مجموعة بريكس :
مجموعة بريكس هي منظمة دولية مستقلة تهدف الى الاستقلالية الاقتصادية و الاستقلالية السياسية على حد سواء و الثقافية أيضا . تم تأسيسها سنة 2011 ميلادية . تضم الآن خمس دول وهي : البرازيل ، روسيا ، الهند ، الصين و جنوب أفريقيا . إن تجسيد فكرة منتدى "بريكس" حسب الإقتصاديين ، جاءت خاصة بعد الأزمة المالية لسنة 2008 ميلادية . لقد أثرت هذه الأزمة على الكثير من إقتصاديات الدول المتقدمة ، التابعة لنظام إقتصادي يهيمن عليه قطب الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب الباردة .
في المستقبل سيكون بإمكان المنتدى حسب الملاحظين ، تأسيس منظومة نقدية مشتركة بين الأعضاء ، عن طريق تبادل سندات القروض ، و إبرام صفقات مالية . و يتعدى ذلك إلى إنشاء نظام تعاوني في مجال الإستثمار ، و التجارة المشتركة . و بهذا يمكن من خلاله إحتساب التجارة بالعملة الوطنية . و يكون بمقدوره كذلك توسيع نطاق التبادل ، ليشمل العلاقات الثنائية ، أو متعددة الأطراف . الأمر الذي سيسهل المبادلات التجارية ، و الإستثمار بين مجموعة المنتدى . و يدفع عندئذ التعاون الإستثماري المشترك بين المجموعة إلى الأمام . و يكفي أن نلاحظ ، أن أواصر التعاون المثمر بين دول "بريكس" أصبحت أكثر صلابة ، نتيجة إجراء إجتماعات دورية بين وزرائها في الإقتصاد ، و المالية و الخارجية .
أهمية منتدى بريكس :
تظهر أهمية هذا المنتدى على المستوى الإقتصاد العالمي ، في إستحواذه على حصة ضخمة من إحتياطات العملة الصعبة. تقدر نسبها بنحو 40 % من مجموع إحتياطات العالم . و تملك الصين الشعبية لوحدها 2.4 تريليون دولار و هي ثاني أكبر دائن بعد "اليابان" . تقر مجلة "إيكونوميست The Economist" البريطانية أن دول المنتدى ، يكون بمقدورها تأسيس صندوق نقدي بحجم الصندوق النقد الدولي . و مما سيساعد على حماية إقتصاديات المنتدى من الكساد الكبير ، وفرة النقد ، و الأصول المالية الأجنبية . و سيمكنه من التبوء المكانة المالية المعتبرة ، علاوة على كونه قوة إقتصادية منافسة للغرب . أما من الناحية الإقتصادية ، يبلغ رأسمال "بريكس" 200 مليار دولار ، مستثمرة في عدة مشاريع مشتركة . و بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدوله سنة 2016 ميلادية حوالي 16.4 تريليون دولار بنسبة 22.3 % من الحجم العالمي كما تحتل دول "بريكس" الريادة الإقتصادية على الصعيد الدولي : الصين الثانية عالميا ، الهند الرابعة ، روسيا السادسة ، البرازيل التاسعة ، جنوب أفريقيا الخامسة و العشرين . هذا في حد ذاته تنبيه لأمريكا ، و الغرب على أن دول المنتدى لها خيارات جديدة في التبادل ، و التنمية بعيدا عن نفوذ واشنطن . لا ننسى أن هذا التكتل الإقتصادي الجديد له قوة ديمغرافية تقدر 03 مليار نسمة بنسبة 42.1 % من إجمالي سكان العالم . و تحتل دوله مساحة 39،7 مليون كم مربع بنسبة 39،8 %. تحتوي على الكثير من المواد الأولية ، و مصادر الطاقة بنسبة 40 % .
أما على المستوى العسكري ، فإن الميزانية المخصصة لهذا القطاع ، تقدر 10،8 % من حجم الإنفاق العسكري العالمي . رغم ذلك تسعى المجموعة إلى مضاعفة الإنفاق من خلال تجسيد مشاريع الصناعة العسكرية ، و تمويل البحوث التكنولوجية ، و تطوير القدرات العسكرية . و مما يثير الإنتباه حقا ، أن ثلاث دول من بريكس و هي "الصين" و "روسيا" و "الهند" تستحوذ على نسبة 52% من الحجم العالمي في إمتلاك الرؤوس النووية .
توسيع التمثيل في مجموعة بريكس:
لقد إسترعى إهتمام مجموعة "بريكس" في إحتواء الكثير من البلدان الناشئة ، حيث يتوقع أن ينضم إليها ممثلون من عدة دول : "الجزائر مصر السعودية و الإمارات العربية إيران نيجيريا السنغال أندونسيا تايلاندا كازاخستان و الأرجنتين" . إن هذه الدول من المحتمل أن تصبح أعضاءا رسمية . يمكن لهذه الدول الإنضمام إلى المجموعة بسهولة ، لا على أساس ثقلها الإقتصادي بل على مدى دورها و فعاليتها في المجموعة . يتجلى ذلك في حقيقة الأمر لبعض العارفين بشؤون السياسة الإقتصادية ، أنها جاءت لتمنح فرصة التنمية في إطار تكتل إقتصادي سلمي يجافي النظام الإقتصادي العالمي التقليدي الذي تستقطبه أمريكا . أن زيادة العضوية في هذا المنتدى ستؤهله إلى إمتلاك القدرة المؤثرة على خدمة إقتصاديات الدول النامية في جو الثقة المتبادلة و المصلحة المشتركة .
إنشاء عملة نقدية لمجموعة بريكس :
قال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" : أن دول "بريكس" تستعد لإنشاء عملة دولية جديدة . من هذا المنظور ، فإن لدى دول "بريكس" إختيارين لإنشاء عملة دولية جديدة للتسويات العمليات المالية بين أعضائها . الأول : إنشاء عملة نقدية للتعامل بين أعضاء المجموعة ، غير العملة الوطنية ، و يمكن تداولها كوسيلة دفع لتسوية العمليات المالية مع الدول الأجنبية ، بالإضافة إلى العملة الوطنية . أما الثانية فهي تخصيص إحدى عملات دول المنتدى للتسوية المالية فيما بينها . مثل عملة "يوان الصيني" أو "الروبل الروسي" . لا زالت هذه المسألة قيد الماقشة حتى الآن . يمكن حسب الخبراء الماليين كذلك إستعمال "اليوان" كعملة أساسية للداول بين أعضاء "بريكس"، و هي الطريقة المجدية ، و السريعة التي لا تستغرق إلا وقتا أقل . و كل هذا يحتاج في الحقيقة إلى رغبة و طموح و إرادة سياسية واضحة .
أهم مشاكل و تحديات منتدى "بريكس":
من أهم ما يواجهه منتدى "بريكس" في مسيرته الحديثة : الإصلاحات المالية الفورية ، و الشاملة و المعمقة بطرح خطة مالية واضحة . تكون الخطة كفيلة بتوسيع تدويل العملة النقدية ، مهما كانت صفتها . لهذا السبب يبدو أن توثيق التعاون النقدي ، و المالي بين الأعضاء ، يكتسي ضرورة ملحة لتدويل عملة المنتدى . و أن المنتدى لا يشتكي من عائق الديون . فهي مستقرة على العموم . كما يواجه "بريكس" بعض المشاكل الداخلية تؤثر سلبا على آليات التعاون بين أعضاء المجموعة . و في صدارتها التغيرات الطارئة على حياة المجموعة السياسية مثل : الصراعات الحزبية ، عدم إستقرار الأنظمة الحاكمة ، إنتشار الوباء ، و الأزمات الإقتصادية و الإجتماعية . لا ينبغي لنا أن ننسى مناهضة الغرب لسياسة التكتل التي ظهر بها منتدى "بريكس".
منذ تأسيس مجموعة "بريكس" لم يهدأ بال الدوائر السياسية ، و الأكاديمية ، و الإعلامية الغربية على إنتقاص من جهوده في توثيق التكامل المالي ، و الإقتصادي لأعضائه . و ذلك قصد تفكيك و إحباط مساعيه ، مركزين على الهند . يؤكد الخبراء أن رغم التحديات المتواصلة ، فإن تضافر الجهود بين الصين ، و روسيا أتت بأكلها ، حيث تتحسن آليات "بريكس" و يتواصل التعاون بإستمرار في المجال السياسي ، و الإقتصادي و الثقافي .
إهتمام "بريكس" بالقضايا السياسية :
إلى جانب الإقتصاد و المال ، لم يستثن المنتدى قضايا الساعة المتمثلة في المجال السياسي ، بغية الإستزادة من مصادر النفع ضمن النسق الدولي. و بالتالي فإن مجموعة "بريكس" أظهرت نوع من المسؤولية ، تجاه عدة قضايا سياسية دولية: الإرهاب الدولي ، تغير المناخ ، الأمن الغذائي و الطاقة ، و مشاكل التنمية ، و الأزمات المالية العالمية ، و تسوية الملفات السياسية : ملف سوريا ، ملف إيران النووي ، و غيرها من المعضلات التي تؤرق الأمم . قد يتساءل الإنسان عن قوة :بريكس" في التأثير على أهم القضايا ، و العلاقات السياسية بالشكل الصحيح . و هذا بالطبع يعود في نظرنا إلى عدة عوامل مها : إمتلاك كل دولة عضو في المنتدى ، لإحتياطيات هامة من المواد الأولية ، و الطاقوية و الفلاحية . حيازة المجموعة على إمكانيات كبيرة في المجال السياسي ، و العسكري ، و الموارد البشرية هذه القدرات أدت إلى تحقيق الرقي الصناعي ، و الزراعي ، و إلى تحقيق التكامل الإقتصادي فيما بينها ، رغم التباعد الجغرافي . هذه الأرضية الصلبة صارت مرتكز منتدى "بريكس" في معالجة القضايا الإنسانية المطروحة على مستوى العالم .
أهداف منتدى "بريكس" :
كل هذه الجهود المنسقة بحكمة داخل المنتدى حسب ما نعلم ، تقود في النهاية إلى محاولة إبطال مفعول الهيمة الأمريكية على النظام الدولي الحالي . و تشكيل بدله نظام دولي جديد متعدد الأقطاب . تكون دول المجموعة مؤهلة للتموضع فيه كتكتل إقتصادي ، و سياسي و عسكري محترم . هذه الغاية المنشودة "لبريكس" بدأت تتجسد فعليا على أرض الواقع ، في توسيع نطاق التعاون العلمي ، و التقني و الإقتصادي ، و المالي بين أعضائه . و أقل ما يذكر في هذا الباب هو: التقليل من التعامل بعملة الدولار بين أعضاء المجموعة . و إنشاء عدة مؤسسات مالية مثل بنك الدولي التنمية على أساس التعامل بعملة المنتدى المتفق عليها . و تقوية العلاقات الإقتصادية مع دول أخرى . و تطوير شبكة الأنترنت الخاصة بأعضاء "بريكس" لتفادي محاولات التجسس ، و الإختراق و الأمن السيبراني . هذا بإختصار أهم ما يسعى إليه التكتل الدولي الجديد "بريكس" .
مصادر البحث :
- قناة الجزيرة مجموعة بريكس و أهدافها .10/ 03/ 2012 .
- قاسمي عبد السميع : تقرير 21 / 03/ 2018 .
- صحيفة الشعب اليومية تقرير . 10 / 09 / 2021 .
- قناة الجزيرة . إسكندر نازاروف محلل سياسي.