recent
أخبار ساخنة

الدولة الجزائرية قوة إقليمية



الدولة الجزائرية قوة إقليمية




 مفهوم القوة الإقليمية 


كل دولة تتمتع بقوة إقليمية ، هي تلك التي تملك قدرة النفوذ ، و الهيمنة على مجموعة بلدان في منطقة جغرافية معينة .       و يظهر ذلك النفوذ من خلال علاقاتها القوية بهم . و يُفسر الدور الإقليمي لهذه الدولة في معظم الحالات ، بمدى متانة علاقاتها معهم في المجالات الحساسة . منها : الإقتصادية ، الدبلوماسية ، العسكرية و الأمنية . في المرحلة الحالية التي يمر بها العالم ، برزت عدة دول بهذا الحجم مثل : "الجزائر" "جنوب افريقيا" ، "مصر" "إيران الهند" "البرازيل" ، و غيرهم كثير. و ينبغي أن نعرف هنا جيدا ، أن هذا التأثير لا يتعدى حدود الإقليم الذي  تقع فيه هذه الدولة ، أو تلك. بيد أن الدور الإقليمي لهذه الدولة سيدفعها لمواجهة قوى إقليمية أخرى ، منافسةً لها على التغلغل في المجموعة الإقليمية . في هذا السياق يمكن أن نوضح أن الكفاءات ، و الإرادة السياسية هي من بين المميزات التي يجب أن تكون متجذرة في بعض رجالات هذه الدولة ، كي تصل و تستمر فعلا في قيادة بلدان الإقليم  و السعي لحمايتها .



رغبة الجزائر في القيام بالدور الإقليمي 


لقد أطلت في الآونة الأخيرة دولة من مجموعة البلدان النامية على الواجهة الدولية ، كقوة دولية فعالة . لقد ظهرت في عالم بات مشحونا بالصراعات السياسية ، و الإقتصادية ، و العسكرية بدافع المنافسة على النفوذ إلى أعماق المجموعات    الإقليمية . إنها الدولة الجزائرية . دولة حديثة الإستقلال ، أرهقتها تداعيات الحرب على الإرهاب . و أنهكتها كذلك آثار الفساد التي نخرت أجزاء هامة من هياكل السلطة و مؤسسات المال ، بالإضافة إلى التدخل الأجنبي في شؤونها . لقد وجدت نفسها بعد الحراك الشعبي ، وحيدة متعبة أمام تحديات عظيمة من الداخل و من الخارج . و كان تحمل مسؤولية قيادة الجزائر نحو الريادة الإقليمية ، شبه مستحيل ، نظرا للإرث الثقيل الذي تركه الإرهاب المسلح ، و أصحاب المال الفاسد ، و وباء كوفيد 19 في المجتمع . بيد أن الشجاعة السياسية ، و الحنكة الدبلوماسية ، و الخبرة بخبايا الإقتصاد ، و الإلتزام بالقيم الأصيلة  و نكران الذات و التفاني في خدمة الوطن ، جعلت من أبنائها رجالات دولة نافذة بكل إستحقاق . لقد أنقذوا الجزائر من مرحلة الإنعاش ، إلى مرحلة الزعامة الإقليمية .



نجاح الجزائر في مواجهة تراكمات الماضي


كانت مخلفات المأساة الوطنية ، و ملفات الفساد هي العوائع التي كبلت الإرادة الحرة ، و مساعي الحميدة لإخراج الدولة الجزائرية من مرحلة الإرتجاج المميت ،إلى اليقظة الحقيقية . و هذا قصد مواكبة التحولات العالمية الكبرى ، و التموقع في المكان الدولي اللائق الذي تستحقه . و يجب أن نذكر غيرنا بحجم المعضلات التي جابهتها هذه الدولة ، كي تستعيد عافيتها ، و بالتالي تجسيد طموحات شعبها على أرض الواقع المحلي ، و الإقليمي .

بعد الإنتخابات الرئاسية سنة 2019 ميلادية ، و التشريعية سنة 2021 ميلادية ، حازت سلطات الدولة الجزائرية الجديدة على الشرعية الشعبية في تسيير شؤون البلاد المختلفة . و خلال سنتين من الأداء السياسي،  تمّ إلى أبعد حد تصفية عدة ملفات متراكمة ، كانت تنتظر الحل الفوري . إن الأداء السياسي للسلطة الجديدة ، كان يسير وفق برنامج الإصلاحات المسطرة من قبل رئاسة الجمهورية بطريقة إلزامية و دقيقة .



الإصلاحات الجزائرية بعد الإنتخابات 2019 ميلادية


تمثلت معركة الإصلاح الحقيقية على المستوى الداخلي في : تحريك عجلة الإقتصاد الوطني  بتفعيل المشاريع المعطلة.  دعم المؤسسات الإنتاجية ، و تشجيع الإستثمار الأجنبي . إقاف نزيف الخزينة الوطنية من العملة الصعبة ، نتيجة النهب و التبذير ، و تهريب الأموال . تنمية إحتياطي الصرف ، و إنعاش العملة الوطنية . فصل السياسة عن المال الفاسد . منع التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلاد . فرض السيادة و الندية في التعامل مع الشركاء الأجانب . القضاء التدريجي على البيروقراطية ، و أساليب العمل التقليدية . فرض الرقمنة و الطرق الحديثة في تسيير المؤسسات العامة . إدماج نسبة كبيرة من فئة الشباب في عالم الشغل . رفع الأجور و المعاشات قصد تحسين القدرة الشرائية لفئات المجتمع . أما على المستوى الخارجي ، فكان على السلطة الجزائرية أن تلعب الدور الدبلوماسي الحاسم في حل مشكلة ليبيا . المساهمة في نشر السلم في مالي و النيجر . محاربة الجماعات الإرهابية  الممولة من قبل الدول المعادية للجزائر التي ظلت تشكل تهديدا حقيقيا على حدود البلاد .

هذه هي القضايا الشائكة التي تفوقت فيها السلطات الجزائرية الحالية بمهارة ، و كفاءة عالية بإعتراف الدول الأجنبية . غير أن المسألة بالنسبة إليها ، و كذا الشعب الجزائري برمته ، لا تقف عند هذا الحد . بل أن طموحهم يتجاوز حدود الوطن إلى السعي لإمتلاك الصدارة في خوض غمار سياسة النفوذ الإقليمية على مستوى أفيريقيا ، و الأقطار العربية .  و من هنا ، يجب أن نلف الإنتباه إلى ضرورة معرفة ، أن الدولة الجزائرية تمتلك كل الإمكانيات للعب هذا الدور الخطير على مستوى الإقليم الأفريقي و العربي.


قدرات الجزائر لإمتلاك الدور الإقليمي النافذ 


أن القدرات التي تمتلكها الدولة الجزائرية ، و التي تضعها في مستوى الآمال و الطموح ، كثيرة جدا منها الطبيعية ،      و منها المكتسبة عبر الأزمنة الغابرة . و هي كثيرة :


                                                                                                                                              الموقع الإستريجي للجزائر 


تتميز الجزائر بموقع إستراتيجي هام ، فإنها بفضله تتوسط دول شمال أفريقيا . و هي بوابة الأفارقة نحو القارة  الأوروبية . لها حود مع ست دول أفريقية ، و عربية و هي : "المغرب" "موريتانيا" "مالي" "النيجر" "ليبيا" "تونس" بالإضافة إلى إقليم الصحراء الغربية المحتل . تطل الجزائر على البحر المتوسط بساحل يقدر 1200 كم . و تبلغ مساحتها 2382000 كم مربع . يشكل الموقع بحدوده المترامية ، إمكانية النقل ، و التجارة البرية و البحرية مع معظم الدول الأفريقية ، و الأوروبية ، و العربية . كما يمنح لها قدرة المراقبة العسكرية ، قصد تثبيت الأمن و الإستقرار في جزء هام من الإقليم الأفريقي . وذلك عن طريق التصدي للجماعات الإرهابية ، و الجريمة المنظمة العابرة للحدود ، و الهجرات غير الشريعية المتجهة من جنوب الصحراء الكبرى نحو أوروبا ، عبر بلدان شمال أفريقيا . هذه هي إحدى المقومات التي تساعد البلاد على التبوء الدور الإقليمي في المنطقة.



الموارد المعدنية و الطاقوية 


لا شك أن الموارد الطبيعية إذا توفرت في بلد ما بالقدر المطلوب ، ستمنح لها في ظرفنا المعصر عدة فرص ، قد لا تتوفر لغيرها . و تصبح محل إهتمام الكثير من بلدان العالم . و تحظى بعلاقات إقتصادية فاعلة على المستوى الإقليمي ، و العالمي . من هذا المنظور ، تزخر أراضي الجزائر الساحلية ، و الصحراوية بإحتياطات هائلة من الثروات المائية ،  و الزراعية و المعدنية و الطاقوية . من هذه الموارد :



الثروة المعدنية 


يساوي إنتاج الحديد السنوي 2.4 مليون طن ، و إحتياطه 2.5 مليار طن . أما تصديره فقد بلغت قيمته 144 مليون دولار سنة 2019 ميلادية . تحتل الجزائر المرتبة العاشرة في إنتاج الفوسفات ، و الخامسة على مستوى العالمي في التصدير. بلغ إحتياطه 2.2 مليار طن . تقع مناجم الفوسفات في الشرق الجزائري . تتولى إستثماره  شركة صينية .إلى جانب ذلك توجد معادن ثمينة في الجنوب الجزائري مثل : الذهب و الماس في "الهقار" . تقوم بإستثماره شركة  كندية ، و أسترالية و صينية .كما توجد معادن أخرى مثل : الرصاص و الزنك و الزئبق و الألمنيوم و الأورانيوم و النحاس و الرخام و الكوبالت و النيكل و غير ذلك .

تساهم الثروة المعدنية إلى أبعد حد في تعزيز القدرة الإقتصادية . و تعطي زخما قويا للصناعة التعدينية الجزائرية .    كما تجلب الإستثمار الأجنبي في إطار الشراكة . و تفتح مجال التصدير واسعا إلى دول العالم ، و أفريقيا بالخصوص . إن هذه الموارد المعدنية هي  دفعٌ آخر في ترسيخ مكانة الجزائر الإقتصادية في المنطقة العربية و الأفريقية .  



الثروة الطاقوية 


للجزائر إحتياطات هائلة من النفط ، و الغاز الطبيعي في الصحراء الجزائرية . أكشف النفط في "حاسي مسعود" سنة 1956 ميلادية . يقدر إحتياطه 300 مليون طن . يعد المصدر الأول للعملة الصعبة بنسبة 74 % . يقدر إحتياطي الغاز الطبيعي 159.05 تريليون متر مكعب سنة 2020 ميلادية . يتواجد الغاز الطبيعي في "حاسي الرمل" . بلغ الإنتاج 7.86 مليار متر مكعب في نفس السنة . بالإضافة إلى ذلك تعتبر الصحراء الجزائرية ، خزان الطاقة الشمسية بقدرة تؤهلها إلى المرتبة الأولى في العالم . تهتم الجزائر الآن بإنجاز مشروع ضخم لإستغلال الطاقة النظيفة مع عدة مؤسسات وطنية ، و أجنبية  و كندية . سوف يوفر لها هذا المشروع في المستقبل 1000 ميغاواط سنويا ، و حوالي 15000 في حدود 2035 ميلادية . تملك الجزائر أيضا محطة لإنتاج الطاقة الهجينة في "حاسي الرمل" الأولى من نوعها في العالم . 

تعتبر مصادر الطاقة المتنوعة بمثابة  الشرايين التي تبعث الحيوية في القطاع الصناعي ، و في تنشيط كافة المرافق الإجتماعية داخل الجزائر . و تنال بها حصة الأسد في التسويق الطاقوي الدولي ، و جلب العملة الصعبة ، و فتح مناصب الشغل. لقد أدركت هذه الدولة مؤخرا ، أن مستقبل الطاقة التي هي عماد الحضارة الصناعية في العالم ، بات يتجه نحو الطاقة النظيفة . و هذا ما يجعلها بمنأى عن التدخلات ، و المساومات الأجنبية . و يمكنها من تحقيق طموحها في الحضور بقوة في المنظمات الطاقوية الإقليمية على الأخص .



الصناعة الحديثة في الجزائر 


من أبرز القطاعات الإقتصادية في الجزائر ، الصناعة . و أن تقدمها و تنوعها منتجاتها وفق الطلب الخارجي ، يجعل منها البلد الذي يحظى بحصة معتبرة في العلاقات الإقتصاد ية الدولية ، و الإقليمية . و تستقطب إهتمام الدول إليها ،هذا الإهتمام الذي سيزودها بفرص التبادل التجاري ، و الإستثمار خارج المنطقة . بالإضافة كون الصناعة هي مصدر العملة الصعبة . لذا أدركت الجزائر أن الصناعة لا تقل أهمية عن سائر القطاعات الإقتصادية الأخرى ، فخصصت رؤوس أموال ضخمة لإنجازها . من أهم أنواعها : الصناعة الكيماوية و البتروكيماوية في "سكيكدة" و "أرزيو" و "حاسي مسعود" و "حاسي الرمل" . صناعة الحديد و الصلب في "عنابة" . الصناعة الميكانيكية في "الرويبة" و "قسنطينية" . بالإضافة إلى صناعات أخرى لا يتسع المقام لذكرها. هذه الإنجازات مفخرة الجزائر في قارة أفريقيا .


إقرأ المزيد .

مصادر البحث : 

  1. محمد بن عمار . وحدة ابحاث الطاقة .
  2. جريدة الشروق الجزائرية : تقرير 30 / 04 / 2022 .
  3. الدولة الرائدة في إنتاج الغاز المسال . تقرير أحمد عمار . 10 / 09 / 2021 .
  4. جريدة أخبار الوطن الجزائرية . تقرير عمار قردود. 24 / 07 / 2020 . 

google-playkhamsatmostaqltradent