recent
أخبار ساخنة

عظماء التاريخ الحديث .


عظماء التاريخ الحديث .



 عظمة الرجال 

من البديهي لدى الناس ، أن العظمة هي القيمة الحقيقية التي وجدوها في هذا الظرف من الزمان ، أصلح و أنسب لقياس خصال ، و شيم بعض الرجال بصفة فعلية . قيمة العظمة لدى بعض الرجال ، قد تكون في أبهى صورها عندما نطلع على  أعمالهم الجليلة خاصة نضالاتهم السياسية ، و أعمالهم الثورية الشاقة و الخطيرة . إنهم بفضلها ، نقشت و بصفة تلقائية أسماؤهم في سجل التاريخ البشري بكل فخر و إستحقاق . إنها هي التي أهلتهم بكل أحقية و شرف لهذا المجد التليد . و من الطبيعي أنها تبقى بعدهم منهلا يستقي كل الزعماء السياسييين ، و الرواد الإصلاحيين  دروسهم منه ، في كيفية تقوية شعوبهم ، و شحذ هممهم ، و إيقاظ ضمائرهم ، و تحرير إراداتهم ، و فك سواعدهم من رباق الذل . إنها الخصال التي تنفرد عن الخصال المعهودة لدى الإنسان العادي . فإنها لا تتوفر إلا في القلة من بني البشر عبر هذا الزمان . 


نعلم من خلال ثقافتنا العادية ، أن التاريخ ينتقي هؤلاء العظماء ، و يفتح لهم صفحاته الناصعة لتسجل مسيرتهم الفريدة ، و أعمالهم الفذة  بكل فخر . لتبقى خالدة للأجيال اللاحقة بعد موتهم ، و فناء أجسادهم . لقد كانت الموهبة ، و العبقرية ، و الإرادة الفولاذية ، و البصيرة الثاقبة ،  و الطموح الواسع ، الذي يفوق بكثير تصورات الخاصة من الناس ، و العامة ، هي من بين خصائص عظمة شخصياتهم التاريخية .


إن الشعوب التي يتولى أمرها هؤلاء العظماء ، لهي شعوب محظوظة جدا عن غيرها خاصة إذا وقفت مساندة لهم، و مزكية طموحاتهم ، و مضحية بكل ما لديها لأجل تحقيق ما هم عازمون على تحقيقه في مجال المطامح السياسية ، و النوايا الإصلاحية لصالحهم.

قد تتجاوز فضائل هؤلاء الناس في كثير من الأحيان ، حدود مناطقهم الجغرافية  الضيقة  إلى شتى القارات ، بل إنها تصبح من أهم العوامل الرئيسية في إعادة تشكيل الخرطية السياسية لعدة شعوب و أمم هذا العالم .                                                                   لقد إنتقينا في هذا البحث بعض أبرز الشخصيات السياسية ، و العسكرية التي تميزت بالعظمة المبنية على المبادئ الصحيحة ، فتمكنت شعوبهم من الإستفادة من تدابيرهم الذكية ، و من طموحاتهم العريضة و شجاعتهم الأستثنائية و الفريدة من نوعها . من هؤلاء على سبيل الحصر ما يلي : 


جورج واشنطن  George  washington 

يعتبر "جورج واشنطن" من بين عظماء التاريخ الحديث في الامور السياسية ، و العسكرية  الفعالة و النشيطة جدا في أمريكا المستعمرة سابقا. حيث ساهم في تأسيس دولة الولايات المتحدة الأمريكية ، و كان "جورج واشنطن" 1 أول رئيس لها ، سميت العاصمة بإسمه. في البداية كان شغله الشاغل هو تحرير أمريكا من القوات البريطانية المسلحة ، و تصفية أجواء بلاده من هذا الإحتلال .  كان يرى من واجبه القيام بحرب مسلحة شاملة لإخراجها نهائيا من الأراضي ، مهما كلفه ذلك من تضحيات في الأرواح و العتاد . لذا نرى أن مسيرته في هذا المجال شملت النضال السياسي و العمل العسكري                                                                           معا .                                                                                              

في سنة 1774 ميلادية  مثل "واشنطن"  ولايته "فيرجينيا" في المؤتمر القاري الأول ، الذي إنعقد في مدينة "فيلادلفيا" . و سنة 1775 ميلادية ،  إرتقى إلى مرتبة مستشار عسكري في مدينة "نيويورك" . و في نفس السنة قاد الجيش الأمريكي إلى معارك طاحنة خلال ثمان سنوات من الحرب . إنتصر فيها على القوات البريطانية المسلحة ، و أثبت إمتيازه  في القيادة ، و إدارة المعارك .  بعد هذا الإنتصار الساحق على قوات المملكة المتحدة  سنة 1781 ميلادية ، رأى الأمريكيون أن "جورج واشنطن" جدير برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية . تم له ذلك ، و صار أول رئيس لهذا البلد في عهدة مدتها ثمان سنوات .

من هنا نلاحظ أن "جورج واشنطن" شرع في مسار جديد هو المسار السياسي  و خاض غماره  بكل إمتياز .إنه الرجل الذي  نجح في حكم البلاد بكل كفاءة و حكمة ، و كان سببا في توفير الأمن و الإستقرار و العدل ، و تهيئة الأجواء للعمل الإقتصادي .  كان له الشرف في المشاركة في صياغة دستور الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1787 ميلادية مع كبار الساسة الأمريكيين.

قال جورج واشنطن : إن الإستعداد للحرب هو أفضل الوسائل الفعالة للحفاظ على السلم . إن الدستور هو المرشد الذي لا يمكنني التخلي عنه أبدا .


أبراهام لينكولن  Abraham Lincoln 


إستطاع "أبراهام لينكولن" الدخول الى تاريخ العظماء الحديث و الوصول إلى الحكم و رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية بعد إنتخابات 1860 ميلادية . و في سنة 1861 ميلادية تقلد المنصب بصفة رسمية ، و باشر بعد ذلك الحكم في بلاده . يعد "أبراهام لينكولن" 2 في ترتيب رؤساء أمريكا ، السادس عشر من رؤساء الولايات المتحدة ، و الأول من الحزب الجمهوري . على إثر هذا النجاح الباهر الذي شرف به حزبه الجمهوري ، واجه هذا الرئيس في فترة حكمه أكبر معضلة في تاريخ بلاده ، تمثلت في إنفصال عدة ولايات جنوبية عن الولايات المتحدة ، و كونت دولة مستقلة عنها أطلقت على نفسها إسم الولايات الكونفدرالية الأمريكية تحت زعامة "جيفرسون ديفيس" . الولايات التي إنضوت تحت لواء الكونفدرالية الأمريكية الجديدة هي : ساوث كارولينا فلوريدا ميسيسيبي الأمابا جورجيا لويزيانا تكساس . صارت الولايات المنفصلة عن أمريكا تشكل خطرا على وحدة و أمن الأمة الأمريكية .

من الطبيعي أن "الرئيس لينكولن" لا يقبل أبدا بتقسيم بلاده ، و تجزئة وحدة شعبه بهذا الشكل المفاجئ ، و الرضوخ للحركة الإنفصالية بسهولة .  فرفض الإعتراف بالإنفصاليين و إعتبر أن هذا العمل غير قانوني . و أعلن الحرب عليها بشكل سريع و حاسم ، دفاعا عن البلاد و صيانة وحدة الأمة الأمريكية . فأعد هذا العظيم جيشا جرارا من ذوي الكفاءة و الخبرة العسكرية ، و فتح سجل التطوع في الخدمة العسكرية و كلف الجنرال "مكليلان" قائدا عاما عليه . كما جعل البلاد في حالة طوارئ تخضع لأحكام عرفية نصت في مجملها على إعتقال كل متعاطف مع الإنفصاليين .

قد يتساءل الإنسان عن السبب الرئيسي الذي كان وراء هذه الحركة الإنفصالية ، و رغبتها في تكوين دولة مستقلة عن الشمال . يتبين ذلك نتيجة  إصدار الرئيس "لينكولن" في نفس السنة التي تقلد فيها المنصب الرئاسي ، قانون يضمن حرية العبيد ، و يعتبرهم في حكم الأحرار الطلقاء . هذا القانون صار ساري المفعول في السنة الموالية ، و دخل حيز التنفيذ في سنة 1863 ميلادية . فبمقتضى هذا الإجراء أصبح جميع عبيد الولايات المتحدة أحرارا بما فيهم عبيد الجنوب . إن التدابير القانونية التي إتخذها "لينكولن"  في حق العبيد ، جلبت له بحق سخط سكان الجنوب . و بدا ذلك واضحا في رفضهم  المطلق لها .  كانت هي من بين  الأسباب في الإنفصال ، و العامل الإساسي في إشعال فتيل الحرب بين شعبي أمريكا  في الشمال و الجنوب .

بعد فترة وجيزة من المعارك الدامية و القاسية ، إستحوذ الرئيس "لينكولن" على معظم أراضي الجنوب ، و إنتصر على الإنفصاليين . كان هذا النجاح تحفيزا لسكان السود في الجنوب ، و تشجيعا لهم على الإنضمام إلى جيش "لينكولن" بغية الإسراع في تحرير كامل التراب الأمريكي ، و إنهاء الحرب الأهلية .                                                                    بهذه الإرادة  الفولاذية في مواصلة الحرب على الإنفصاليين ، إستطاع "لينكولن"  من إعادة وحدة الأمة الأمريكية ، و إسترجاع وحدة الترابها بكامله .  

   بعد هذا المكاسب العسكرية الكبيرة التي حققها في ساحة الوغى ، إتجه هذا الزعيم صوب المعارك السياسية التي لا تقل حدة عن مواجهة الإنفصاليين  فتمكن  في العهدة الثانية سنة 1865 ميلادية من تمرير قانون إنهاء العبودية  إلى الكونغرس أثناء تعديل الدسور الأمريكي . في نفس السنة تم إنهاء الحرب الأهلية  بشكل حاسم .

قال أبراهام لينكولن : عندما ينتزع الراعي عنزا من بين براثن الذئب ، تعتبره العنز بطلا . أما الذئاب فتعتبره ديكتاتورا .


الأمير عبد القادر الجزائري 

بعد مبايعة " الأمير عبد القادر" الجزائري سنة 1832 ميلادية من قبل سكان معسكر في الجزائر. وجد هذا الشاب نفسه مباشرة أمام مسؤولية تقرير مصير شعبه ، و بلاده . و عليه أن يقود في تلك الظروف الصعبة ، و قيادة شعبه إلى الحرب على المحتل الفرنسي ، و إنهاء وجوده من التراب الجزائري بأكمله . فإتخذ كل التدابير المادية و البشرية اللازمة لتكوين جيش شعبي قادر على محاربة الإستعمار ، و الدفاع عن البلاد ، و الوقوف في وجه كل من يريد طمس هوية شعبه ، و عقيدته الدينية ، وثقافته  العربية الأصيلة .  

لقد أدرك الجزائريون جيدا أن هذا الرجل العظيم ، هو الرجل المناسب في حمل راية الجهاد ضد المغتصب الدخيل ، نظرا لما تميز به من خصال لا تتوفر في غيره . و هي الشجاعة الفائقة في خوض غمار الحرب ، و ركوب مخاطر السياسة مع المحتل الفرنسي . 

إن "الأمير عبد القادر" كان فعلا عند حسن ظن سكان معسكر ، و البلاد معا . لقد سجل مسيرته النضالية ، و الجهادية التي كانت محفوفة بالمخاطر و المكائد في تاريخ الأمة الجزائرية و تاريخ الأمة الإسلامية بكل فخر و جدارة . لم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل ذاع صيته في أرجاء العالم لتصل أخبار بطولاته ، و إنتصاراته إلى كبار شخصيات دول العالم .

كلما خصص الإنسان بعض الوقت لدراسة المسيرة التاريخية " للأمير عبد القادر"  تجلت له بداهة العظمة بكل وضوح . العظمة التي لا يعترف بها التاريخ إلا للقلة من الرجال أمثال: "جورج واشنطن" ، "أبراهام لينكولن"   "أوتو فان بيسمار" " ماو سيتونغ" و غيرهم . كان "الأمير عبد القادر" عظيما بشهادة الكتاب ، و المؤرخين العالميين ، إلا من جحد . لقد تفوق على المستعمر الفرنسي في المفاوضات السياسية من جهة ، و إدارة المعارك المسلحة ضده من جهة أخرى ، و التي  وصل عددها إلى أربعين .

لقد تفتقت عبقرية هذا الشاب الجزائري ، و هو إبن أربعة و عشرين سنة . و ظهرت قدراته العسكرية ، و حنكته السياسية ، و طاقته على تحمل تبعات السير في هذه الشعاب الوعرة جدا . إنه  أرغم المستعمر في عدة مواقع على إبرام معاهدات صلح ، تبرز خذلان الجيش النظامي ، و فلاح جيش "الأمير"  الذي كبده  خسائر جمة ، و من أهمها معاهدة التافنة 1837 ميلادية  التي نقضها الملك الفرنسي لويس فيليب الأول على الفور.                                                        

يقول الله تعالى : يَا أَيُّها الذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الذِين يَلُونَكُمْ مِنَ الكُفََّارِ لِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَ أَعْلَمُوا أَنَّ الله مَعَ المُتَّقِينَ . 4


تكوين جيش نظامي و تأسيس دولة جزائرية حديثة 

كان الأمير "عبد القادر"  يعي جيدا منذ تاريخ مبايعته ، جل النقائص التي ظهرت أثناء المعارك الطاحنة مع جيش العدو النظامي . رأى وقتها ضرورة إعادة النظر في كل الأوضاع العسكرية ، و السياسية التي طرأت على ساحة الحرب ، نتيجة الغزو ، و شراسة المواجهة المسلحة . فكان من الطبيعي أن ينصب إهتمام "الأمير عبد القادر"  آنذاك على إنشاء جيش جزائري نظامي قوي . جيش  حديث  منظم  و مدرب ، يكون في مستوى منازلة هذا العدو الغاصب . و أن يؤسس دولة حديثة تجمع كل مناطق البلاد المحررة  ، تتوحد فيها كل القبائل الجزائرية على مبدأ واحد ، هو الجهاد لمقاومة الفرنسيين . و على الإهتمام  بتنظيم البلاد داخليا من الناحية الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية ، كي تساهم هي الأخرى في المساعي العامة لترقية ظروف المواطنين الأمنية و المعيشية . بهذه التدابير السياسية الذكية فإننا عرفنا من خلال الوثائق أنه تمكن أولا من التفرغ كلية للحرب ، و ثانيا من  تحقيق عدة إنجازات  إدارية  و سياسية كبرى . تمثل ذلك  في إقامة الدولة الجزائرية بمعايير حديثة ، و التي تضمنت وقتها مؤسسات الدولة المعروفة الإدارية  و الإقتصادية و السياسية و الديبلوماسية  اللازمة . 

في هذه العجالة يتبين أن مسار "الأمير عبد القادر" التاريخي ، كان شبيها بمسار العظماء في زمانه . إن الفضل كل الفضل يعود إليهم أساسا  في توحيد شعوبهم ، و إبعاد الطامعين و الراغبين بشدة  في إستيطان أراضيهم  . "فجورج واشنطن"  حرر أراضي الولايات المتحدة من الإستعمار البريطاني الإستيطاني ، و أسس الدولة الأمريكية العظمى . أما أبراهام لينكولن وحد الأمة الأمريكية بعد القضاء على الحركة الإنفصالية ، التي ظهرت في الجنوب. و ساهم في وضع الدستور الأمريكي ، الذي إعتبر في أحد بنوده : أن السود أحرار يتمتعون بكامل الحقوق كغيرهم من البيض ، وأن أراضي الشمال و الجنوب هي وطن الأمريكيين دون تمييز .                                  

أن  نفس المساعي لهؤلاء العظماء نراها قد تكررت في الجزائر على يد  " الأمير عبد القادر" فكان مجاهدا قويا ، و سياسيا محنكا ما أدى إلى  إعتراف الكثيرين بأدواره العسكري و السياسي أثناء صراعه مع الغزو الفرنسي . فنال إحترامهم و تقديرهم و كبرت شخصيته في أعينهم  و يعد الان من بين عظماء التاريخ الحديث. بيد أن أدوار "الأمير عبد القادر" لم تعد محصورة ضمن الحدود الإقليمية للجزائر بعد نهاية الحرب مع الفرنسيين  سنة  1847 ميلادية ، بل تجاوزت بعد نفيه إلى دمشق عاصمة سوريا ، إلى أعمال إنسانية عالمية أثرت بشكل رهيب على ساسة دول الغرب و ملوكها.  إنه لقن دول الغرب المسيحي سنة 1860 ميلادية ، دروسا في التسامح و التعايش الديني بين الشعوب ، و ذلك من خلال مساعيه الناجحة في إبطال الفتنة الطائفية بين المسلمين الدروز ، و المسيحيين المارونيين ، و في أبعاد عنهم شبح كارثة إنسانية كادت أن تتسبب في هلاك خمسة عشر ألفا مسيحيا على الأقل . و هذه المآثر الإنسانية للأمير عبد القادر هي التي أكسبته فخر هؤلاء الغربيين و جعلت تاريخه و تاريخ بلاده في مصاف تاريخ الدول العظمى .   

قال الأمير عبد القادر يوما : لو جمعت فرنسا سائر أموالها و خيرتني بين أن أكون ملكا عبدا ، أو أن أكون حرا فقيرا معدما ، لأخترت أن أكون حرا فقيرا .



أتو فان بسمارك Ott Von Bismarck

هذا الرجل العظيم هو أوروبي بروسي ألماني . تجلت عظمته النادرة في مهاراته السياسية ، و قدراته العسكرية التي تمكن وقتذاك ، من إستغلالها و توظيفها بشكل نفعي تتماشى و طموحات البلاد و شعبها الألماني . بحيث أرشدته نباهته السياسية زيادة على ذلك ، إلى ضرورة الإستفادة من الأوضاع الأوروبية السياسية المتردية ، و من تنامي التيارات القومية فيها بشكل واسع ، و من ظهور رغبة الشعوب الأوروبية القوية في  التملص من التبعية للأمبراطورية الرومانية عقب تفككها و إنهيارها تماما خلال أربة  قرون . لقد قام بسمارك 5.  بالفعل بتوحيد عدة مقاطعات محاذية لبروسيا سابقا  و ضمها إلى الأراضي الألمانية . ليكتمل ذلك ضمن وحدة جغرافية تشتمل في الأخير على جزء هام من مساحة أوروبا . بعد ذلك أقدم "بسمارك" على تأسيس الأمبراطورية الألمانية الكبرى بإسم العرش الملكي قيصر . كان ذلك ما بين 1817 ـ 1918 ميلادية . لقد عرفت في التاريخ الألماني بالرايخ الثاني . أي الإمبراطورية الثانية بعد الإمبراطورية الرومانية . 

لقد أدركنا من خلال ذلك ، أن "بسمارك" كان يطمح إلى إنشاء إمبراطورية ألمانية قومية كبيرة على غرار الإمبراطورية الرومانية . تخضع لحكم و سيطرة القيصر .  حقق ذلك على الواقع الفعلي بعد معارك قاسية و دامية ، إنتصر فيها على فرنسا و النمسا و الدنمارك . كان "بسمارك" أول رئيس من حكم هذه الإمبراطورية في أوروبا ، مثله مثل "جورج واشنطن" في أمريكا . كان هذا التعيين بموجب دستور البلاد الجديد . دستور الإمبراطورية المانية الجديد الذي جعل فيلهالم الأول قيصرا عليها ، و بالتالي فإنها صارت على إثر ذلك تخضع مباشرة للحكم الملكي . أما "أتو فان بسمارك" الذي خاض عدة معارك مع دول الجوار من أجل توحيد و توسيع أراضي ألمانيا ، فإن القيصر "فيلهالم الأول" ، قلده منصب مستشار و وزير خارجية الرايخ الألماني ، بالإضافة إلى رئيس وزرائها ، إعترافا بنضاله السياسي و العسكري . ظل الحال على ذلك إلى غاية سنة 1890 ميلادية . 

لقد رأى المستشار الألماني "بسمارك" ، أنه من الأجدى و الأنفع أن تنحصر جهوده بعد ذلك ، حول الحفاظ على مكاسب الدولة الألمانية السياسية و العسكرية من الحرب في اوروبا . فكان من البديهي أن يعمل على نشر السلم و توطيد علاقات حسن الجوار مع بعض الدول المجاورة . و ذلك من خلال توقيع معاهدات سلام ، و أمن ، لكي يتسنى له التفكير في بناء الدولة ، و مستقبل الألمان . خاصة من الناحية الإقتصادية . و تمت هذه المعاهدات مع روسيا و النمسا و المجر سنة 1873 ميلادية .

على العموم ، فإن هذه الإمبراطورية تمكنت في ظل النظام القيصري ، و خلال نهاية القرن التاسع عشر ، و بداية القرن العشرين . أي فترة العظمة و التوسع ، من الهيمنة السياسية على كامل الدول الأوروبية . لقد تلونت سياسة ألمانية القيصرية الخارجية بعد ذلك بالعدوانية و الشدة في علاقاتها مع غيرها . و كان ذلك من الطبيعي ، إذانا بتوتر الأجواء السياسية ، و إضطراب أحوال الأمن بينهم . ظل الحال على هذا المنوال إلى غاية إنهيار الإمبراطورية الألمانية تماما .

أن نهاية الإمبراطورية الألمانية كانت جد قاسية على الأسرة المالكة بعد فقدانها المجد التاريخي الذي ضحى من أجله "بسمارك"  فبعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى سنة 1918 ميلادية أجبرت الثورة الشعبية قيصر "فيلهالم" على التنازل عن العرش و مغادرة التراب الوطني إلى الدولة الهولندية . بعد نجاح الثورة التي قادتها الشعب الألماني ببسالة ضد الأسرة الملكية تم الإعلان في الأخير عن قيام اول جمهورية ألمانية . 

 للأسف إن عظمة الرجال لا تبقى و لا تورث ، إنها تنتهي بإنتهاء صاحبها مثل "واشنطن" و "لينكولن"  أو تسقط بسقوط صاحبها نتيجة الغدر مثل "الأميرعبد القادر" الذي تعرض للغدر في عز المقاومة ، أو تستغل من قبل الأخرين مثل "بسمارك" الذي صخر لخدمة العرش الإمبراطوري مقابل منصب سياسي و غي الأخير إجبر على الإستقالة.  


  1. جورج واشنطن : أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية . من مواليد 1832 ـ 1899 ميلادية .
  2. أبراهام لينكولن : رئيس الولايات المتحدة السادس عشر . وحد الشمال و الجنوب و حارب الإنفصاليين . 1809 ـ 1865 ميلادية .
  3. الأمير عبد القادر الجزائري : مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة . حارب الإستعمار الفرنسي . من مواليد 1803 ـ 1883 ميلادية .
  4. سورة التوبة الآية 123 .
  5. أتو فان بسمارك : أول رئيس للمملكة البروسية الألمانية . من مواليد 1815 ـ  1898 ميلادية . إنه رجل دولة و سياسي و عسكري كبير .

 
مصادر الموضوع : 
بول جونسون : كتاب جورج واشنطن . جونسون مؤرخ و صحفي إنجليزي من مواليد 1928 ميلادية .
محمود الخفيف : كتاب أبراهام لينكولن . مؤرخ و أديب و ناقد و شاعر روائي . من موليد 1909 ـ 1961 ميلادية 
نزار إباظة : كتاب الأمير عبد القادر العالم المجاهد . مفكر و ديبلوماسي و أديب سوري من مواليد 1923ـ 1998 ميلادية .
إيل لودفيغ : بسمارك . كاتب و مؤرخ لشخصيات سياسية تارخية هامة . من موليد 1881 ـ 1948 ميلادية .
 

google-playkhamsatmostaqltradent