recent
أخبار ساخنة

عواقب التحدي النووي الأوكراني 1:

 



عواقب التحدي النووي الأوكراني
 التحدي النووي الأوكراني






السعي إلى إمتلاك منشآت الطاقة النووية 


في الفترة الأخيرة من هذا القرن، تهافت الكثير من دول العالم في الظاهر ، على إمتلاك تكنولوجية الطاقة النووية السلمية. قصد تقوية البنى التحتية للإقتصاد، و تسيير مرافق الحياة العامة الأخرى . إن الطاقة النووية المحولة إلى كهرباء، أساسيةٌ للصناعة القاعدية على الخصوص. و كذلك الرغبة في التقليل من الإعتماد مصادر النفط ، كانت دول الشرق الأوسط من بين الساعين إلى إلى تحقيق هذه الغاية . و فعلا أن بعضها وصل إلى تشييد محطات نووية، و إمتلاك التكنولوجيا اللازمة بنجاح . مثل إيران و إسرائيل و كوريا الشمالية .  و أخفقت أخرى مثل العراق و ليبيا اللتان دمرتهما الحرب الأمريكية. هذه المساعي الحميمية في ميدان الطاقة النووية، و التي كُلل معظمها بنجاح، زادت من قلق المجتمع الدولي . خاصة إذا علمنا، أن الدول المتقدمة كانت سباقة إلى تطوير التكنولوجيا النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية، و لإستخدامها في صون أمنها القومي. و على سبيل المثال فإن العالم  الأوروبي، يملك اليوم 138 محطة نووية، و تملك روسيا 38 محطة نووية و الدولة الأوكرانية  15 محطة نووية

هذا الواقع لا يفسر أبدا، أن بعض الدول ليست لديها نوايا مخالفة لذلك. أجل أن ألمانيا لا ترى ضرورة الإعتماد على الطاقة النووية، و يمكن الإعتماد على مصادر بديلة. أن هذا البلد يريد التخلص منها في أسرع وقت ممكنٍ. نظرا لتداعياتها الوخيمة عند الأخطاء التي تؤدي في الغالب إلى كوارث بشرية . مثل ما حدث في "التجارب النووية الفرنسية في الجزائر 1960 ميلادية اليربوع الأزرق". و كذلك التجارب النووية في بولينيزيا 1966 ـ 1996 ميلادية.، كارثة اليابان فوكوشيما 2011 ميلادية.    


الواقع الأوكراني النووي 


إذا فتحنا ملف أوكرانيا النووي، يبدو أن هذه الدولة لا تقل أهميتها النووية عن دول أوروبا المتقدمة . و يتضح لنا ذلك من خلال المعطيات التالية: في سنة 2014 ميلادية، أنتجت أوكرانيا 49 % من إحتياجاتها العامة من الكهرباء، ذات مصدر نووي. و هي في حاجة ماسة إلى المزيد، لتشغيل دواليب الإقتصاد على الخصوص. و في سنة 2016 ميلادية، وصلت أوكرانيا إلى المرتبة السابعة في العالم، من حيث الإنتاج الطاقوي النووي السلمي. أما الآن صارت بحوزتها 15 مفاعل نووية منها: ستة مفاعل نووية في "زابوريزهزهيا". و ثلاثة في المنطقة الجنوبية من البلاد. و أربعة في منطقة "ريفني". و أثنين في "خميلنتسكي" . بالإضافة إلى محطة "تشرنوبيل" المعطلة . كما لديها أربعة محطات خارج الخدمة.  

ليس غريبا حسب هذه المعطيات العلمية، كون أن أوكرانيا كانت في التسعينات أكبر خزان للأسلحة النووية. يفوق مخزونها ما كانت تحوزه في ذلك الوقت: فرنسا بريطانيا و الصين. و إلى جانب ذلك، كانت تملك أقوى أسطول بحري للقاذفات النووية السوفياتية . و من البديهي أن العز النووي الذي تمتعت به هذه الدولة، كان بفضل تبعيتها للإتحاد السوفياتي سابقا، كجمهورية نووية في الخطوط الدفاعية لمجابهة الحلف الأطلسي المتمركز في أوروبا. 


هفوة أوكرانيا في معاهدة "بودابست" 1994 ميلادية


بعد زوال الإتحاد السوفياتي من خريطة العالم الجغرافية، حدث جدال دبلوماسي كبير، بين أوكرانيا و روسيا و الحلفاء الأوروبيين، حول مصير الترسانة النووية الموروثة عن عهد السوفيات البائد. تجلت رغبة أوكرانيا، أن تصبح دولة غير نووية،، آمنة من كل أخطار الإشعاع، و كوارث الإنفجار النووي. خوفا من تكرار حادثة إنفجار "تشرنوبيل" حسب "ماريانا بودجيرين" الباحثة في جامعة هارفارد الأمريكية. لكن هذا لا يَعُدُ سببا كافيا أو وحيدا لهذه الرغبة. بل أن القادة العسكريين القدامى لهذا البلد، لم تكن لديهم آنذاك الكفاءة التقنية اللازمة لتسيير هذه الترسانة، أو حتى معرفة نوعية الأسلحة التي تمّ نشرها في جمهوريتهم. اما القادة الجدد كان همهم الوحيد، هو فك الإرتباط عن موسكو نهائيا.


بعد هذا الجدال، حسم الأمر في نهاية المطاف سنة 1994 ميلادية . و تخلت السلطة الأوكرانية بمحض إرادتها عن كل الممتلكات النووية الموروثة عن السوفيات. و كان المقابل ضمان أمنها القومي، و إحترام إستقلالها، و سيادتها من قبل الدول العظمى . لاحظ المحللون السياسيون، أن أمريكا كانت أشد حرصا على تجريد أوكرانيا من سلاحها النووي.          يقول "أوليكسي دانيلوف" ، أمين مجلس الأمن القومي، و الدفاع الأوكراني : تخلت بلادي، بناء على طلب الولايات المتحدة الأمريكية عن 176 صروخا بالستيا عابر للقارات و 6000 رأس نووي.


ما يلفت الإنتباه بحق في "معاهدة بودابست" أنها لم تصل إلى درجة إتفاق ملزم قانونيا. بل هي مجرد مذكرة تفاهم بينهم.  و تبين بعد ذلك أن أمريكا لم تقدم لأوكرانيا ضمان الأمني الكامل، مثل ما تقدمه لحلفائها الأوروبيين. بمعنى : أي إعتداء عليها يعتبر إعتداء على الحلفاء . لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أن تجريد أوكرانيا من السلاح النووي الروسي، كان محل خلاف شديد بين السلطة، و الجيش الأوكراني، بحيث أن من غير المعقول في نظر الجيش، أن يتخلى عن أسلحة نووية متطورة، التي هي الوسيلة لردع أي عدوان متوقع على البلاد.


رغبة أوكرنيا في تأهيل الترسانة النووية 


إن الحسرة الكبير على ضياع فرصة التمكن من السلاح النووي الروسي بهذه السهولة،  إجتاحت فيما بعد الدوائر السياسية و العسكرية. و أفصح الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" في مؤتمر "ميونيخ" للأمن بوضوح، على أنه من الممكن جدا أن تنسحب بلاده من معاهدة "بودابست" سنة 1994 ميلادية. التي ألزمتهم آنذاك عن التخلي عن أضخم سلاح نووي روسي متقدم جدا . و أكد أن بلاده تحاول بكل إصرار لإنتاجه و تطويره من جديد . هذا التصريح العمدي أُخذ على محمل الجد من قبل "فلاديمير بوتين" . و إعتبر أن ما تعتزم أوكرانيا القيام به في هذا الإطار، ستكون عواقبه وخيمة علينا و على ما يحيط بنا. كان "فلاديمير بوتين" يفكر يومها بجدية في إرغام كييف على العدول عن هذا الطموح بكل الوسائل الممكنة. حتى لو أدى ذلك إلى التدخل العسكري . إنه لمن المفارقة العجيبة هنا أن هذا السلاح النووي بدلا أن يحمي البلاد، أصبح ذريعة للتدخل الروسي بالقوة.  


إمكانية أوكرانيا تطوير القدرة النووية


من الممكن حسب الباحثة "ماريانا بودجيرين" أن "أوكرانيا" لا زالت تحتفظ بالخبرة العلمية و التقنية اللازمة لتجسيد البرنامج النووي، رغم فقرها من موقع الإختبار النووي، الذي يؤهلها إلى تطوير هذه الأسلحة، و إحتياجها إلى الوقود النووي، و مرافق تخصيب اليورانيوم و معالجة البلوتونيوم لإنتاج الرؤس النووية. يمكن أن ينجز هذا البرناج خلال خمس سنوات ألى سبع سنوات حسب الكثير من الخبراء، لأنها أفضل مما كانت عليه "باكستان" و "كوريا الشمالية". لكن إذا نظرنا بشيء من الموضوعية، ندرك أن هذه الدولة تعاني من وضع إجتماعي، و سياسي قد يعيق تحقيق طموحها النووي. فمن الناحية السياسية، إن المؤسسات الحكومية الأوكرانية  مخترقة من قبل الغرب، خاصة أمريكا التي ترفض كل محاولات نووية في هذا البلد.  و من ناحية النسيج الإجتماعي، فإن نسبة سكانها من أصل روسي تساوي 17 % . بالإضافة إلى ثلث السكان يستعملون اللغة الروسية.  أن روسيا لا تقبل أبد أن يستعمل سلاحها، و إمكانيتها العلمية،       و التقنية في أوكرانيا ضدها في يوم ما . هذا ما شغل بال فلاديمير بوتين كثيرا .


مصادر البحث :

جريدة أخبار اليوم الجزائرية . العدد 13 / 04 / 2022 .

عربي بوست تقرير . 21 / 02 / 2022 .

بول كيربي .بي .بي .سي. نيوز. 26 / 20 2022 .

.

  



 

google-playkhamsatmostaqltradent