recent
أخبار ساخنة

دور الجزائر العسكري على المستوى الإفريقي



دور الجزائر العسكري على المستوى الإفريقي




 


أهمية القدرات العسكرية الجزائرية 


تعتبر الجزائر القوى الإقليمية النافذة ، و الفاعلة في أفريقيا ، و المنطقة العربية على السواء . حيث تشتمل على كل مكونات الإقتدار العسكري المتاح في أيامنا من : عتاد تقني متقدم ، و معدات عسكرية برية ، و أساطيل بحرية و جوية عصرية . و تمتلك رصيدا من التجارب القتالية الحديثة ، و جاهزية متأبة للدفاع في كل حين ، نتيجة تمرس جيشها على المناورات العسكرية المتعددة ، و قدرة التكيف على التكنولوجية العسكرية الحديثة .

يأتي جيشها في المراتب المتقدمة ضمن التصنيف الدولي : على المستوى الأفريقي ، و الشرق الأوسطي ، و العالمي .         و صارت خبراته المتراكمة عبر العقود الماضية ، محل تقدير و إهتمام من قبل الدول العظمى ، في مجال حرب العصابات قديما ، و مكافحة الإرهاب و الجريمة المنظمة حديثا . شكلت هذه الخبرة العسكرية لدى الجيش الجزائري ، رصيدا معرفيا يدرس بإهتمام في المعاهد العسكرية الأجنبية .

لقد إندفعت الجزائر الآن بإرادة قوية إلى تطوير قدراتها الدفاعية ، و ترقية أداء جيشها عن طريق تحديث ترسانتها العسكرية. هذه الترسانة  المتمثلة في السلاح البحري ، و الجوي و العتاد العسكري البري ، تحتاج إلى ترقية و تجديد و دعم لكي تكون في مستوى مواجهة التهديدات المستمرة على حدودها الطويلة الساحلية و البرية. و جاءت هذه الرغبة كذلك لتحقيق طموحها في الوصول إلى القوة النافذة في الإقليم الأفريقي . و التكيف مع التحولات الدولية الحديثة التي تمخضت عنها ميلاد تكتلات دولية ، و تحالفات إقليمية تتنافس على الهيمنة،  و التحكم في مقاليد العالم .


سياسة الجزائر في تحديث الترسانة العسكرية


في بداية المشوار السياسي ، و في ميدان الشراكة العسكرية ، تتطلع هذه الدولة إلى توثيق العلاقات بشكل أقوى مع روسيا ،و الصين . الحالفتان التقليديتان بالدرجة الأولى ، ثم ألمانيا ، لما لهذه الدول من أفضلية عند القادة العسكريين الجزائريين . فوصلت نسبة واردات الجزائر من الأسلحة من روسيا إلى 67 %  . و الصين 13 % .  و المانيا 11 % . في هذا الإطار إشترت الجزائر من الصين ست طرادات ثقيلة ، و ثلاث فرقاطات ، و 926 مركبة نقل الجيش ، و 42 مروحية هجومية ، و غواصتين و سفينة حربية بحرية "الفاتح" مزودة بأحدث التكنولوجيا العسكرية العالية ، و القادرة على العمل و التدخل على نطاق واسع لأداء مهام متعددة سنة 2022 ميلادية. كما حصلت من الدولة الروسية على أربع عشر مقاتلة قاذفة من نوع "سوخوي" 34 و على صواريخ إس 400 و صواريخ "إسكندر". بالإضافة إلى دبابات و مدافع مضادة للطائرات ، و غواصات عصرية " الثقب الأسود" قادرة على إصابة الهدف من أعماق البحر.. 

بعد هذه الشراكة التقليدية ، تتجه سياسة الجزائر إلى تطوير صناعات عسكرية محلية ، للتقليل من تكاليف          الإستيراد 30 % على المستوى العالمي . و المساهمة في النمو الإقتصادي على غرار "تركيا" و "جنوب أفريقيا" و "نيجيريا" و "مصر" . و من إنجازات هذه السياسة صناعة المدرعات ،و المركبات العسكرية ،و السيارات ذات الدفع الرباعي بالشراكة مع المانيا . و من نشاطات التصنيع أيضا ، إنجاز سفن الإنزال ، و الطائرات الخفيفة للتدريب العسكري ، و مروحيات عسكرية للنقل و المراقبة بالشراكة مع إيطاليا . و طائرات الإستطلاع المسيرة و المقاتلة جزائرية بالكامل .

إن الدولة الجزائرية تريد بسياستها هذه ، أن تتحرر تدريجيا من الإستيراد ، و من التبعية للخارج . و أكثر من هذا تريد أن تصبح مصدرا أساسيا لتصدير السلاح ، و العتاد العسكري إلى دول أفريقيا ، قصد ترسيخ موقعها في سوق الأسلحة إلى جانب السوق التجارية الأفريقية الأفريقية. 


دواعي تحديث القوة العسكرية الجزائرية 


إن رواج التجارة العسكرية الجزائرية ، أو منتجات إقتصادية أخرى ، يتطلب مناخا تعاونيا إقتصاديا آمنا بين الجزائر و جيرانها الأفارقة . خال من تحديات الغرب العسكرية الممثلة في : "فرنسا" و "الولايات المتحدة" و "بريطانيا" و من تهديدات الجماعات الجهادية الممثلة في : "بوكو حرام في النيجر" ، و "حركة التوحيد و الجهاد في غرب أفريقيا" ، و "الجبهة الوطنية النيجيريا للعدل" ، و "القوة الثورية للصحراء" . هذا إلى جانب خطورة تجار الممنوعات الذين تقوم بحمايتهم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي "Le Nacro  Etat" و الذين ينشطون بين "مالي" و "إسبانيا" ، و بين "ليبيا" و "المغرب" و "الجزائر" .

ظل هاجس السلطات الجزائرية يتمثل في إدراك هذا المبتغى . و هو أمن أفريقيا برمتها ، بأي ثمن ، بإعتبار أن القارة السمراء هي العمق الإستراتيجي للأمن القومي الجزائري، بأبعاده المختلفة . و هو ما فسر حرصها الدؤوب على مواصلة نضالها اليوم عبر المنظمات القارية ، و الهيئات الدولية لإنصافها ، و تمكين دولها من فرص الأمن و الإستقرار و التنمية كغيرها من قارات العالم .

و من الطبيعي أن نرى هذا الدور قد تبلور في منظمة الإتحاد الأفريقي . لقد أظهرت التهديدات الإرهابية منذ 2011 ميلادية ، و بروز أزمة الساحل الأفريقي على سطح الأحداث ، فعالية تحركات الدولة الجزائرية على جميع الأصعدة لتأمين حدودها ، و للحفاظ على أمن القارة و إستقرار أوضاعها . لأن ذلك يؤدي حتما إلى بعث عوامل الإرتياح في الجزائر ، و إرادة التعاون المثمر معها. لقد لاحظنا هذه الفعالية و الإهتمام بجيرانها أكثر ، بعد تدخل الغرب في شأنها. 

إن إهتمام الجزائر بتحديث ترسانتها العسكرية ، لهو أقوى دليل على تخوفها لا من الجماعات الإرهابية فقط ، بل من تمركز الغرب العسكري قصد تطويق الدور الجزائري في المنطقة الأفريقية . وذلك بدعوى حماية مصالحه من التهديدات الإرهابية . و هذا في حد ذاته تهديد صارخ لأمنها ، و أمن الإقليم بكامله . و يكشف التدخل الغربي العسكري في ليبيا  سنة 2011 ميلادية قلق الجزائر المتزايد على أمنها ، و أمن المناطق المحاذية لها. إن قلق الجزائر و مخاوفها المتنامية على أمنها لها ما يبررها ، و إهتمامها بتوريد أحدث الأسلحة من شركائها التقليديين ، و تجديد ترسانتها العسكرية ، هما الضامنان الوحدان اللذان يقيانها من هذا القلق . قلق التواجد الغربي العسكري بقواعده ، و خلايا التطرف في أفريقيا .



فعالية التواجد الجزائري في الإقليم الإفريقي

لتبديد مخاوف تدهور الأمن في أفريقيا ، تبنت الجزائر منذ رحيل المحتل إلى الآن ، إستراتيجية سياسية ذات منحيين : المنحى السلمي ، و يتمثل في المصالحة بين دول أفريقيا المتخاصمة ، و المساهمة في معالجة مشاكلهم الإقتصادية . و منحى التدخل العسكري و التصدي بقوة للتطرف ، و العنف المتزايد من الجماعات الإرهابية في إطار التعاون العسكري بين الجزائر و دول الساحل الأفريقي على الخصوص. 


في المنحى السلمي

سبق للجزائر أن بادرت بإصلاح ذات البين ، و بث الأمن بين دول القارة . فوقعت على إتفاقية الصداقة و حسن الجوار مع "مالي" و "تونس" و "النيجر" . كللت هذه الإتفاقية بترسيم الحدود بينهم . و توسطت في تسوية النزاع بين "مالي" و "بوركينافاسو" و بين "موريتانيا" و "السنغال" و بين "التشاد" و "ليبيا" حول الحدود. و ساهمت في حل النزاع "النيجيري " و الحركة الإنفصالية . و تبذل الآن  جهودا دبلوماسية جبارة في "ليبيا" ، لحل النزاع بين الطوائف السياسية المختلفة في أعقاب الصراع العسكري ، و التدخل الاجنبي منذ 2011 ميلادية . في سنة 2015 ميلادية نجحت في التوصل إلى إبرام إتفاقية الوئام بين السلطات المالية ، و الحركات العسكرية في شمالها . و تركز الجزائر في هذه الظروف العصيبة بكل قواها على تسوية الأزامات في الساحل الأفريقي،  لتجنيب المنطقة خطر التفكك و التقسيم . و إهدار المزيد من القدرات المادية و البشرية في حروب يتدخل فيها الغرب ، شبيهة بما حدث في العراق و أفغانسان و ليبيا.  

أما في حل المشاكل الإقتصادية لبعض الدول الأفريقية ، أخذت الدولة الجزائرية على عاتقها مسؤولية المساهمة في إعانة الأفارقة على التنمية و تسوية المشاكل الإقتصادية . فمنحت هبة بقيمة 10 مليون دولار "لمالي" سنة 2011 ميلادية ، قصد حل مشاكلها في الشمال . و قامت بمسح ديون لعشر دول أفريقية بقيمة 03 مليار دولار سنة 2012 ميلادية . كما واصلت مسح ديون لأربع عشر دول أفريقية أخرى ، قيمتها 902 مليون دولار سنة 2013 ميلادية . و منحت في الآونة الأخيرة مساعدات مالية لتونس ، قيمتها 100 مليون دولار . 


في منحى التنسيق العسكري 

أدركت الجزائر أن قوتها العسكرية ، و جاهزية جيشها تساعدانها كثيرا على التعاون العسكري الفعال مع الأفارقة في منطقة الساحل . أن التعاون العسكري أمر لا مفر منه ، نظرا لإنتشار الجماعات الجهادية ، و تجار الأسلحة و المخدرات في "مالي" و "النيجر" و "ليبيا" و "جنوب الجزائر" . يتجلى هذا التعاون بشكل فعلي ، بداية في إنشاء قيادة عسكرية مشتركة بين "الجزائر" و "مالي" و "موريتانيا" و "النيجر" في منطقة "تمنراست" سنة 2010 ميلادية . من مهام هذه القيادة الأساسية ، التخطيط لإستراتيجية عسكرية لنشر الأمن في الإقليم . دعمت الجزائر هذه القيادة بوحدات عسكرية متأهبة للقتال عدد أفرادها 75000 أغلبهم من أفراد الجيش ، و شرطة الحدود ، و رجال الجمارك . كما أنشأت مركزا للمعلومات الإستخباراتية يتكون من ضباط هذه الدول و كذا من التشاد و بوركينافاسو . 

لقد إستفاد الساحل الأفريقي من قدرات الجيش الجزائري و تمرسه على الحرب كثيرا ، و إنتفع من تجاربه المعتبرة في محاربة ظاهرة التطرف المسلح ، و التجارة الممنوعة ، و التدخل الأجنبي العسكري في الشأن الأفريقي. و ابرز مثال على ذلك إنسحاب وحدات الجيش الفرنسي من الساحل الأفريقي ، و عزل المرتزقة عن ليبيا.

إن الدولة الجزائرية إكتسبت اليوم ثقة و إحترام الدول الأفريقية ، لما عاهدته عنها من خصال ، و مواقف ثابتة في أحلك ظروف الفترة الإستعمارية . و الآن إطمأنت هذه الدول و إستأنست لحضورها في جل قضاياها الشائكة مثل : النزاع على الحدود التطرف ، الإرهاب و المشاكل الإقتصادية .


مصادر البحث :

  1. الدكتور محمد قشقوش : أستاذ الأمن القومي و مستشار المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية .القاهرة .
  2. أكرم الديت خريف : متخصص في شؤون الدفاع و الأمن .
  3. عبد النور بن عنتر : قناة الجزيرة . تقرير 08 / 04 / 2021 .
  4. جريدة الشروق الجزائرية . تقرير 16 / 03 / 2015 .
  5. الدكتورة بوشنافة شمسة : العلوم السياسية بجامعة ورقلة .

















google-playkhamsatmostaqltradent