السياسية الصينية مع غيرها

إن العامل الأساسي الذي جعل الصين تصل إلى الريادة العالمية في الإقتصاد، و التجارة، أو بما يسمى بالمعجزة الإقتصادية العالمية . هو إعتمادها سياسة التفتح الإقتصادي مع سائر دول العالم . تتمثل هذه السياسة في عدم الضغط على هذه الدول، أو التدخل في شؤونها، و لا حتى التمييز في تعاملها بين الأنظمة الديمقراطية أو الإستبدادية . لا تفرض الصين شروطا معينة على نقل التكنولوجيا المتقدة إلى شعوبها. مثل الذكاء الإصطناعي، و الحوسبة الكمية، و شبكات الإتصالات الرقمية من الجيل الخامس. أو إبرام صفقات السلاح مع هذه الدول. هذه هي العملة المربحة التي تتداولها الصين في نهاية المشوار مع دول العالم . إن مقاصد الصين التجارية من كل هذا هو توسيع نطاق نفوذها، و جلب الأسواق لتصريف منتجاتها الهائلة القليلة التكلفة و السعر. هذا النهج الجديد في العلاقات السياسية، و نوعية التعامل الإقتصادي مع الدول، هو الذي ترى من خلاله الصين المناخ الملائم الذي يؤهلها إلى الزعامة الإقتصادية في المستقبل. و هو الذي يضمن لها الإمداد الدائم بالموارد الطبيعية من معادن و مواد طاقوية. كما يمنح لها إمكانية النفوذ إلى الأسواق العالمية . و يتيح لها فرص لا تعوض في الإستثمارات الضخمة، و إنجاز المشاريع الكبرى خارج قطرها. 

أن الصين تدرك الآن أن القدرة على الظفر بالتنافس الإقتصادي، و تفادي المخاطر، و الصراعات السياسية الجانبية، لا يتأتى إلا بإمتلاك القدرة الجيوستراتيجية . إن معرفة إستراتيجية المناطق الجغرافية للدول، من حيث أهمية الموقع، و نوع الثروات الطبيعية، و الممرات و السواحل و المضايق البحرية، و ما مدى تأثيرها على الصعود الإقتصادي للصين. و بالتالي التخطيط لتأمين الإمدادات و التمويلات الضرورية و المستمرة. إلى جانب الحضور العسكري، الذي يوفر لها الغطاء الوقائي لأنشطتها الإقتصادية و مصالحها في الخارج . على هذا الأساس شرعت الصين مؤخرا في تقوة نفوذها السياسي، و الدبلوماسي، و الإلامي الدعائي الترويجي، العسكري على المستوى الإقليمي، و الدولي. و هذا من أجل حماية إقتصادها المتصاعد بسرعة فائقة. .

    

نجاح السياسة الإقتصادية الصينية  

إن الكثير من الدول النامية في إفريقيا و آسيا، و غيرهما تدعم النفوذ الصيني و ترتاح له، و ترغب فيه للتخفيف من وطأة الحضور الأمريكي. لقد وجدت الصين في هذه الرغبة الصادقة فرصة سانحة لتوثيق العلاقات السياسية، و الإقتصادية مع معظمها. و ذلك  بغية الحصول على الثروة المعدنية و الطاقوية. كما ترى في النفوذ الروسي، و التركي، و الإيراني في هذه المناطق، فرصة أخرى تمكنها من الحفاظ على التوازن الإقتصادي بينها و بين أمريكا. بحيث أن هذه الدول ستساهم بشكل مباشر في تهدئة حدة الصراع الإقتصادي الذي وجه ثقله نحوها . هذا التحول السياسي المفاجئ على المستوى الدولي، كان في صالح طموحات الصين الإقتصادية، التي تسعى بخطى حثيثة إلى التملص من قبضة التسلط الأمريكي، والرضوخ لإرادته.       

                                                                                        

إن أصداء السياسية الصينية التي وصلت إلى معظم الدول النامية على الخصوص، كما نلاحظ قادتها إلى الإستناد على روسيا كونها قوة عسكرية قديمة الصراع مع أمريكا.  بحوزتها الخبرة و الجرأة الدبلوماسية الكثيفة و الناجحة التي تفتقر إليها الدولة الصينية. علاوة على ذلك فإن روسيا تمتلك ما تحتاج إليه الصين من موارد طبيعية و طاقوية ضرورية لمواصلة الصعود الإقتصادي. و في الأخير توج نشاطها الديبلوماسي بالتوقيع مع روسيا على عدة إتفاقيات تجارية بالعملات المحلية . على ضوء هذه الظروف السياسية الجديدة، صار للصين نوع من الطمأنينة و الأريحية في إنجاز الكثير من المشاريع الضخمة التي تعزز مكانتها في النظام الدولي . 

أشهر مشروع صيني الذي لا زال في طور الإنجاز، هو ما اصطلح على تسميته بالطريق و الحزام Belt and road سنة 2013 ميلادية الذي سيكلف إستثماره 1.3 تريليون دولار بحلول 2027 ميلادية. و هو عبارة عن شبكة هائلة من الشركاء المساهمين في نمو الإقتصادي الصيني . و في تأمين الطرق التجارية البحرية و البرية، من أراضيها إلى غاية أوروبا ثم العالم . جاء هذا المشروع على غرار طريق الحرير التاريخي. Silk road.


سياسة الغطرسة الأمريكية 

بالمقابل فإن الخصم العنيد للصين، و هو الولايات المتحدة الأمريكية التي تأبى أن يزاحمها أحد على عرش العالمية. و يقاسمها دور الزعامة على المجتمع الدولي. و لكي تنفرد بهذا الطموح فإنها تعتمد سياسة الضغط الدبلوماسي على أنظمة الدول، و التدخل المباشر في شؤونها الداخلية، أو المواجهة العسكرية تحت أية ذريعة تمكنها من الولوج و السيطرة على منطقة ما . إن العامل الرئيسي الذي أعان أمريكا كثيرا على الإستحواذ، و التحكم في مقدرات الدول الطبيعية. بل في تقرير مصير شعوبها،  و وحدة ترابها. هو تفوقها العسكري التقني الصناعي و الإستخباراتي. و تموقع جيشها في أكثر من 140 قاعدة عسكرية منتشرة في جميع بقاع الأرض. هذه القدرة العسكرية مكنتها إذن من بسط سيطرتها على أهم الطرق التجارية، و على مناطق الثروة المعدنية و الطاقوية في العالم. هذا الإختلاف الواضح بين أمريكا و الصين في كيفية التعامل مع الدول، جعل الصراع يتفاقم بينهما بصورة جدية. لقد تحول إلى ما يشبه الحرب الباردة سابقا، التي إستمرت ستة عقود من الزمان بين الكتلة الإشتراكية ،و الكتلة الرأسمالية. بيد أن الصراع اليوم يتمثل في حقيقة الأمر في الحرب التجارية. Trade war التي يمكن أن نفسرها بمحاولة كل واحدة منهما فرض الندية و العظمة الإقتصادية في مناطق النفوذ عبر القارات، كإفريقيا و آسيا و مناطق أخرى. و بالتالي ضمان تدفق المواد الأولية الحيوية لإقتصادهما.


القوة العسكرية للصين 

في خضم هذا الصراع المتفاقم بين عظماء الإقتصاد العالمي،  تنامى وعي الصينيين حكومة و شعبا بضرورة إمتلاك القدرة العسكرية. التي تكون كفيلة بحماية، و تأمين مناطق الإقتصاد الصيني، و طرقه التجارية عبر العالم من الخطر الأمريك. و ما ساعد هذا البلد على إنشائه و الإنفاق عليه،  توفر الإمكانيات المالية الهائلة المحصل عليها من العائدات التجارية . لقد وصلت قيمة الإنفاق إلى ما يساوي 261 مليار دولار عام 2019 ميلادية. فالصين هي البلد الثاني في العالم من حيث الإنفاق العسكري.  إنها خصصت في الآونة الأخيرة ميزانية هائلة، لتطوير القدرات البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبي. كان ذلك  في توفير غواصات و سفن بحرية فائقة التقنية . 

أوضح الإعلام الغربي أن القدرة البحرية الصينية تفوق حاليا ما تملك "ألمانيا" و "المملكة المتحدة" و "إسبانيا" و "الهند" و "تايوان" . هذه الإمكانيات العسكرية البحرية التي تعدت حدود التصور،  وُظفت مباشرة في الشرق و الجنوب من بحر الصين . و في المناطق العربية و القرن الإفريقي، و في الشرق الأوسط . و تسعى إلى تأسيس قواعد عسكرية خارج حدودها على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، في "جيبوتي" و "عمان".  و قبل هذا شيدت  عدة موانئ على طول سواحل المحيط الهندي . كما أبرمت إتفاقيات شراكة مع كوريا الشمالية،  و إيران في إطار التعاون العسكري. في مجال تطوير الأسلحة، و تبادل المعلومات الإستخباراتية، و التدريبات العسكرية . لا يخفى على أحد أن الصين تملك جيشا من أكبر الجيوش في العالم 2.3 مليون جندي. هذا الإنجاز السياسي و العسكري الصيني الهائل الذي حققته على أرض الواقع،  و في ظرف وجيز،  جاء على خلفية النوايا الأمريكية المبيتة و المعلنة على رغبتها الشديدة في ترقية قدراتها النووية.  و بالتالي إعتبرت الصين أن أمريكا خطيرة على أمنها، و أمن إقتصادها في المحيط الهندي و الهادي .



العلاقات الأمريكية الصينية

 هذا الزحف الإقتصادي الصيني السريع، و المتصاعد في العالم. و الذي واكبه الآن الإقتدار العسكري المتطور جدا. أرغم رؤساء الإدارة الأمريكية على التفكير بجدية في كيفية  كبحه . كي لا يجتاح المزيد من الأسواق العالمية، و المناطق المؤهلة للإستثمار، و التي تتطلع إليها بلادهم بشراهة. إن ساسة البيت الأبيض الأمريكي يرون أن هذا التطور الإقتصادي الرسيع، في ميدان الإستثمار، و الإنتاج و المنافسة الشرسة في التجارة العالمية.  يشكل فعلا تهديدا صارخا لمصالح دولتهم في الخارج . و بالتالي إعتبروه من صلب أولويات عملهم السياسي. في هذا السياق إخترنا ثلاثة مهندسي السياسة الخارجية الأمريكية . و هي من الطبيعي جدا أن تختلف رؤاهم في التعاطي مع ملف الصين الإقتصادي التجاري . و في كيفية معالجته وفق ما تقتضيه المصالح العليا لأمريكا.

لقد إنحصرت سياسة إدارة أمريكا زمان "باراك اوباما" 2009 ـ 2017 ميلادية،  في خلق توازن إقتصادي في آسيا، كخطوة أولى. أي الإهتمام بدول الجزء الغربي من المحيط الهادي، عن طريق الإتفاقيات الإقتصادية و التجارية، بغية إثراء المنافسة المقلقة للصين . و هذا كما يبدو هو نوع من المقاومة، و التضييق على الصين في عقر دارها . إن باراك اوباما تجنب بهذه الطريقة المواجهة، و الصدام المباشر  مع الصين . لقد حاول هذا الرئيس أن يبقي دائرة الصراع بين الصين، و الأقاليم الآسيوية المجاورة لها . و هذا ما يدل على أن أمريكا أصبحت أمام خصم شديد المراس . 

أما في الفترة التي ولج الرئيس "ترامب" أبواب البيت الأبيض الأمريكي 2017 ـ 2020 ميلادية . بدأ بتوجيه إنتقادات شديدة لما قبله وقد قال ما قام به "اوباما" لم يرق إلى تحقيق مصلحة أمريكا الإقتصادية.  و بالتالي فأبى أن يواصل العمل بها كونها سياسة فاشلة في نظره . لقد إعتمد "ترامب" سياسة أكثر عدوانية و صرامة مع الصين، بحيث إجتمع مع حلفائه الآسيويين في إطار تكثيف النشاط الدبلوماسي معهم.  و من خلاله  أقنعهم بضرورة توقيف عمليتي التصدير و الإستيراد مع هذا العملاق الأسيوي. و من جهته حاول عرقلة الإستثمار الصيني في الولايات المتحدة ، و فرض على سلعها شتى أنواع العقوبات الجمروكية . بل قام بالتهديد العسكري لمنعها السيطرة  على بحر الصين،  مستعينا في ذلك بحلفائه "كاليابان" و "كوريا" الجنوبية  "تايوان" و "الهند" . لقد كاد أن يحوّل بتصرفاته هذه الصراع التجاري إلى صراع حرب حقيقية .

لقد إعتمد الرئيس الجديد لأمريكا "جو بايدن"  سياسة المراوغة مع الصين ، و هي مدركة لذلك،  و واعية لأبعاد سياسته . أول ما صرح به هو أن الصراع التنافسي مع الصين،  يتطلب دبلوماسية مكثفة جدا . و عليه ينبغي أن تبقى قنوات الإتصال مفتوحة بشكل دائم بينهما. أول صورة لهذا التقارب بين "بكين" و "واشنطن" تم في مؤتمر المناخ 2021 ميلادية الذي أفضى إلى إتفاق مشترك بينهما حول الحد من إستهلاك الوقود الأحفوري،  الذي تسبب في إنبعاث غازات الإحتباس الحراري في العالم بنسبة 35 %

 

 مبررات التسلح الأمريكي

إن الإدارة الأمريكية الحالية تحاول إستعمال بعض الملفات ضد الصين، لكبح طموحها في منافستها على السيادة في النظام العالمي. رغم التقارب . من هذه القضايا على سبيل المثال : ملف جزيرة "تايوان" البحر الجنوبي للصين،  و حقوق سكان الإيغور. تعتبر الصين أن الجزيرة هي من أراضيها، يجب إستعادتها بالطرق السلمية، أو بالحرب . على هذا الأساس أرسلت 150 طائرة إلى منطقة الدفاع الجوي المحاذي لتايوان . أما أمريكا فإنها تسعى لحماية هذه الجزيرة، وفاء لإلتزاماتها عسكرية. يعتبر المحللون أن هذا التوتر  هو مؤشر قوي قد يؤدي إلى حرب وخيمة العواقب. أما قضية بحر الصين الجنوبي،  فأصبح هذا البحر بؤرة الصراع الكبير، فالصين تريد بسط نفوذها على حساب "الفتنام" "الفلبين" "ماليزيا" و "أندنوسيا". و ترى أمريكا أن ما تقوم به الصين، أمرا غير مشروع .و لكي تحمي أمريكا حلفائها تنفذ عدة مناورات عسكرية. و أكثر من هذا ، فإنها كونت حلفا عسكريا جديدا لمواجهة الصين ، يتكون منها و  أستراليا و المملكة المتحدة يعرف بالحلف "الأنجلوساكسوني". . زيادة على ذلك أسست تكتل عسكري مع "اليابان" و "الهند" و "أستراليا". أما ملف الإيغور فيحمل طابع حقوق الأنسان الذي وظفته أمريكا في حملة إعلامية عدائية ضد إدارة بكين . هذه باخصار شديد فحوى الصراع الصيني الأمريكا ، الذي قد يتطور إلى كارثة بشرية. 


 مصادر الموضوع :

  1. محمد غازي الجمل . تقرير 03/12/ 2021 . مجلة لباب مركز الجزيرة للدراسات .
  2. فرانس 24 . تقرير 17/09/ 2021 . الصراع الصيني الأمريكي في المحيط الهادي يؤجج السباق إلى التسلح الإقليمي.
  3. القدس العربي . تقرير 04 /12 /2020 . الصراع اليني الأمريكي صراع بعيد المدى.
  4. إدريس لكريني . تقرير 15 / 10 / 2021 . أمريكا و الصين الصراع الحذر.
  5. محمد المنشاوي . تقرير 15 / 11 / 2021 . القمة الأولى بين شي جي بينغ .


google-playkhamsatmostaqltradent