recent
أخبار ساخنة

كارثة تشرنوبل النووية


محطة تشرنوبيل النووية

Tchernobyl 





المحطة النووية "تشرنوبل"  Tchernobyl 


 تقع محطة "تشيرنوبل TCHERNOBYL" للطاقة النووية قرب مدينة بريبيات في شمال أوكرانيا السوفيتية سابقا، كان يعيش فيها آنذاك 120000 نسمة .تحتوي على أربعة  مفاعل شيدت  خصيصا لتموين سكان دولة "أوكرانيا"،  بنسبة 10 % من إحتياجاتهم العامة من الطاقة الكهربائية . تستعمل واحدة من هذه المفاعل في تطوير البحث العلمي" و الدراسات التقنية، و ترقية التجارب التكنولوجية النووية لتحسين و تنمية الإنتاج من الكهرباء . لكن القدر فاجأ سكان "تشرنوبيل" و "أوكرانيا" على العموم في تاريخ 26 أبريل 1986 ميلادية، بأكبر فاجعة إنسانية، و أضخم كارثة نووية في العالم و كانت واحدة من أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي. والتي لا زال سكان المناطق القريبة منها، يعانون من آثارها إلى غاية اليوم. 




التقصير في المراقبة التقنية للمفاعل النووية Nuclear Reactor 


يتساءل الإنسان في هذه الظروف الحرجة. أ يظل أمنه و سلامته، و طبيعة الأجواء التي يحيا فيها، مرهونة بمدى جدية هذه الدول النووية، المتزايدة في العالم كل سنة، أن  تتكفل بحمايته و السهر على أمنه . إن الواقع في الحقيقة يعكس لنا بصدق المخاوف المتنامية لدى سكان المعمورة في شطرها المتقدم.  بدليل أن ما حدث في مدينة "تشرنوبيل" ما هو إلا نتيجة التقصير في المراقبة التقنية للمفاعل النووية لأن الانفجار وقع على الساعة 1:23:45 لكن قبل الانفجار المفاعل الرابع  لمحطة تشرنوبل ب 12 ساعة  إجتمع دياتلوف مع بريوخانوف وفومين المسؤولون عن المصنع و قررو  تأجيل اختبار المفاعل لمدة عشرة ساعات وهذا بأوامر عليا لا يعرف مصدرها .

   

 لا زالت بعض الدول النووية، تتهرب من مسؤولية تحديث منظومتها التقنية الأمنية بوسائل المراقبة الدقيقة العصرية ، و أجهزة الصيانة  عالية التحكم ، من أجل ضمان سلامة شعبها، و البيئة التي يعيش فيها. يعزى هذا التهرب إلى تكاليفها هذه المعدات الباهضة الثمن. اكثر من هذا تكشف لنا بعض التقارير العلمية المتحرية عن أمر هذه المفاعل، أن دولا تجتهد في إنجاز مشاريع نووية، بإقتناء تجهيزات تقنية جد معاصرة بغية الوصول إلى صناعة القنبلة النووية. و تبحث بشكل سري للغاية على مادة اليورانيوم المخصب  Enriched Uranium لهذا الغرض. و لا عجب أن من بين هذه الدول "أوكرانيا" التي مرت عليها تجربة الإنفجار النووي و عاشت تداعياته بكل مرارة.



 الخسائر المادية و البشرية TCHERNOBYL 


لقد بينت كارثة تشرنوبل النووية، أن أبسط خلل ظهر في إحدى وحدات  هذه المحطة، عرض الإنسان إلى عواقب وخيمة . و دفع في أعقابها أغلى ما يملك في حياته. أن ما ذكرته التقارير التقنية في ذلك الحين، حول التدعيات الفورية لإنفجار وحدة المحطة النووية، كانت على إثر خلل في إحدى التوربينات التي تخفض الحرارة في إحدى المفاعل. إن حجم الفاجعة، و هول الكارثة لهذا الإنفجار تمثل في خسائر مادية و بشرية لا تقدر و لا يمكن تصور الخسارة و الإفلاس من جرائها. تعطلت الكهرباء نهائيا عن مدينة "تشرنوبيل" . أغلقت أبواب المنشآت الصناعية و توقفت كل المشاريع الإجتماعية و الثقافية في البلاد و أعلنت السلطات  الأوكرانية أن منطقة تشرنوبل TCHERNOBYL "منطقة منكوبة"بما فيها مدينة بربيات أنشأت خصيصا عام 1970 لإقامة العاملين في المفاعل.


 تم إجلاء أكثر من 100 ألف شخص من المناطق المحيطة بالمفاعل. أصْدِرت أوامر صارمة لمنع إستغلال الأراضي الزراعية والتي قدرت ب  1.4 مليون هكتار في أوكرانيا وروسيا البيضاء  بسبب إنتشار الإشعاع النووي و تلوث التربة و المياه. و نهيك عن خسائر البنوك المحلية في تلك الفترة،التي وصلت إلى ثلاثة مليارات دولار. 


أما الخسائر البشرية في نفس اللحظة، فكانت: 36 شخض من العاملين و رجال الإطفاء  في عداد الموتى و تقرير الأمم المتحدة يشير الى ان عدد من قتلوا بأربعة آلاف شخص وقالت السلطات الأوكرانية إن عدد الضحايا يبلغ ثمانية آلاف شخص.وشككت منظمات دولية  في هذه الأرقام وتوقعت وفاة ما بين عشرة آلاف وأكثر من تسعين ألف شخص نتيجة إصابتهم بسرطان الغدة الدرقية أما منظمة السلام الأخضرقدرت ذلك بوفاة 93 ألف شخص بسبب الإشعاعات الناشئة عن الحادث وقالت ألمانيا أن المنطقة المحيطة بتشرنوبل شهدت تصاعدا كبيرا في معدلات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية أكثر من أي أنواع أخرى من السرطان خاصتا من كانوا في سن 18سنة وقت وقوع الكارثة. وأشارت إحصائية رسمية لوزارة الصحة الأوكرانية إلى إن 2.3 مليون من سكان البلاد ما زالوا يعانون حتى الآن بأشكال متفاوتة من كارثة تشرنوبل النووية



حملات مكافحة الإشعاع النووي  Nuclear Radiation


إن النهاية السياسية  المحزنة التي كان على الساسة و صناع القرار القيام بها في "أوكرانيا"، هي إعلان "تشرنوبل" منطقة منكوبة، و على المجتمع الدولي تقديم المساعدات الإنسانية لها، و لابد أن يعيش الشعب الأوكراني الأمر الواقع .  هرعت على إثر ذلك إلى عين المكان فرق الجيش، و رجال مكافحة الحرائق، و الشرطة المحلية "لأوكرانيا" خلال سنة 1986 ـ 1987 ميلادية. و هذا قصد إحتواء الحطام المشع، و تطهير المناطق المجاورة للمفاعل . بلغ عدد المشاركين في هذه الحملات ما يزيد عن 350000 عنصرا. لم يدخر الإتحاد السوفياتي وقتذاك من جهته  جهدا في مكافة الحرائق و تنظيف المنطقة من الحطام . و بادرت في نفس السنة المؤسسات التابعة لهيئة الأمم المتحدة، و المنطمات غير الحكومية بطريقة تطوعية، بما يزيد عن 230 مشروعا صحيا، يتعلق بسلامة السكان. و إعادة تأهيل البيئة الطبيعة، لتبقى مصدر إنتاج الأغذية الصحية و النظيفة للإنسان الأوكراني.



إتساع دائرة الإشعاع خارج تشرنوبل 


من البديهي جدا، و من المنطقي أيضا أن دائرة الإشعاع واصلت الإتساع بشكل مخيف جدا خارج منطقة المفاعل النووية بفعل الرياح الهوجاء، إلى أجزاء شاسعة من "بيلاروسيا"، و "أوكرانيا" و "روسيا". إن حجم الكارثة الإنسانية لهذه الدول الثلاث وصلت إلى 8400000 شخص مصاب بالإشعاع. و هو عدد يفوق بكثير عدد سكان "النمسا". و من تداعيات هذه الكارثة، لم تسلم الأراضي الفلاحية من التلوث الإشعاعي، فقد أصيبت مساحة هائلة من أراضي الدول الثلاث هذه، قدرت 155 ألف كلم مربع ، و هي مساحة تقارب نصف مساحة "إيطاليا".  زيادة على ذلك، فإن أراض زراعية أخرى تعرضت لظاهرة التلوث، قدرت 52 ألف كلم مربع و هي مساحة أكبر من دولة "الدنمارك".                إن الإشعاع النووي إذا تخلص من سيطرة المراقبة، و التحكم لدى الإنسان المختص، نشر معه كما نلاحظ : الدمار و الموت و العقم  للبشر، و الكائنات الحية، و الأراضي التي يعيشون من غللها. هذه هي حالة الإنسان المعاصر الذي حكم عليه القدر، أن يعيش مدى حياته، على حافة الفناء و ينتظر المنية في كل لحظة .



  ONU في قضية تشرنوبيل 


في هذه الحالة الطارئة و المؤسفة ، بادرت هيئة الأمم المتحدة، و شركائها منذ سنة 1986 ميلادية إلى تقديم الإعانات إلى أهالي المناطق المنكوبة. و التي شملت بداية على تقييم الوضعية الصحية العامة للساكنة، و البيئة الطبيعية من حيث درجة سلامتها من التلوث بالإشعاع  Radiation Pollution، و تشخيص مختلف حالات الأمراض الناجمة عنه. كما أسدت بعض النصائح الوقائية لأهالي المناطق المتضررة، لحماية أنفسهم من خطورة الإشعاع الموجودة في المحيط، و المنتجات الزراعية و الصناعية . و سعت إلى ترحيل العديد منهم من مدينة "تشرنوبل" إلى مناطق صحية آمنة . أما الذين فضلوا العيش في بعض المناطق من "بيلاروسيا" و "أوكرانيا" و "روسيا"، و كان عددهم يقارب من خمسة ملايين نسمة خضعوا إلى تكفل السلطة والتي أرغمت على تقديم العناية فائقة و الراقبة مشددة لهم. 

في سنة 1990 ميلادية، تدخلت هيئة الأمم المتحدة بشكل رسمي، و حاسم في قضية "تشرنوبيل" بطلب من الإتحاد السوفياتي سابقا . و إلتمست  الجمعية العامة من الدول ضرورة تنسيق التعاون لمعالجة آثار التلوث، و إنعاش المنطقة. و ذلك بوضع برنامج لتنسيق الأنشطة، و حصر المبادرات الدولية للقضاء على هذه الظاهرة غير الطبيعية. و فعلا تكونت لجنة تنسيق رباعية، مكونة من وزراء البلدان الثلاثة : "بيلاروسيا" و "أوكرانيا" و "روسيا" .بالإضافة إلى منسق الأمم المتحدة. بدأ العمل إذن بشكل جدي في هذه السنة، نتيجة حضور هيئة الأمم المتحدة في تلك القضية، و سعيها الصارم للقضاء نهائيا على آثار هذه الفاجعة.  



التعاون الدولي لنجدة "تشرنوبل" 


بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي سنة 1991 ميلادية الذي كان يتحفظ دائما من تدخل الأجانب في شأن تشرنوبل ، و كان يتولى بنفسه الإشراف على معالجة ملف مخلفات الإنفجار النووي في المنطقة . سعت هيئة الأمم المتحدة بعد ذلك، سنة   1991 ميلادية إلى تأسيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية. تمثلت مهامه في تنسيق التعاون الدولي بشأن "تشرنوبيل" . تمّ كذلك إنشاء صندوق إستئماني لجمع المساهمات المالية من الدول . و في نفس السنة  أخذ المكتب على عاتقه مجموعة من المهام الإضافية و هي:  صياغة إستراتيجية عملية بغية تعبئة الموارد المالية لمكافحة مخلفات الإنفجار ، و توجيه مساهمات المانحين من بلدان العالم بطريقة عقلانية إلى المناطق التي هي في أمس الحاجة إليها. و كذا نشر التوعية الوقائية  الضرورية لسكان المناطق المصابة .

 في سنة 2001 صار مكتب الأمم المتحدة في البلدان المتضررة الثلاثة ، منهمكا  جدا في تطبيق برنامج الإنعاش البيئي، و الصحي. و المساهمة في تنمية و تنسيق بين جهود المساهمين لإنقاذ "تشرنوبل". و ما جاورها. أما في سنة 2002 ميلادية، إعتمدت هذه الهيئة إستراتيجية مغايرة. تمثلت في الإعتماد على إمكانية تشرنوبيل التنموية الخاصة، بدلا من المساعدات الخارجية. و لاحظنا بعد ذلك، أن هيئة الأمم سنة 2004 ميلادية، تجاوزت أعمال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، إلى تطبيق برنامج إنمائي إنعاشي للمنطقة. و كان من سمات هذا البرنامج : الحث على توفير المعرفة العلمية لترقية الحياة الصحية . الإسراع في التنمية الإقتصادية، و الإجتماعية للساكنة المحلية . و مساعدة الحكومات الثلاث في ترشيد الإنفاق المالي، فيما يخص شأن "تشرنوبيل" .



نهاية تشرنوبل المؤسفة 


إن منطقة "تشرنوبل" و ما جاورها، و التي سميت بالمناطق المحذورة، لم تعد آمنة على الإطلاق، و لا صالحة للحياة أبدا.  لقد صارت خالية من كل مرافق الحياة الكريمة و الضرورية: كالمدارس و مراكز الإستشفاء و الرعاية الصحية. إنعدمت فيها كل أنواع نشاط الإنسان من زراعة و صناعة و حرف و غير ذلك. أكدت وسائل الإعلام إستحالة الحياة العائلية في تلك المناطق، طبقا لما ورد على لسان أطباء الروس و أوروبا الشرقية . فنصح هؤلاء الأطباء النساء الحوامل بالإجهاض، و تجنب الولادة في هذه الظروف، تفاديا للتشوهات التي من الممكن أن تصيب المولودين.                     لقد تبنت النساء هذه النصائح و الإرشادات الصحية بعناية. لقد كانت مؤسفة جدا . قدرت عمليات الإجهاض ما بين 100000 ـ 200000 عملية في أوروبا.  


زيادة على ذلك و خلال السنوات الأولى من كارثة تشرنوبل النووية فإن الإشعاع النووي إبتلى الكثير من الرجال بالإضطرابات العقلية، و أمراض العيون،  بالأورام السرطانية، و بسرطان الغدة الدرقية اوامراض 

"متلازمة الإشعاع الحادة -Acute Radiation Syndrome -ARS" تجاوزت 5000 حالة في روسيا و بيلاروسيا و أوكرانيا .

 

و ما يؤسف كذلك، و يحز في ضمير البشرية أيضا. أن الغطاء النباتي الطبيعي لمنطقة "تشرنوبيل" و ما جاورها، أصبح  عقيما في أرض جدباء،  تعرف غاباتها بالغابات الحمراء الساطعة. لم تصمد هذه الثروة النباتية الطبيعية طويلا . إنتهى أمرها أبدا إلى الزوال بفعل الإشعاع النووي. أمام عظامة و هول الكارثة، أمر الرئيس الأوكراني "ليونيد كوتشما" بغلق المحطة النووية و إيقاف نشاطها نهائيا، سنة 2000 ميلادية . إن تقديرات الخبراء التقنيين يؤكدون عدم صلاحية المنطقة مدة 20000 عام مقبلة.


في نهاية هذا البحث المتواضع، نورد بعض ما جاء من أوصاف لحالات المصابين بالإشعاع النووي : في كتاب مشهور بعنوان " Voices From Chernobyl"  تصف لنا أرملة "فاسيلي إجناتينكو"، أحد رجال الإطفاء المتطوعين في حملة مكافحة الإشعاع النووي، الحالة الجسدية التي آل إليها قبل الموت . قالت كان يتبرز مخاطا دمويا أكثر من خمسة و عشرين يوما، و يتقيأ اجزاء من أعضائه عند السعال. و إنتفخ جسمه كثيرا عن وضعه الطبيعي، و تشوه أثناء الإحتضار. و ظهرت فيه بقع سوداء التي عمته كلية .

 إن الحضارة العصرية التي يتبجح بها الإنسان اليوم، و يتفاخر على غيره بها، ورطته في تخريب نفسه و غيره ، و المحيط الذي يستمد منه أسباب وجوده و حياته. إنها الحضارة التي فكر الإنسان المتقدم في تطويرها بإستمرار، إنه للأسف  يدري بأنها مصدر تعاسته و شقائه و شقاء المخلوقات التي تحيط به. 


مصادر البحث .

  1. محمد منصور : متخصص في الصحافة العلمية. 06 / 04 / 2021 .
  2. ريتشارد غراي تقرير في 30 /07 / 2019 .
  3. بشار قصاب . تقرير في 19 / 04 / 2019 .
  4. علي خيري . تقرير في 13 / 06 / 2019 .                                                                                            .  




google-playkhamsatmostaqltradent