recent
أخبار ساخنة

الفتح الإسلامي في عهد عثمان بن عفان




الفتح الإسلامي في عهد عثمان بن عفان




 مجيء عثمان بن عفان إلى خلافة المسلمين :


بايعت الأمة الإسلامية الصحابي "عثمان بن عفان" خليفة عليها سنة 644 ميلادية . جاء هذا الخليفة العظيم بعد وفاة "عمر بن الخطاب". و هو ثالث خليفة من الخلفاء الراشدين . باشر إنشغالات الأمة الإسلامية ، و هو في السبعين من عمره . لم يعجزه كبر سنه عن مواصلة سياسة الفتوحات التي إنتهجها الصديق و عمر. لقد إمتطى سدة الخلافة ، و وحدة الأمة الإسلامية قد إكتملت ، و تعايشت فيها كل الأعراق و الأجناس بصفة عامة . صارت الخلافة في عهده تشكل قوة سياسية ، و عسكرية يحسب لها حسابها في ذلك الوقت. إعتبر الخليفة أن العقيدة الإسلامية هي الأرضية العتيدة التي أنجز عليها الخلفاء كل مشاريعهم السياسية و العسكرية . و أن القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة ، هما المرجعان لحكم الدولة الإسلامية . إستلهم منها الخلفاء منهاج هذه الأمة . لم يشتط عنها "عثمان بن عثمان" خلال مسيرة حكمه . بل إندفع بقوة بعد مبايعته إلى إتمام بناء الدولة الإسلامية من الداخل بتوفير: الأمن و الإستقرار ، و السماح بحرية الإعتقاد لشعوبها غير المسلمة . كما سعى إلى تأمين حدود الدولة من الخارج ، لتشمل جزء معتبرا من آسيا الوسطى . 

  

الفتوحات الإسلامية صوب آسيا الوسطى :


إن الخليفة "عثمان بن عفان" شخصية فذة في التاريخ الأمة الإسلامية . تميز بالحصافة و سداد الرأي ، و الميل للعمل بالمشورة  و النصح . و لا يعوّل على شيء يفيد الأمة الإسلامية و عقيدتها ، إلا بعد توفر القناعة العامة و رضا الجميع. كانت همومه على مصير الدولة الإسلامية ، و تأمين حدودها الشمالية ،تتعاظم أثناء خلافته . و كانت دائرة إنشغالاته بالإسلام ، تتسع يوما بعد يوم . لكن نزوله عند رأي الجماعة في ظروف الفتح ، و إرادته الصلبة و بصيرته الحادة في إختيار القادة ، و التخطيط للحرب ، و توزيع الجيش على جبهات المعارك ، جعلته لا يأبه بالعواقب . بل راح يتطلع إلى إظهار كلمة الحق ، و العدل في أقاليم نائية جدا عن الحجاز ، و في شعوب غريبة عن العرب .                               تعلقت المسألة عنده إذن ، بتحرير أقاليم آسيا الوسطى . رغم بُعد المسافة ، و تباين تضاريس المناطق الآسوية عن طبيعة البلاد العربية الصحراوية ، و إختلاف ألسنة الآسيويين عن اللسان العربي الفصيح .


الفتوحات الإسلامية تجتاح بلاد فارس:


إقتنعت الأمة الفارسية بدنو سقوط النظام الملكي في بلادها بصفة نهائية ،  بعد ضعف ملوكها . خاصة الملك "يزدجرد الثالث" .و بقيت تنتظر ماذا سيفعل المسلمون بأراضيها . تجنّد الجيش الإسلامي بعزيمة قوية ، و معنويات مرتفعة إلى إنهاء مسألة بعض الثورات المنتشرة هنا و هناك في هذا البلد.  في هذا المضمار ، قام القائد "المغيرة بن شعبة الثقفي" بتكليف من الخليفة بتحرير مدينة "همذان".  و لما تمت عملية الفتح جعل ، جرير بن عبد الله الجبلي" عاملا عليها . ثم واصل الجيش المعركة ، فحرر "قزوين و نهاوند و الأبهر و دليم و الجيلان و البير و طلسان و زنجال و سابور" على يد البراء بن عازب .

و من الملاحظ ، أن تحرير هذه المناطق ، و غيرها بصفة نهائية ، جاء بعد مقاتلة كل العُوصاة ، و المتمردين فيها .       و نستطيع القول ، أن جهود الفتح في فارس في المرحلة الأخيرة ، كانت تبذل من أجعل إسترجاع المناطق التي نقضت عهد الصلح . و خرجت عن طاعة الدولة الإسلامية و تمردت على جيشها .

كانت من بين المدن الفارسية الهامة . الناقضة لمعاهدة المصالحة ، هي "إصطخر" و تحررت بعد حصار طويل ، تمكن الفاتحون خلاله مدته بقيادة "عبد الله بن عامر" من إقتحامها بجيش قُدر بأربعين ألف مقاتل سنة 646 ميلادية .على إثر هذا النجاح ، أمر الخليفة "عثمان بن عفان" هذا القائد العربي الشهم بتنظيم الإدارة في كل الأقاليم المحررة . و مواصلة تحرير "دار بجرد و حلوان و إصفهان" . هذه بالتقريب مجمل مساعي الفاتحين لبسط نفوذ الدولة الإسلامية خلال الإمبراطورية الفارسية ، و نشر الإسلام فيها . إن مسيرة الكفاح لا زالت طويلة و شاقة ، أمام الفاتحين المسلمين الذين عزفوا عن العيش في حياة خالية من المجد ، و العزة و السؤدد .


الغاية من تحرير إقليم كرمان :


عيّن "عبد الله بن عامر" لإسترجاع إقليم "كرمان" ،  الذي يقع في الجنوب الشرقي من بلاد فارس ، قائده "مشاجع بن مسعود السلمي" . و كان قائدا بارعا في الفروسية ، و النزال فإستعاد عدة مناطق من الإقليم ، بعد محاصرتها و مقاتلة محاربيها بشدة . منها على سبيل المثال : "شيرجان" "جيرفت" ثم قصد "كرمان" مركز الإقليم الهام . صارت قدرة الجيش الإسلامي العسكرية لا نظير لها في ذلك الوقت . لا تضاهيها أية قوة نظرا لإكتسابها خبرة ، و مهارة  في الإعداد و تسيير الحرب . كان الطابع العام لمعارك المسلمين على العدو ، تتمثل في نصب الكمائن ، و ضرب الحصار على الحصون ، و منازلة جند العدو في ساحة المعارك . بهذه الكفاءة و الإقتدار حرر القائد "مشاجع" مدينة "هرموز" الفارسية .

نظم القائد "مشاجع" الإدارة ، و إستقر العرب فيها و إمتهنوا الزراعة ، و الحرف إلى جانب أهل الفرس بتحرير إقليم "كرمان" سهل "مشاجع" على جيشه التحرك من خلال الإقليم للوصول إلى أهم المدن الإيرانية مثل : "سجستان" "خراسان" و غيرها . و أن تصل الإمدات اللازمة من خيول و محاربين دون مشقة ، و لا مباغتة من قبل الععدو .


أهمية إقليم سجستان


عيّن "عثمان بن عفان" القائد "عبد الله بن عمير الليثي" عاملا على سجستان ، بعد أن أعاد أهليها للرضوخ إلى الصلح ، و العيش في أجواء الدولة الإسلامية . ثم كلّفه بمهمة المضيّ في الجهاد لتحرير المناطق المتبقية . و تمّ ذلك بالفعل . ففتح عددا هاما من مدن فارس . في سنة 650 ميلادية تمكن "ربيع بن زياد الحارثي" من إجتياز الصحراء الكبرى إلى غاية "زالق" الذي خاض فيه معركة فاصلة مع أهله . و لم يغادره إلا بعد أن قدم دهقان القرية الصلح مقابل الأمان ، و دفع الجزية . ثم واصل مسيرته الجهادية ففتح عددا من المناطق مثل : "كركوبة" "روست" التي قاوم أهلها الجيش الإسلامي بشدة . لكنها سقطت بعد أن خلفت عددا كبيرا من القتلة . لم يكتف هذا القائد الجسور فحرر "ناشرود" و "شرواذ" .       و ضرب حصارا على  "زرنج" و "سنادوز" . و بهذا الإنجاز دانت "سجستان" كلها له ، و صار عاملا عليها مدة سنتين ، ثم غادرها و عين بالبصرة . 

من المعروف في تاريخ هذا الإقليم ، أن أهل "سجستان" تمردوا على عامل الدولة الإسلامية .، و ثاروا عليه . فأعيد تحريرها  ثانية من قبل القائد "عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب" ، بعد إبرام التعهد بالصلح ، و دفع الجزية بصفة نهائية . أخذ "عبد الرحمن" مقاليد تسيير إدارة هذه الإقليم ، وفق السياسة الإسلامية سنة 653 ميلادية . إن "سجستان" بالنسبة للإمبراطورية الإسلامية ، هي من أهم المناطق التي تحمي حدودها من الشرق ، و الشمال الشرقي . تقع "سجستان" و تسمى كذلك "سيستان" في القسم الشرقي من إيران ، و القسم الجنوبي من أفغانستان .



تحرير إقليم خُراسان :


إن منطقة خُراسان تمّ فتحها في "عهد عمر بن الخطاب" سنة 649 ميلادية . و هي إقليم واسع يقع في الجزء الشمالي من إيران الحالية ، و جنوب "تركمانستان" ، و شمال "أفغانستان" . صارت هذه المناطق تابعة للدولة الإسلامية في عهد الخليفة "عثمان بن عفان" . تولى عليها "عُمير بن عثمان بن سعد" . و نظرا لأهمية خُراسان المحصنة ، أوى إليها الملك "يزدجرد الثالث" ،  و أشراف الفرس ، و ساسة الدولة . تناهى الخبر إلى مسامع الخليفة فأمر "عبد الله بن عامر، أن يتوجه بجيشه إلى هذا الإقليم على جناح السرعة . فعبر القائد الصحراء ، و إقليم كرمان ، ليتلقى المدد في "سجستان" .    و تمكن من محاصرة "نيسابور" مدة طويلة جدا إلى غاية مطالبة أهلها الصلح ، و دفع الجزية سنة 651 ميلادية .     

نظم "عبد الله بن عامر" الإدارة و ولى عليها "قيس بن الهيثم المسلمي" ثم واصل السبيل إلى تحرير باقي المدن و قرى "نيسابور" . و لما دانت له كل مدن "نيسابور"  توجه مع مجموعة من قادة العرب ، لإستكمال مناطق هذا الإقليم المحاذية "لخُراسان" . شرع في تحرير "مرو" "رستاق" و "بخرز" و غيرها . و بأمر منه قام قائده "عبد الله بن حازم السلمي" بتحرير المناطق الواقعة في أقصى الشمال الغربي من "خراسان" منها "حمرانذر" و "سرخس".  بهذه الكيفية تم القضاء على النظام الملكي في سائر مناطق "خراسان" الفارسية .

إن ذكرنا لهذه المناطق الكثيرة التي دارت فيها المعارك ، و المحاصرات الطويلة على حصونها بغية ضمّها إلى الإمبراطورية الإسلامية . خاصة إقليم "كرمان" و "خراسان" و "نيسابور" ، إلا من أجل أن ندرك مدى صمود الفاتحين على تحقيق النصر ، و إعلاء كلمة الحق و العدل فيها .


سقوط إقليم طبرستان و طخارستان


لقد إستحكمت في هذه البلاد نقض عاهدات الصلح ، و التمرد على طاعة الدولة الإسلامية . و كان على الفاتحين بذل المزيد من الكفاح و الصبر عليه ، لإرغامهم على الرجوع ، و الإمتثال لما تعاهدوا عليه . إقليم "طبرستان" لم يشذ عن هذا التصرف ، بل نقض أهله على ما تعاهدوا عليه مع الفاتحين . كان الخليفة على علم بذلك فأرسل "سعد بن العاص" سنة 650 ميلادية قائدا على جيش كبير لتحرير "طبرسان" . يقع إقليم "طبرستان" في أقصى شمال "إيران" و جنوب بحر "القزوين" و جنوب غرب "تركمانستان" . تمكن "سعد بن العاص" من إسترجاعه ، و فرض الجزية على سكانه مقابل الأمن و الأمان . بالإضافة إلى ذلك حرر الفاتحون كل من "طيمسة" و "رويان" و "الديلم" و "ديناوند" . 

أما فتح إقليم "طخارسان" فكان على القائد "الأحنف بن قيس" سنة 652 ميلادية . هذا القائد الذي عيّنه "عبد بن عامر". ضرب حصارا محكما على المنطقة ، فكان على أهلها إلا الإنصياع للصلح  مقابل الأمن و الأمان ، و دفع الجزية . لقد كان تصرفهم ظاهريا ، حيث نقضوا العهد و جمعوا ثلاثين ألف مقاتل من جيرانهم المحاذين لنهر "جيحون"،  فواجههم "الأحنف بن قيس" بخمسة آلاف جندي . و دارت المعركة بينهم ، و كان النصر للمسلمين . تقع "طخارستان" شمال "سجستان" ، و غرب نهر "جيحون" ، و هي تابعة لإقليم "خُراسان" يقطنها على الأغلب الجنس التركي .


مصادر البحث :

  1. محمد سعيد رمضان البوطي : كتاب فقه السيرة النبوية .
  2. محمد شاكر : الفتوحات الإسلامية .
  3. محمد حسني هيكل : كتاب عثمان بن عفان .



google-playkhamsatmostaqltradent