recent
أخبار ساخنة

الخليفة ابو بكر يتسلم أمور الأمة الإسلامية


الخليفة ابو بكر يتسلم  أمور الأمة الإسلامية
الخليفة ابو بكر 




 أبو بكر رجل الخلافة 


بدأ نظام الحكم في الدولة الإسلامية إبان خلافة "أبي بكر الصديق"  يتجلى بالشكل الذي ناقض كلية مثيله في الفرس،  أو بيزنطة ، أو الرومان . هذه الدول التي إعتمدت في سالف الأزمنة ، على النظام الملكي الإمبراطوري .  فكان الملك ، أو الإمبراطور يومذاك يسوس أمور رعيته بصفة فردية  مطلقة . فالسلطة ظلت في قبضتهم لا يشاطرهم فيها أحد من حواشهم . و لا يتجرأ أيا كان مقداره ، أو منصبه في المملكة على نقدها ، أو مجرد التعبير عن إستيائه  منها ، نظرا لما كان يراه من إضطراب ، أحوال الناس ، و إستفحال  الضيم ، و الجور في أوساط المجتمع . و كثيرا من الأحيان كان الملك يضع نفسه مقام الآلهة ، أو نيابة عنها في إدارة شؤون الشعب . فكان يرتدي بذلك ثوب القداسة التي يراها صونا   عن أطماع خصومه ، و حصنا من مؤامرات أعدائه ، مثل ما فعل فرعون مصر ، و أبرويز كسرى فارس . و يصل البعض منهم إلى حد إرتكاب أفظع الجرائم في حق أسرته ، ليظل متمسكا بالعرش ، مثل ما فعل قسطنطين الأول على سبيل المثال . و التاريخ الإنساني يحتفظ لنا بالكثير من هذه الصور البشعة التي مكنتنا بحق من الإطلاع على  مظاهر ظلم الحكام لرعاياهم عبر التاريخ .          


                                                  

إعتلى الخليفة  "أبو بكر الصديق" سدة الحكم ، و هو متشبع بتعاليم الإسلام ، و بثقافة العدل ، و الإنصاف المستمدة  أساسا من مرجعية المسلم الوحيدة المتمثلة في الكتاب و السنة . جاء إلى الخلافة ليخالف كل المناهج ، و الأعراف السياسية المتبناة في ذلك الوقت من قبل الحكام ، في تسيير شؤون دولهم ، و مجتمعاتهم  . لقد وصل إلى الخلافة ليتحمل عبء الأمة الإسلامية كاملا ،  في ظروف سمحت للأخطار الداخلية ، و الخارجية بمحاولة إجهاظ مشروع تأسيس الدولة الإسلامية الكبرى . و يتساءل المرء كيف لشخص لم يمارس السياسة قط ، أن يتقدم لخلافة أمة لم تتعاف بعد من صدمة وفاة رسولها . و يحاول في آن واحد رأب الصدوع ، التي كادت أن تصيب مفاصيلها جراء تعاظم الأطماع و حب إثارة الفتن ، و محاولة التملص من العقيدة ، و التعصب للقبيلة ، و إغتنام البعض هذا الظرف للعودة إلى الحياة الجاهلية .



معالم سياسة  الخليفة ابو بكر 

 بويع "أبو بكر الصديق" خليفة في سقيفة الساعدة أولا من قبل وجهاء القوم . ثم أتبع ذلك بيعة عامة في مسجد النبي ثانية من قبل الأمة . و بهذا نال الصديق شرف الخلافة دون منازع . حدد أبو بكر الصديق ، و هو على المنبر المعالم الكبرى لسياسته في قيادة أمة الإسلام الحديثة

       

 فقال لجمهرة المصلين في المسجد و للأمة قاطبة ما يلي : أما بعد أيها الناس فقد وليت عليكم و لست بخيركم . فإن أحسنت فأعينوني و إن أسأت فقوموني . 

الصدق أمانة و الكذب خيانة . و الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله . و القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله . لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا خذلهم الله بالذل . و لا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالوبلاء . أطيعوني ما أطعت الله و رسوله . فإن عصيت الله و رسول فلا طاعة لي عليكم . قوموا إلى صلاتتكم يرحمكم الله . إنتهى النص . 1.


في هذه الخطبة القصيرة ، بين الصديق للناس الخطوط العريضة لسياسته في الحكم ، التي تنبني على العدل و سياسة حسن التعامل بين الحاكم و المحكوم ، و الإجتهاد في حماية المجتمع من الآفات ، و الإعداد للجهاد في سبيل الله والذود

عن وحدة الأمة .


إن التوجه الثوري لخليفة المسلمين "أبي بكر الصديق"  في ميدان الحكم ، و السياسة يستدعي منا أن نتعرض له بشيء من التبيان . لقد وظف هذا العملاق بمهارة نادرة ، و غير معهودة كل النصوص الشرعية الدالة على حكم الأمة ، و تسيير شؤونها ، و الدفاع عن وجودها . إنه تميز بالتفقه ، و الكفاءة الفكرية  الواسعة لإستنباط  المبادئ العامة التي أقام على أسسها دولة المسلمين . فالشريعة في عهد خلافته ، هي القرآن الكريم ، و السنة النبوية الشريفة و هما اللذان يعتبران عند المسلمين المرجعية التي تسمو فوق الجميع . يخضع لها الحاكم ، و المحكوم معا . ولا يمكن له الحياد عنها قيد أنملة . و هو الذي صرح للأمة بقوله : أطيعوني ما أطعت الله و رسوله فإن عصيت الله و رسوله فلا طاعة لي عليكم . و كان هذا التصريح إعلانا صريحا ، و شجاعا على أنه مقيد بالكتاب ، و السنة ، و لا يمكن له بحال من الأحوال ، أن يحيد عنه و يحكم حسب هواه ، أو مزاجه ، أو أن يعود لإجتهاده الشخصي مع توفر النص الشرعي له .  


       قال الله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا . 2.




نضال ابو بكر الصديق في قيادة الأمة الإسلامية  

إن بصيرة "أبي بكر الصديق"  الثاقبة جعلته يعي ما للأمة الإسلامية من دور فعال في : المآزرة ، و الإعانة ، و المناصحة ، و المناصرة ، و متابعته أعمال الخليفة  في أمور الدين ، و السياسة ، و الجهاد . إن السياسة التي إنتهجها في حكم هذه الأمة ، هي تلك السياسة التي تخضع مباشر للكتاب و السنة . فإنها سياسة لا تجود له بأية نهزة في الإستئثار بالسلطة ، و الإنفراد بها ، مثل ما كان الحال عليه في الممالك ، و الإمبراطوريات السابقة . بل أن الأمة الإسلامية حسب النصوص الشرعية لها الحق في مراقبته ،و محاسبته ، و الوقوف أمام أطماعه لأن الشخص بداهة معرض للخظأ ، و بالتالي فإن وضع الأمة الفعال ، سيكون له سندا فسيعطيه الثقة بنفسه على الإصابة في جلب المنافع ، و درء المفاسد عنها  و هذا ما بدا واضحا من خلال خطابه أثناء بيعته الثانية في المسجد . حيث قال فإن أحسنت فأعينوني ، و إن أسأت فقوموني . إن الخليفة "أبي بكر الصديق"  يعلم أكثر من غيره أن الكمال ليس من شيمة الإنسان ، و أن إجتهاداته ستظل قاصرة إن لم يستعن بنخب الرعية الصالحة في تدبير أمور الدولة . و أن البيعة في الأساس ما هي إلا تفويض الأمة الإسلامية للخليفة  بحكمها و إدارة شؤونها . و لم تكن أبدا موروثة ، و محصورة في سلالة معينة في ظل الجو الإسلامي الجديد . 

إن إعتبار الدستور الإسلامي المتمثل في النصوص الشرعية . و وعي الأمة و يقظتها و حيويتها هي الدعائم الوثيقة في ترشيد سياسة الخليفة ، و تقويمها . وبالتالي  تسهيل مهامه في شتى المجالات . و هذا ما أعطى للصديق دفعا قويا في تنفيذ ما هو جدير بمنزلة هذه الأمة . لقد أوجب بداية العدل و المساواة بين أفراد الرعية ، و جماعاتها مهما كان مستواهم الفكري ، أو الإجتماعي ، أو الإقتصادي . إن هذا المسعى سيؤدي حتما إلى تكوين مجتمع إسلامي راقي ، تشيع فيه قيم العدل و المساواة . و يتمكن الفرد فيه من نيل حقه بأيسر السبل دون جهد ، و لا معاناة . وكذلك  الشعور بضرورة قيامه بالواجبات المفروضة عليه تجاه دولته .

 قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ  .3. 


قضايا المسلمين في عهد ابو بكر الصديق  

 أن تطبيق قيم العدل و المساواة في مجتمع الجزيرة جعل منها الصديق دعوة إلى الإسلام . فالإسلام يلغي الفوارق الإجتماعية بين سائر الناس . لا فرق بين عربي أو أعجمي ، أو بين الحاكم و المحكوم . فهم سواسية أمام الشرع الإسلامي . وأن ممارسة هذه القيم هي كذلك  ثمرة سيستلذ  بطعمها كل ضعيف ، و مظلوم أو مقهور . و هكذا تحقق في أيامه العدل و المساواة بين الناس . و بالتالي رضيت الأمة بسداد خلافته . 

قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ . 4

كان "أبو بكر الصديق" ينفق على الرعية كل ما كان في بيت المال المسلمين بالتساوي . فلا يفاضل بين الحر ، و المملوك أو الرجل ،  و المرأة . بهذه الطريقة المثالية وفر الصديق الطمأنينة ، و الإرتياح في قلوب المسلمين ، بأن حقوقهم مضمونة لا ريب في ذلك . إن الرجل كان صادقا في إيمانه مع الله ، و صادقا في الدعوة مع الرسول ، و صادقا في الخلافة مع الأمة  الإسلامية . إنه بعيد عن الخيانة الأمة ، و خداعها ، و لا يمكنه ذلك وهو صاحب رسول الله محمد (ص) في أصعب المواقف . و هو الذي قال الصدق أمانة و الكذب خيانة . 

يقول النبي : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لا ينظر إليهم و لهم عذاب أليم شيخ زان و ملك كذاب و عائل مستكبر . 

يرى "أبو بكر الصديق:" أن الجهاد في سبيل الله عمل مقدس ، يجب أن تتميز به الخلافة الإسلامية على مر الزمان . فهو  الذي يمنح لها قدرة الدفاع عن القيم السامية ، و الأخلاق الرفيعة التي جاء بها القرآن الكريم . و  بفضله كذلك تتمكن الأمة الإسلامية من تصدير مبدأ الشورى إلى الأمم الأخرى ، كي  تستيقظ ضمائرها، فتحرر نفسها من التسلط الفردي المطلق،   و تتهيئ بعد ذلك للعيش في أجواء نقية تتوفر فيها نعمة الحرية ، و العدالة و المساواة . و أن الأمم التي تتخاذل عن الجهاد حسبه ، و تتقاعس عن الإهتمام به ، ستفقد هيبتها و حرمة ترابها ، و وحدة و تماسكها . و تصبح مسرحا للفتن ، و الحروب . و هو الذي قال : و ما ترك قوم الجهاد في سبيل الله ، إلا خذلهم الله بالذل . لقد تمرس "أبو بكر الصديق" كثيرا أيام الرسول على الجهاد ، و شارك في جميع غزواته ، فأدرك حينذاك شأن الجهاد و قدره . و بالتالي جعل منه مصدر الطاقة الفعالة لفتح أبواب الدعوة  الإسلامية ، كي  يكتسح صداها أقطارا جديدة في العالم . 

و من ضمن معالم سياسة الخليفة التي تبناها أثاء حكمه . هو السعي إلى تطهير المجتمع من الفواحش ، و الرذائل التي خلفتها الحياة الجاهلية في العرب . و جميع التصرفات المنافية   للإسلام . لكي يستقيم أفراده في جل أحواله . و يتهيأوا  للبناء الحضاري في رحاب الدولة الإسلامية المنشودة . إن الله بعث وحيه إلى أمرؤ إستقامت أخلاقه ، و عظمت . و هو النبي . فصار أهلا لحمل رسالة الإسلام و نشرها . و بعد الرسول محمد (ص) ، بصر الله الأمة لإختيار الصديق . فأدرك الصديق أن رقي هذه الأمة ، و تحضرها ، و علو شأنها لا يتأتى إلا بالأخلاق الكريمة . فالأخلاق الرفيعة هي الحامي الأساسي لبقائها . و هي الدافع القوي لصناعة مجدها . و الله يحذر الأمة من الإنجذاب إلى حياة الفحش ، و الرذيلة . لأنها من أسباب إندثار الأمم ، و الشعوب بأكملها و إنتهاء تاريخها إلى الأبد .                                          

 قال الله تعالى وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا . 5.                                      

 إن الصديق كان مثالا أعلى في الأخلاق القويمة إقتداء برسوله .  فعلى الأمة أن تواصل التمسك بهذه الأخلاق . فإنها هي الحياة الحقيقية لها . و أسباب بقائها بين الدول .


  

 



  1. خطبة أبي بكر الصديق القصيرة .                                                                                                                          
  2.  سورة النساء الآية 105 .                                                                                                                                                                         
  3. سورة المائدة الآية 8 .                                                                                                                                                                                 
  4. سورة الحجرات الآية 13 .                                                                                                                                                               
  5. سورة الإسراء الآية 16 .

google-playkhamsatmostaqltradent