recent
أخبار ساخنة

المسيحية تطرق أبواب الإمبراطورية الرومانية

أستاَََد أفغول عبد القادلر
الصفحة الرئيسية




المسيحية تطرق أبواب الإمبراطورية الرومانية
المسيحية-الرومان




إاستقرار الإمبراطورية الرومانية هو السبيل في نشر المسيحية.


في العهود الأولى من بعثة المسيح عليه السلام ، كانت الإمبراطورية الرومانية و الشعوب التابعة لها، تنظر إلى هذا التيار الديني الناشئ، و هو المسيحية، على أنه تهديد صارخ لها، يؤرقها و يقض مضاجعها و يثير مخاوفها، و يهدد مصالحها و مصالح الإمبراطورية برمتها، و من البديهي أن يتعرض معتنقو المسيحية الجدد في أراضيها ، إلى أنواع الإضطهاد و الجور و الغبن و التعسف من قبل حكام روما في جل الأحيان. 


و ظل إنتشار الدين المسيحي في هذه المناطق الجديدة، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، بطيئا متعثرا للغاية يراوح مكانه، ولم يكن ممكنا إلا بعد تثبيت الاستقرار، و توفير الأمن، و تحكم الرومان الكامل في منطقة البحر المتوسط الواسعة، حيث تمكن الرومان من توحيد جميع أجزائها و جعلها مستعمرة واحدة تابعة للإمبراطورية، يعمها نوع من السلم و إستقرار الأوضاع الإجتماعية و الرخاء التجاري.


 بعد الإستقرار السياسي و الإجتماعي الذي شاع تدريجيا في هذه المنطقة، منطقة البحر المتوسط صار تواصل و تعامل مختلف شعوب البحر المتوسط، الخاضعة للإمبراطورية ممكنا جدا فكان يتم عن طريق تداول اللغة اللاتينية اليونانية المشهورة آنذاك، و هي لغة الفكر، المعرفة و العلم أي لغة الحضارة و لغة التعامل بين مختلف أجناس الإمبراطورية.



 لقد ساعد هذا العامل المبشرين كثيرا في تيسير عمليات التبشير بالديانة الجديدة، و بتبليغ المسيحية لكافة سكان المدن، و المقاطعات الحضارية في أوروبا الجنوبية، غربها و شرقها. كان دور الدعاة في العمل التبشيري إلى الديانة المسيحية في تلك الفترة، بالفعل غير كاف على أحد بل كان يتم بطريقة علانية، و ظاهرة جدا للعيان، لأن الأمر في ظل تلك الظروف الهادئة، صار يقتضي الجهر برسالة عيسى عليه السلام. 


إنتشار المسيحية في الإمبراطورية الرومانية.


من أبرز المبشرين في ذلك الوقت القديس بولس الطرسوسي ،Saint Paul de Tarse ،حد أتباع عيسى عليه السلام كما يدعي، و أحد الرسل حسبهم،عاش في القرن الأول الميلادي، و مات سنة 67 أو 68 ميلادية في مدينة روما. لقد برع المبشرون في إتخاذ الوسائل و التدابير الناجعة للتعريف بالمسيحية و الترويج لها في المرحلة الأولى، منها رعاية المرضى و معالجة عللهم و إسداء النصح الوقائي لهم، و مواساة الفقراء و إعانتهم بالمؤن.



 هذه هي الأسباب الرئيسية في نظرنا، التي ساهمت في تثبيت المسيحية لدى الناس، و الإيمان بها على مر الزمان. يؤكد رودني ستارك ،Rodney Stark 1، ذلك في كتابه نشأة المسيحية. لقد شهدت الإمبراطورية الرومانية في الفترة المتأخرة، إنتشار الوباء المميت و المخيف بشكل مقلق جدا. مثل الوباء في فترة أنطوان 165 ـ 180 ميلادية ، وباء فترة كپريانوس 251 ـ 270 ميلادية ، و وباء فترة جوستنيان 541 ـ 542 ميلادية .



 وكانت ظاهرة إنتشار الوباء هذه، فرصة عظيمة لا تعوض، استغلها المبشرون في دفع عجلة الدين الجديد إلى الأمام. كما كانت أيضا فرصة للمجتمعات الرومانية النجاة من الوباء المميت. إن مساعي هؤلاء المبشرين المتطوعين الذين تفانوا في توفير الرعاية الصحية لهم يعود الفضل في نظرهم إلى دينهم ،الذي حثهم على ذلك. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوز إهتمامهم في محاربة الوباء إلى غير المسيحيين من الناس الذين يدينون بديانات وثنية مختلفة. 



 و هذا في حد ذاته كما أكد ستارك هو إنتصار ضمني للدين المسيحي، بحيث أن هذا الإعتناء الصحي و الوقائي بلا تمييز منهم، شجع الناس خلال الأوقات العصيبة و الحرجة على اعتناق الدين الجديد. في نفس الفترة الممتدة تحديدا من القرن الأول و الثاني الميلاديين ، كانت حالات تعرض المسيحيين للقمع منعزلة و متفرقة، و كانت مواجهة المسيحية من إختصاص الحكام الرومانيون المحليون فقط، فهم الذين يتصدون بكل قوة للمسيحية من محض إرادتهم، و وفق مزاجهم، و دون أمر أو أي سند قانوني صادر عن الإمبراطور و لم تكن معاملة الشعوب الوثنية لهم سيئة أبدا.


حريق روما الكبير .


 و اتهم الإمبراطور الروماني فيما بعد المسيحيين و اليهود على السواء، بالتسبب في حريق روما الكبير سنة 64 ميلادية، ومن جراء ذلك قام باضطهاد مسيحيي روما و اليهود و معاقبتهم معا. كانت تلك العملية مقتصرة على مدينة روما فقط. بيد أن الفترة الممتدة من القرنين الثالث إلى الرابع الميلادي، بدأ المجتمع المسيحي الفتي في النمو و الإتساع بشكل كبير ملفت للنظر، ما جعله يعيش حالات إستفزاز و تعسف و ضغط متزايد و مستمر من قبل الأباطرة المتعاقبين على عرش روما، فهم الذين صاروا يقودون هذه المرة حملات القمع و التصدي الواسع لأهل هذا الدين.



 لقد وضع الأباطرة المتعاقبون على عرش روما، سياسة التضييق و خنق هذه العقيدة، و قهر معتنقيها و إضطهادهم بصفة مباشرة و علانية. فتزايد الإضطهاد في مدينة الإسكندرية أيام فيليب الإمبراطور العربي، أو كما هو مشهور Marcus Julius 2، و صار على منواله ديسيوس Decius 249 ـ 251 ميلادية. 3، و قد طلب هذا الإمبراطور من الشعب الروماني سنة 249 ميلادية، تقديم الذبائح للآلهة بمناسبة عيد الشمس التي لا تقهر و الإهتمام أكثر بالإحتفال به، نكاية بالمسيحيين و هو عيد الوثنيين في كل سنة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر.
  1. رودني ستارك: ولد سنة 1934 ميلادية. باحث أمريكي و عالم إجتماع، مختص في دراسة الديانات.
  2.  الإمبراطور فيليب العربي و هو سوري الأصل و لد سنة 204 ـ 249 ميلادية . 
  3.  الإمبراطور ديسيوس ولد ما بين 190 أو 200 ميلادية.



المسيحيون في عهد الإمبراطور الروماني Diocletian 1.


لقد عاش المسيحيون الجدد في عهد الإمبراطور ديوكلتيانوس Diocletian1 . أكثر الفترات معاناة من الضيم، و القهر و الإذلال و الإهانة و التهميش في المجتمع. في إطار سياسة التضييق على العقيدة المسيحية. أصدر هذا الإمبراطور سلسلة من المراسيم التنفيذية منذ عام 303 ميلادي تقضي:


  •  أولا: 

بمنع الخدمة العسكرية للمسيحيين.

  •  ثانيا:

 سجن القساوسة و الأساقفة الساهرين على تبليغ المسيحية.

  •  ثالثا:

 إتلاف كتب المسيحية المقدسة و تدمير أماكن العبادة.

  •  رابعا:

 منع المسيحيين من التجمع للعبادة. و طلب في الأخير من القضاة تنفيذ ذلك، و أن يكون حكمهم دون إراقة الدماء. 



 لكن على الرغم من ذلك ،لم يأبه أحد لطلبه و مارس القضاة المحليون في غالب الأحيان حكم بالإعدام في حق المسيحيين وفق ،ما يتمتعون به من صلاحيات قانونية تخول لهم العبث بأرواح الأبرياء. و حسب التقديرات آنذاك، أدى الاضطهاد في عهد ديوكلتيانوس ،إلى القضاء على حوالي 3500 مسيحي من سكان الإمبراطورية.



علاقة المسيحيين بالرومان.


كان المجتمع الروماني الوثني يمقت هذه العقيدة مقتا كبيرا في بداية ظهورها، و أثناء نشأتها و إنتشارها في الإمبراطورية. و أن الكثير من متتبعي تاريخ المسيحية في الدولة الرومانية، يعتقدون أن السبب في هذا النفور و الكراهية للعقيدة المسيحية من قبل الرومان يعود أساسا إلى شعورهم بالخطر يهدد معتقداتهم و ثقافاتهم التي تمجد مبدأ تعدد الآلهة.



 و بإختصار فإن مخاوف الرومان هذه تتجلى في أن المسيحيين يستنكرون بشدة و يعارضون علنا، الأعتراف بالتقاليد و الثقافة الرومانية القديمة، و يتجنبون العمل بها لصالح الرومان. هذه الأسباب التي تبدو معقولة هي التي كانت العامل المغذي لهذه الخصومة و النفور بين المسيحيين و الرومان. 



و مع هذا فإن هذه الأسباب، تبقى قليلة جدا إذا ما نظرنا إلى حجم مضايقة الرومان للمسيحيين في تلك الفترة إن الحقيقة التاريخية التي فسرت لنا بإسهاب رفض الرومان للمسيحية كعقيدة توحيدية في بداية الأمر، و إنتقادهم لها، كانت مقيدة بشكل دقيق في أضخم المراجع الرومانية، تم للآسف حرقها من قبل الكنيسة فيما بعد، بأمر من الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني Theodosius 2 سنة 448 ميلادية. 



أهم أسباب معاناة المسحيين من قبل الرومان.



من أهمها كتابات الفيلسوف فورفيري 3 . إن النظرة السلبية لدى الرومان تجاه العقيدة المسيحية، تظل أسبابها قاصرة ضئيلة و غير منطقية و لا مقنعة بتاتا، بنسبة تجعل المرء لا يطمئن إلى سداد و معقولية رفض هذه الديانة من قبل هذه الدولة العظيمة. و رغم هذا فإننا نعلم جيدا من خلال بعض المصادر التي تركها القلة من علماء اللاهوت، أن الرومان كانوا يجلون أسلافهم و يوقرون أجدادهم إلى درجة أنهم إعتبروهم آلهة، أو في مرتبة الآلهة، وكل ما يخالف ذلك عندهم فهو جاهل أو متجاهل. 


إن ما يجب أن يقال هو أن الرومان لا يقبلون من أي أحد أن يشعرهم بالاحتقار، و ينتقد ديانتهم أو ثقافتهم. و لا يرضون من أية عقيدة أن تعيب آلهتهم، أو تهملهم، و لا تهتم بهم. يبين لنا الإمبراطور الروماني جوليان المرتد Julian 4 في بعض كتاباته، هذا الشعور السلبي اتجاه الرومان


 فيقول: لماذا يهتم الله فقط بأرض يهوذا Juda؟ إذا كان حقا إلها لنا كلنا، فلماذا يهملنا نحن.




لقد أطلعنا التاريخ أن الشعوب و الأمم في الحقب التاريخية الماضية، لم تتنازل بسهولة عن قيمها الحضارية، الفكرية منها و الدينية، و بالتالي لم تقبل الإنحلال في حضارة ذات قيم غريبة عنها و عن أسلافها. بل كافحت من أجل موروثها الحضاري الذي ترى فيه تعبيرا عن هويتها و كيانها الذاتي ضمن الأمم.



 أن الشعوب اليونانية و الرومانية رفضت المسيحية رفضا مطلقا من قبل السلطة و الشعب على السواء، و إطضهدوا أتباعها و رأوا أن الرضوخ لهذا الدين الجديد، إهانة لهم و لأسلفهم، و إنتقاصا لفكرهم و دينهم. لكن تكييف المسيحية من قبل رواد الكنائس الكاثوليكية و المجامع المسكونية كي يوائم المشاعر الروحية لهذه الشعوب ما جعلها ترتاح أخيرا للمسيحية المكيفة من التوحيد إلى التعددية.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر.

  1. الإمبراطور ديوكلتيانوس ولد في إيطاليا سنة 245 ميلادية. 
  2.  الإمبراطور ثيودوسيوس ولد سنة 401 ـ و مات سنة 450 ميلادية. 
  3.  الفيلسوف فورفيري ولد سنة 234 ـ 305 ميلادية. 
  4.  جوليان المرتد ولد سنة 331 ـ 363 ميلادية. دعا إلى تقنين العقيدة اليونانية و الرومانية، عوضا عن تنصير المجتمع الروماني .

المسيحية تطرق أبواب الإمبراطورية الرومانية
أستاَََد أفغول عبد القادلر

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent