recent
أخبار ساخنة

الفاتحون عصر الخطاب الذهبي



الفاتحون عصر الخطاب الذهبي

الفاتحون



 الفاتحون المسلمون نحو جبة العراق Muslim Conquerors 

باشر الصحابي عمر بن الخطاب الخلافة في نفس اليوم الذي مات فيه "أبو بكر الصديق" سنة 634 ميلادية. كان إهتمام الخليفة بمسألة الفتح الإسلامي  بالغة الأهمية ، لأن معارك المسلمين كانت لا زالت متواصلة ،و محتدمة مع جيش الروم في الشام  الإضافة إلى معاركهم مع الفرس في العراق  بقيادة "المثنى بن حارثة الشيباني" . هذا الوضع العسكري دفع الخليفة إلى التخطيط لمواجهة المعارك على جبهتين . جبهة العراق و جبهة الشام . جهّز الخليفة عمر جيشا من المتطوعين المسلمين يقدر بألف مقاتل تحت قيادة "أبي عبيد الثقفي" لدعم إخوانهم في العراق. في تلك الأثناء أوكلت الفارسية السيدة "بوزان" و هي من أفراد الأسرة الحاكمة المؤثرة في البلاط قيادة جند الدولة الساسانية إلى القائد رستم .

 

كبوة الفاتحين في معارك غير متكافئة    

حقق الفاتحون المسلمون بعض الإنتصارات  على الجيش الفارسي في عدة مواقع في العراق .هذا الوضع أزعج القائد الفارسي كثيرا، و ضايق نفسه. فأعد قوة معتبرة لملقاة المسلمين . و دارت معارك ضارية عرفت بمعركة "الجسر". ثم حشد رسم جيشا آخر و كلّف "يهمن" بقيادته. عسكر هذا القائد شرق نهر الفرات ، و إنتظر قدوم جيش الخصم من المسلمين .عَبَرَ جيش الفتح الإسلامي نهر الفرات عن طريق الجسر "بقيادة أبي عبيد الثقفي" و إندلعت المعارك بينهما. و إضطربت أحوال المسلمين فيها كثيرا نظرا لإستعمال القائد "بهمن" الفيلة في المواجهة العسكرية التي أثارت الإرتباك في نفسية خيل الفاتحين و التي لم تعتد على رؤيتها . تفطن "أبو عبيد الثقفي" إلى ضرورة شق بطون الأفيال ليتهاوى من أعاليها مقاتلو العدو. و رغم ذلك خسر المسلمون المعركة ، و إستشهد "أبو عبيد الثقفي" في شهر رمضان 634 ميلادية .و تولى "المثنى بن حارثة الشيباني" قيادة جيش الفتح الإسلامي بنفسه.


تدابير عمر بن الخطاب لمواصلة الحرب

أن خبر هزيمة المسلمين أحزنت الخليفة "عمر بن الخطاب"،  و رأى أن الموقف العسكري يحتم عليه التخلي عن خطة أبي بكر الصديق العسكرية، التي كان يعتمد فيها على المسلمين فقط . و إستبدلها باستراتيجية حربية تكون نسبة إنتصار المسلمين فيها كبيرة.  تمثلت خطة "عمر بن الخطاب" في تحريض القبائل العربية المرتدة على نصرة إخوانهم العرب على الفرس في العراق . بهذه الكيفية تمكن "عمر بن الخطاب" من حشد كل طاقات الأمة العربية في ساحة الوغى. كانت المواجهة بين جيش الفتح ، و جيش الفرس بقيادة "مهران" عند موضع قرب الفرات يدعى "البويب" و دارت فيه أعتى المعارك بينهما. كان النصر في هذه المرة حليف جيش الفتح الإسلامي. و كان نصرا حايما ، بحيث تم القضاء على القائد الفارسي "مهران" واصل المقاتلون بعذ ذلك المواجهة على الفرس مدة ثمانية عشر شهرا .


إصرار الفرس على مقاتلة المسلمين 

إعتلى "يزد جردYazdegerd العرش الفارسي بموافقة الأشراف و عمره إحدى و عشرين عاما، و هو آخر ملوك الفرس . صمّم هذا الملك على قهر العرب و إبعادهم عن حدود بلاده نهائيا. فإنتدب قائدا محنكا لمقاتلة جيش المسلمين تتوفر فيه الحنكة و الدهاء . و كان القائد "رستم" لقد أولى هذا القائد المغوار إهتماما بالغا بضرورة حشد جيش عظيم من شتى مناطق بلاد فارس، و بتحصّين المدن الفارسية الهامة، ثم التهيؤ للمعركة الحاسمة . راسل "المثنى بن حارثة" الخليفة "عمر بن الخطاب" يخبره بقوة و إستعداد جيش العدو ، و إحتياج جيشه الفوري إلى المدد .عرض الخليفة الخبر  على الأمة الإسلامية،  يريد منهم الرأي الوجيه في هذه الظروف الحارجة. تباينت الأراء حول قيادة جيش المسلمين الداعم لإخوانهم في العراق. فعامة الناس يرغبون في أن يكون الخليفة "عمر بن الخطاب" هو من يقود الجيش، و أما الصحابة يريدون أن يكون في قيادة الجيش، واحد من قادة العرب المتمرسين، كي يمكنوا بذلك الخليفة من القيام بمهامه في إدارة شؤون الأمة. فوقع الإختيار على "سعد بن أبي وقاص" قائدا للجيش قوامه خمسة و ثلاثين ألف مقاتل .


دعوة الملك يزد جرد إلى الإسلام أو خيار الحرب

توجه سعد بجيشه إلى العراق، و أثناء السير توفى "مثنى بن حارثة" متأثرا بجروحه. طلب عمر من سعد أن يضمّم إليه "المغيرة بن شعبة"، و كافة رؤساء القبائل العربية، تعبئة و تقوية للقوة العسكرية الفاتحة .تزايد على إثر هذا الطلب، عدد المقاتلين في جيش سعد .توجه الفاتحون نحو القادسية ، و إنتظر سعد مجيء العدو مدة شهر كامل. لما علم الخليفة بالخبر أرسل إلى قائد الجيش، أن يدعو ملك الفرس إلى الإسلام. و وفاء لهذا الأمر كوّن "سعد" وفدا من خيرة جند العرب ليفاوضوا الملك "يزد جرد" و يقنعوه بدعوة الإسلام .

قال الله تعالى في كتابه: أدْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ وَ المَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَ جَادِلْهُمْ بِالتِي هِيَ أَحْسٍنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالمُهْتَدِينْ . سورة النحل الآية 125.

بعد حوار عسير رفض الملك ما جاء به الرجال من تعاليم دينهم السمحاء و ظلت الحرب حسبه هي الوسيلة لإنهاء أطماع العرب في الفرس و على النقيض و رغم أن عدد جيش الفرس كان يزيد عن مائة و عشرين ألف مقاتل إلا أن القائد رستم كان يتحاشى هذه الحرب و يماطل في خوضها بعد  أن أدرك أن المسلمين جاءوا يحاربون الفرس في سبيل الله لا يريدون متاع الدنيا أبدا. جمع القائد الفارسي حوالي مائة و عشرين ألف مقاتل و معهم الفيلة و تمركز على جانب شاطئ الفرات بالقرب من بابل ينتظر الحرب على مضض إن الملك كان ينتظر هذه الحرب على عجل خشية سقوط المملكة في يد العرب عكس رغبة القائد رستم الذي توقع الهزيمة و إنهيار المملكة برمتها.


تحرير القادسية على يد سعد بن أبي وقاص

دارت الحرب بين الفرس و القبائل العربية ، و معها القبائل النصرانية التي جاءت من كل جهة،  لنصرة إخوانهم العرب من المسلمين في القادسية.  لقد كانت من أعنف و أشرس المعارك . و إستغرقت من الوقت أربعة أيام ليلا و نهارا .و تمّ فيها القضاء على القائد الفارسي "رستم" و على خيرة رجاله.

حرر سعد بن أبي وقاص القادسية و بابل وكل المناطق المحيطة بالفرات، ثم نزل الكوثى و زار بها سجن سيدنا إبراهيم. واصل زحفه بعد ذلك إلى غاية "بهرسير" و منها رأى النسلمون إيوان "كسرى" و القصر الأبيض. ثم حاصر جيش الفتح الإسلامي المدائن "طيسفون" عاصمة الفرس حتى سقطت .                     

عزم "سعد" على خوض مياه دجلة برفقة "الصحابي سلمان الفارسي" لإتمام تحرير المنطقة . لما عَلِمَ أهل الفرس بقدوم جيش الفتح، لجأوا إلى مدينة "حلوان" قرب المدائن بمعية أهل الملك "يزد جرد" ظل "سعد بن أبي وقاص" في تلك الأيام العصيبة يستشير الخليفة "عمر بن الخطاب" في كيفية تخطي العقبات التي تعترض سبيله . 

إحتمى جيش "يزد جرد" بحصن منيع يسمى "جلولاء" في "الحلوان" أحاطوه بخندق مليئ بالأسلاك ،  بينما كانت تدابير "سعد" أمام هذه الخطة ، أن كلّف "القعقاع بن عمرو" للتصدي لهم في هذا الحصن. و بعد حصار طويل تمكن "القعقاع بن عمرو" من الإستيلاء على باب الحصن و القضاء على جيش يزدجرد .


سقوط الفرس و العراق على يد الفاتحين المسلمين

لقد تم تحرير كامل التراب العراقي من تسلط الإمبراطورية الساسانية و لاذ الملك و فلول جيشه المهزوم إلى هضبة البلادو في نواياه مواصلة الحرب على المسلمين لكنه باء بالفشل الذريع أمام قوة جيش الفتوحات الذي تمرس كثيرا بفنون الحرب الحقيقية أيام مراحل الفتح الإسلامي . في عهد الخليفة عمر بن الخطاب دانت كل الأقاليم الإيرانية للدولة الإسلامية الواسعة التي كان لها الفضل في تغيير موازين القوى العسكرية في العالم و في تغيير نظرة الساسة إلى شعوبهم و في نشر القيم الروحية الحضارية الراقية لدى الكثير من الدول في ذلك الوقت . إن هذا التغيير جاء بعد تقديم ضحايا جسيمة بحيث إستشهد ألف و خمس مائة من الفاتحين الأبرار. 


تحرير تكريت و الموصل العراقيين 

رغم إستشهاد العديد من الفاتحين، فإن الحرب رفعت من قدراتهم القتالية، و المهابة في نظر البيزنطيين. و جعلتهم متأهبين في أية لحظة من أجل إزاحة الغبن، و تسلط الملوك على شعوبهم ، و رفع لواء الحق و العدالة في أقطارهم .بعد تحرير الفرس و العراق علم "سعد بن أبي الوقاص" أن جزءا من بلاد العراق ، لا زال خاضعا للأمبراطورية البيزنطية مثل:  "تكريت" و "الموصل" و عليه إنتزاعها على الفور. و بالتالي عيّن "سعد" قائدا على القوة الفاتحة لمواجهة جند الروم،  و هو "عبد الله بن المعتصم" و معه خمسة آلاف مقاتل . و كانت المعركة سجالا بينهما زهاء أربعين يوما،  إلى غاية أن تخلى عرب المنطقة عن التحالف مع الروم ، و الإنضمام إلى جيش المسلمين. بهذه الكيفية تغيرت موازين القوة لصالح الفاتحين، فكانت الغلبة في الأخير للمسلمين و تحررت تكريت . 

بقيت مدينة "الموصل" تنتظر الإنعتاق من قبضة الروم.و كان تحريرها أيسر من "تكريت" .فلقد أعان العرب المُوَلون للروم إخوانهم من المسلمين في مفاجأة جيش العدو، دون مقاومة .لقد خدعت القبائل العربية الموالية لبيزنطة ، الجيش الرومي بإشاعة خبر هزيمة المسلمين على يد الساسانيين . و لا داعي للقلق ، و لا الإستعداد للحرب.  فتُرِكَتْ أبواب المدينة مفتوحة ، و غادر الجيش خيوله،  فباغتهم الفاتحون بقيادة "ربعي الأفكل الغنزي" و دخلوا "الموصل" دون إراقة للدماء . بعد ذلك واصل "عياض بن غنم" تحرير باقي الأراضي المحيطة بالموصل .   

لقد ضحى الفاتحون المسلمون بالكثير من أبطال العرب من أجل إذاعة تعاليم الإسلام الحنيفة في الفرس و العراق. و بيّنوا لشعوب هذه الدول أن الديانة الإسلامية جاءت لتحريرهم من ربقة العبودية ، و الخضوع المذل لسطوة الأباطرة .   و لم تأت لإستغلالهم ، و سلب حريتهم ، و تنويمهم بعقيدة مضِّلة تكبل إرادتهم عن السعي الحقيقي،  المفيد و البنَّاء و المساهم في رقيهم و تحضرهم. 


مصادر البحث :

  1. د. محمود شاكر. موسوعة الفتوحات الإسلامية . دار أسامة للنشر و التوزيع . الأردن . عمان.
  2. محمد سعيد رمضان البوطي . فقه السيرة .
  3. د. روجي قارودي . الفتوحات الإسلامية .


google-playkhamsatmostaqltradent