recent
أخبار ساخنة

أسطول الخليفة عثمان في مواصلة الفتح الإسلامي.

 



أسطول الخليفة عثمان في مواصلة الفتح الإسلامي.




رغبة الخليفة عثمان في فتح أرمينيا 


كانت مساعي الفاتحين المسلمين حثيثة جدا للتوغل في آسيا الوسطى،  و مجابهة تحرشات الجيش البيزنطي على حدود الدولة الإسلامية الشمالية . و هي رغبة "الخليفة عثمان بن عفان" و إنشغالاته الدائمة . كما ذكرنا سابقا . و في الأخير إستقر لديه الإهتمام بفتح إقليم أرمينيا بصفة نهائية . يحد لإقليم أرمينيا من الغرب أذربيجان ، و من الشرق تركيا ، و من الشمال جورجيا ، و من الجنوب إيران . في هذا الصدد كلّف الخليفة أمير منطقة الشام "معاوية بن أبي سفيان"  بأخذ كل التدابير المادية و تهيئة الظروف المناسبة لفتح إقليم "أرمينيا"  و نظرا لأهمية الإقليم ، و صعوبة فتحه ، إختار أمير الشام بطلا من قادة أبطال العرب العسكريين المهرة ، و الأكفاء لتنفيذ هذه المهمة . و هو "الحبيب بن مسلمة بن خالد الفهري" و تم ذلك سنة 644 ميلادية . ضرب القائد في البداية حصارا محكما على مركز الروم الإداري في "قاليقيا" . و بعد معارك ضارية إنهزم فيها الجيش الرومي ، و أذعنوا للصلح مقابل الأمان و دفع الجزية .  


إستعداد الفاتحين لتحرير أرمينيا 


وصل صدى إنتصار المسلمين في "قاليقيا" إلى البلاط الملكي البيزنطي ، فأعد الإمبراطور العدة لكسر شوكة الفاتحين المسلمين ، و تعطيل زحفهم إلى المناطق الرومية الأخرى .  فجمع جيوشا من شتي الأقاليم ، قدرت بثمانين ألفا مقاتل . كان أمير الشام على دراية بالخبر ، فأمد قائده بألفي مقاتل  إضافي . كما أرسل إليه أمير الكوفة "الوليد بن عتبة" بأمر من الخليفة عثمان بثمانية آلاف مقاتل بقيادة "سلمان بن ربيعة الباهلي" . و بذلك صار إقليم "أرمينيا" مكان أكبر تجمع للجيش الإسلامي الوافد من الشام و العراق .


خطة الخليفة عثمان لتحرير أرمينيا 


كان الخليفة عثمان يتابع سير عمليات الفتح بإهتمام بالغ . و يتدخل في إدارة معاركها عند الضرورة . و ذلك عن طريق ما يصدره من تعليمات عسكرية محكمة إلى القادة ، بغية شل قوة العدو . لقد قدر الخليفة هذه المرة عظامة جيش الروم في أرمينيا . و رأى من الغباء مواجهته الند للند ، بل أن الحكمة في دحره ، و إحباط كل محاولاته ، و الإنتصار عليه تكون في تشتيت قواه إلى قسمين ، ليسهل الإنقضاض عليه بقوة ، و إفشال كل مساعيه.  بهذه الطريقة تولى "سلمان بن ربيعة" محاربة جند الروم في قسم من "أرمينيا" . و واجه "حبيب بن مسلمة" المحاربين في أقسام أخرى . إستطاع الجيش الإسلامي تحرير عدة مناطق من "أرمينيا" بقيادة "سلمان بن ربيعة الباهلي" الذي إستشهد فيها مع بعض المجاهدين المسلمين . بعد وفاة "سلمان" ركز الخليفة  على "حبيب بن مسلمة الفهري" في إتمام تحرير التراب الأرميني . لقد إستطاع هذا القائد من تحرير "قاليقيا و مربالا و مكسي و جزران" و باقي المناطق أصبحت "أرمينيا" عمالة إسلامية تحت إمرة "حذيفة بن اليمان العبسي" .


لقد إنتهى الوجود البيزنطي في أرمينيا ، و عاد  شعبها حرا من كل أنواع الإستغلال . يعيش في أجواء التسمامح ، و حرية الإعتقاد دون قهر و لا ضغط ، و لا إكراه من قبل ولاة الإدارة الإسلامية في هذه البلاد . و إطمأن على عودة كرامته و كرامة أسرته ، و حريته في الكسب التجاري . و التملك و العمل و التنقل للإسترزاق دون جزع ، و لا توجس. إن قاعدة التعامل في النظالم الإسلامي مع سائر الشعوب ،هي تمكينهم من الإنتفاع بقدراتهم الفكرية ، و الجسدية لفائدة أنفسهم ، و لصالح غيرهم . كما يحارب النظام الإسلامي إستغلال الإنسان للإنسان بطريقة بشعة تفتقد لأبسط لقواعد الإنسانية .


الأسطول البحري الإسلامي في خدمة المسلمين 


إن الإعتداءات البيزنطية المتتالية على سواحل الدولة الإسلامية الناشئة ، جعلت الفاتحين المسلمين  يفكرون بجدية في تأسيس أسطول بحري يمنحها القدرة على التصدي لها عند السواحل ، و مطاردتها في عرض البحر المتوسط . هذا الإهتمام المتزايد بإنشاء الأسطول ، لم يحظ بقبول الخليفة خوفا من قلة تجربة الفاتحين بهذا النوع من وسائل الكفاح ،  الذي لم يألفوه قط في حياتهم الجهادية . و لم يرد أن يغامر بمشروع الأمة الإسلامية الطموح بخوض الجهاد عبر البحر. لكنه أمر "معاوية بن أبي سفيان" بتشييد الحصون الدفاعية ، و تزويدها بالقلاع و أبراج المراقبة . و تشجيع العرب على الإقامة في هذه المناطق ، و رفع حصص تريبهم على مواجهة العدو المفاجئة ، و مواصلة الفتح في شمال أفريقيا . إمتثل الفاتحون بقيادة "سفيان بن المجيب الأزدي" لهذه الأوامر ، ففتحوا مدينة "طرابلس" بعد هروب جند الروم منها بواسطة المراكب البحرية . 

أدرك البيزنطيون ضعف القدرة الدفاعية البحرية للمسلمين،  بعدم إمتلاكهم أسطول بحري يحصن سواحلهم من الإعتداءات الخارجية . هذا الخلل في قوة الفاتحين المسلمين  العسكرية ، دفع قادتهم إلى الإعتماد على أن تكون الحرب على المسلمين بمضاعفة الهجمات على مدنهم الساحلية في مصر و الشام . و من الطبيعي أن تتكرر التحرشات البيزنطية البحرية على سواحل الدولة الإسلامية ، بهدف بث الإضطرابات ، و القلاقل في المجتمع الإسلامي الناشئ . أمام هذه الوضعية المقلقة ، بادر أمير مصر "معاوية بن أبي سفيان"  بإنشاء أول أسطول بحري يحمل راية الجهاد لإعلاء كلمة الله في الدول البحرية المحتلة . كان يهدف من وراء تأسيسه ، أن يصد الإعتداءات ، و أن يجعل من جزر البحر المتوسط قواعد عسكرية أمامية ، و موانئ لرسو قطع الأسطول الجديد . كان سعي أمير مصر جادا و ملحا في أخذ موافقة خليفة المسلمين . تمكن بإذنه من إنشائه سنة 647 ميلادية . 


جزيرة قبرص في قبضة الأسطول الإسلامي 


كانت مدينة "عكا" الفلسطينية هي المركز الهام الذي إختاره "معاوية" لصهع سفن الأسطول ،و تجهيزه للمسلمين الذين سيأخذون على عاتقهم تحرير عدد من جزر البحر المتوسط . تهيأ الجيش الإسلامي لتحرير "قبرص" سنة 647 ميلادية. و كان برفقة الجيش  بعض الصحابة أمثال : "أبي ذر الغفاري شداد بن أوس أبي الدرداء عبادة بن الصامت" . خرج الأسطول من مصر بقيادة "عبد الله بن سعد بن أبي سرح" . لما وصل الأسطول إلى جزيرة "قبرص" دخل الجيش دون قتال .و نال الصلح من أهلها . و به تمكن الفاتحون المسلمين  من إبعاد خطر البيزنطيين عن الحدود الساحلية للشام . لكن في سنة 652 ميلادية . و بعد نقض إتفاق الصلح عاد الأسطول الإسلامي إلى الجزيرة سنة 653 ميلادية ، ليرغم أهلها على الصلح ، و عدم مساعدة البيزنطيين . 

و لكي يستتب الوضع في هذه الجزيرة نهائيا ، بعث "معاوية" حامية عسكرية للتمركز فيها ، قصد صد أي إعتداء من قبل البيزنطيين . لقد شيد لهم مدينة ، و مسجدا لتأدية الفرائض الإسلامية . تواصلت بعد ذلك الفتوحات الإسلامية لتحرير كافة جزر البحر المتوسط من الناحية الشرقية ، بقيادة "جنادة بن أبي أمية الأزدي" .


معركة ذات الصواري Masts of ships 


حقق الأسطول الإسلامي عدة إنتصارات على الجيش البيزنطي ، و حرر الكثير من مناطق البحر المتوسط . قرر ملك الروم "قسطنطين الثاني" إسترجاع سيادته عليها بمهاجمة الأسطول العربي مرة ثانية . فلما تناهت هذه الأخبار إلى مسامع الخليفة "عثمان بن عفان" أمر "معاوية"  أمير الشام و "عبد الله بن سعد" أمير مصر على بالإستعداد لملقاة جيش بيزنطة . إجتمعت جيوش الأسطول كلها في مدينة عكا Acre بفلسطين بقيادة "عبد الله بن سعد" سنة 653 ميلادية ، و دارت معارك ضارية بينهما . سميت بمعركة الصواري . إنتصر المسلمون على خصمهم ، و جرح ملكهم في هذه المعركة ، و تمكن من الفرار إلى جزيرة "صقلية" أين قتل فيها . 


إهتمام الفاتحين بجزيرة صقلية و رودس 


بعد دحر البيزنطيين من قبل الفاتحين المسلمين ، لجأت أساطيلهم إلى جزيرة "صقلية" و أسسوا فيها قواعد بحرية ، و أخبروا أهلها بأن العرب يريدون مهاجمتهم . لما علم أمير الشام بذلك ، أعد جيشا بحريا قوامه ثلاثمائة مركبا بقيادة "معاوية بن حديج الكندي".  فتحت هذه الجزيرة سنة 653 ميلادية ، بعد أن فشلت المفاوضات بين الملك و الفاتحين حول شروط الصلح . إستعان ملك "صقلية" بملك الروم ، و طلب منه الدعم ، فأمده بستمائة سفينة . و أمام هذا الدعم الهائل إنسحب الفاتحون إلى الشام مؤقتا ، و أطلع معاوية بن حديج الخليفة بذلك .

إن إهتمام "معاوية" بهذه الجزر كان كبيرا . رأى أن جزيرة "رودس" تمنح للمسلمين القدرة على تأمين الحدود الشمالية، و تتبع تحركات الروم في البحر المتوسط . تعتبر "رودس" أهم جزر بحر "إيجي" من حيث النشاط التجاري ، و صناعة السفن . وافق "عثمان بن عفان" على تحريرها ، فخرج "معاوية" بنفسه يقود الأسطول لملقاة البيزنطيين . دارت معارك شرسة بين الجيشين ، و كان الإنتصار للمسلمين . عاد العرب و إستقروا فيها في عهد الخليفة معاوية ، و شيدوا فيها مسجدا ، و مدينة ، و مارسوا الزراعة  تمركزت فيها وحدات من الأسطول البحري للفاتحين .


وجهة الفاتحين نحو شمال أفريقيا 


بدأ إهتمام الخليفة "عثمان بن عفان" بفتح شمال أفريقيا سنة 645 ميلادية لتأمين حدود البلاد من الناحية الغربية . أمر الأمير "عمرو بن العاص" بتدبير أمر فتحها . لقد قام بتعيين القائد "عبد الله بن سعد بن أبي سرح" ليتولى فتحها . بعد مدة عيّن الخليفة "عبد الله بن سعد" أميرا على مصر بدلا من "عمرو" . و تم فتحها على يد القائد الجديد "الحارث بن الحكم بن العاص" فتح  "ليبيا" و إسترجاع "طرابلس" و "سبيطلة" و "قفصة" بفضل الكثير من المقاتلين من الحجاز، و أبناء الصحابة ،و بفضل كذلك الحامية العسكرية العربية بقيادة "عقبة بن نافع الفهري"، التي دعمت

جيش الفاتحون المسلمين .الذي إرتفع عددهم إلى عشرين ألف مقاتل . كانت المعارك طاحنة بين الجيشين ، و لم تنته إلى غاية مجيء "عبد الله بن الزبير بن العوام" لحسم المعركة . و كان النصر حليف المسلمين .عيّن "عبد الله بن سعد بن أبي سرح" القائد "عبد الله بن نافع بن عبد القيسي الفهري" عاملا عليها .  بهذه الإنتصارات دان المغرب كله إلى الإمبراطورية الإسلامية .  



مصادر البحث : 

  1. الدكتور محمد شاكر .كتاب الفتوحات الإسلامية .
  2. محمد السعيد رمضان البوطي . فقه السيرة .
  3. الكاتب دوني جونيكان . مجيء الإسلام و فتح بلاد الشام .

google-playkhamsatmostaqltradent