recent
أخبار ساخنة

العصر الذهبي الفاتحون نحو الشام



العصر الذهبي الفاتحون نحو الشام
العصر الذهبي الفاتحون




 الفاتحون المسلمون  في الشام و مصر:

لقد تمرّن الفاتحون المسلمون  في العصر الذهبي على خوض غمار حروب شديدة الضراوة على جيرانهم الفرس. و عرفوا فيها الصبر ، و البعاد عن الوطن، من أجل إذاعة تعاليم الديانة الإسلامية السمحاء. إن الفتح الإسلامي المبارك الذي حمل لواءه أبطال العرب، جاء لتحرير "الأمة الفارسية"، و سائر الشعوب من ربقة العبودية، و سطوة الأباطرة المذلة، و كسر القيود التي وضعت لتهوين إستغلالهم و إدامته. إن الإسلام هو الدين السماوي الوحيد الذي نزلت رسالته لتبطل كل العقائد المضلة ، و المكبلة لإرادتهم، و طموحاتهم في الحياة الكريمة التي تتساوى فيها كل الأعراق و أصناف المجتمعات.إن من المؤكد عند سائر المؤرخين، أن نبل و سمو هذه التعاليم دفعت الفاتحين إلى تحقيق المزيد من الإنتصارات، رغم عواقب المعارك المستمرة مع جيوش الأعداء . أن واجب دعوة الناس إلى الإسلام، و نشره ليصل إلى كل الأمم كان هو المحفز الأساسي لإرادة القتال، و الظفر بالنصر في سبيل الحق و العدالة .


تحرير مدينة دمشق Damas :

تطلّع الفاتحون المسلمون و تحمسوا هذه المرة إلى جبهة الشام "بقيادة خالد بن الوليد". القائد العربي الذي كان له باع طويل، و دور عظيم في نشر الرسالة الإسلامية . حاصر "خالد بن الوليد" مدينة "دمشق" و دانت له بسهولة. و رغب سكانها في المصالحة . في هذا الظرف غيّر الخليفة "عمر بن الخطاب" قيادة الجيش و سلمها إلى "أبي عبيدة الجراح" عوضا عن "خالد " . و تواصلت مجريات المعارك بشكل طبيعي في المنطقة.


الفاتحون المسلمون في الأردن Jordan : 

 رأى البيزنطيون أن مواجهة  الفاتحون المسلمون المسلمين التي لا مفر منها، يجب أن يكون الإستعداد لها على أتمّ وجه . لأن الخطر بات يهددهم ، و يهدد حكم بلادهم في الشمال. أعدّ الروم جيشا جرارا من أهل الشام، و الأرمينيين ، بالإضافة إلى الجيش النظامي . قدّر عدد الجش بمائتي ألف مقاتل. أما المسلمون لقد تجهّزوا لمواجهة الروم بجيش يربو عن أربعة و عشرين ألف محارب، و إختاروا موقعا إستراتيجيا يعينهم على الإمداد و المواجهة، و هو وادي "اليرموك" بالأردن . في هذه المواجهة إنحاز عرب الشام الموالين للروم إلى إخوانهم العرب من المسلمين . جرت أحداث معركة "اليرموك" سنة 636 ميلادية . تكافأ الجيشان في العدد بسبب دعم القبائل العربية للمسلمين، لكن البأس و المهارة و الإقدام، كانت ميزة المسلمين في هذه الواقعة . و كان الإنتصار الساحق على جيش الروم واضحا، بحث أن الإمبراطور البيزنطي "هرقل" هرب من مدينة "إنطاكيا  Antakya" إلى "القسطنطينية Constantinople" و إستقر فيها متحسرا و متأسفا.


مدينة حمص Homs في قبضة الفاتحين المسلمين:

بعد إنتصار  الفاتحون المسلمين على الروم في وادي "اليرموك" ، واصل قادة الجيش إستكمال تحرير باقي المدن الشامية . و من أهم هذه المدن مدينة "حمص" التي رفض فيها بعض العرب إستقبال الفاتحين، و طلبوا إعانة الروم عليهم . تناهى الخبر إلى علم القائد "أبي عبيدة الجراح" فأخذ جيشا إلى وجهة مدينة "حمص" و إنضمّ إليه "خالد بن الوليد" و عسكروا على أطرافها . رأى "أبو عبيدة الجراح" أنه من الأجدى إطلاع الخليفة على ضرورة تزويده بما يلزم من المدد . كان الخليفة يتابع مجريات معارك المسلمين في الروم بإهتمام بالغ. و بالتالي سارع إلى تلبية مطالبهم من الجند ، و الخيل و الأسلحة في الظروف المواتية. كان حجم المدد الذي دعّم به الخليفة جيش القائد "أبي عبيدة الجراح" تحت إشراف أبطال العرب الذين توزعوا حسب المناطق المستهدفة و منهم: "القعقاع بن عمرو" ، "سهيل بن عدي" ، "عبد الله بن عتيان" ، "الوليد بن عتبة" ، و "عياض بن غنم". لقد تحررت في الأخير مدينة طحمص" و ما يحيط بها ، و سائر مدن الشام . و تفرق جيش الروم المهزوم،  و العرب الموالين له في أقاصي الجبال . إستقبل سكان هذه المناطق،  الفاتحين المسلمين بحفاوة منقطعة النظير،  لما لمسوه فيهم من وفاء،  و حماية لأعراضهم و ممتلكاتهم،  و أمن لأرواحهم،  و عدم إكراههم على إعتناق الإسلام بالقوة و القهر، كما كان يعاملهم البيزنطيون من قبل .


القدس الشريف يُسَلَمُ هدية للمسلمين :

نعلم أن مشوار الفاتحين المسلمين في إعلاء راية الحق في كل فطر من أقطار المعمورة،  يكلّفهم النفس و النفيس ، و يعرضهم لمجابهة كل أنواع المهالك . لكن نبل الدعوة الإسلامية،  و تمكين الشعوب المظلومة منها ، جعلهم يستسيغون حلاوة المغامرة ، و المجازفة بأرواحهم  إمتثالا لرسالة محمد رسول الله (ص). 

قال الله تعالى : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ . وَ عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ . وَ عَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ . وَ اللهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ . سورة البقرة الأية 216.

توجه قادة الفتح الإسلامي بعد ذلك إلى القدس الشريف Jerusalem ، زهرة المدائن تحت القيادة العامة لأبي عبيدة الجراح الذي قسّم جيشه إلى أربع فصائل،  كل فصيلة يقودها خبير في الشؤون العسكرية أمثال:  خالد بن الوليد ، يزيد بن أبي سفيان ، شرحبيل بن حسنة ، و غيرهم . ضمّ الجيش الإسلامي في هذه المهمة خمسة و ثلاثين ألفا من خيرة فرسان العرب . أقبل المسلمون على المدينة و إنتظروا من أهلها المواجهة و النزال،  أو الصلح مع دفع الجزية . قرر القوم في الأخير مواجهة الفاتحين التي دامت أربعة أشهر كاملة . كانت أشق على الجيش نظرا لتحصّن المدينة بالمناجنق،  و قساوة الظروف الطبيعية . و رغم ذلك إستعصى على سكان المدينة فك الحصار.  

خرج راهب المدينة من ديره يستخبر عن وضع مدينة القدس ، و مقاوميها، فوجدها محاصرة من قبل المسلمين الذين طالبوه بالإسلام ، أو الجزية ، أو مواصلة الحرب.  و في ذات الحين أطلعوه على بعض من تعاليم الإسلام ، كتسامحه مع الأديان السماوية الأخرى . فتوسّم الراهب خيرا في هؤلاء المحاربين،  و طلب منهم دعوة خليفتهم إلى القدس الشريف. فأرسل القائد "أبو عبيدة الجراح" " ميسرة بن المسروق العبسي"  ليبلغ الخليفة بالخبر. قبل "عمر بن الخطاب" الدعوة ، و رحل إلى القدس سنة 638 ميلادية ، و إستخلف "علي بن أبي طالب" على المدينة المنورة.  إلتقى بطْرِيقُ القدس بخليفة المسلمين، و دار حوار ديني جدي بينهما. و تأكد الراهب أن الرجل ورد ذكره في نصوص كتابهم . و أن عقيدة الإسلام هي عقيدة صحيحة . و بالتالي فُتِحَتْ أأبواب المدينة للمسلمين، و أقام الخليفة فيها عشرة أيام كاملة، و صلى بالمجاهدين في مسجدها. و عند مغادرة المنطقة كتب لأهل القدس العهد بالصلح و الأمان. 

  

معارك المسلمين في مدينة حلب "بيرويا" :

لم يقف الأمر إلى عند هذا الحد،  بل واصل الفاتحون المسلمون تحرير الشعوب من طغيان الملوك،  و إستبداد الأثرياء، و إظهار الإسلام على أنه الديانة الوحيدة التي ترتكز على الحق،  و العدالة و التسامح. في هذا الصدد أمر "أبو عبيدة الجراح" أمير الجيش "عياض بن غنم الفهري" بالتوجه إلى مدينة حلب لفتحها. و هي مدينة قديمة تعرضت للتخريب من طرف الفرس . تمكن المسلمون من دخولها دون قتال . بينما قلعة البَطْرِيق و السكان المحيطين بها في هذه المدينة،  هي التي كلّفت الجيش  الإسلامي أربعة أشهر من المواجهة الشديدة،  و القتال العنيف . لقد إستعصى على الفاتحين  إقتحامها، و كاد القائد أن يتخلى عنها، لولا إصرار الخليفة على متابعة المعركة . فُتحت القلعة بعد معارك ضارية  بعد أن وصل الجيش الداعم من خليفة الدولة الإسلامية. و بهذه الكيفية أذعن أهل المدينة للصلح و الأمان على أرواحهم و أعراضهم و أموالهم.  


مصر في دائرة إهتمام الفاتحين:

بعد إستكمال فتح الشام، توجه الفاتحون المسلمون سنة 641 ميلادية صوب مصر لتحريرها من البيزنطيين،  بجيش قوامه ثلاثة آلاف و خمسمائة مقاتل،  تحت قيادة "عمر بن العاص" . كان قرار فتح بلاد مصر من الخليفة "عمر بن الخطاب" نفسه،  الذي كلّف على الفور "عمرو بن العاص" بهذه المهمة أثناء وجوده بالشام.   أمدّه بجيش إضافي تحت إمرة "الزبير بن العوام" . و امتثالا لأوامر الخليفة غادر "عمرو" و جنده فلسطين، قاصدا مصر. و كان السبيل الذي إتخذه للوصول إليها، هو ساحل البحر المتوسط . 

كانت البداية من مدينة "عين الشمس". بلغ عدد الفاتحين  خمسة عشر ألفا مقاتل، و فاق عليه جند الروم بعدد يقارب عشرين ألف مقاتل من الفرسان و المشاة بقيادة تيودور . قسّم "عمرو" جيشه إلى ثلاثة فرق قصد محاصر العدو  الذي كان يجهل هذه التدابير.  دارت المعارك بشراسة كبيرة بين الجيشين سنة 641 ميلادية. إصيب خلالها جيش الروم بالذعر و الهلع، و الإرتباك . و إضطرب أمره و عمّت الفوضى في صفوفه، عندما علم أنه محاصر بجيوش العرب من كل مكان . لم يعد يخضع لنظام المنازلة، و لم يدر كيف يحمي نفسه ففر معظم أفراده، و لجأ بعضهم إلى حصن "بابليون" ثم تركوه و إختفوا . تخلى الجيش الرومي عن أهم المناطق، و لاذ إلى هذا الحصن.  على إثر هذا الإنتصار أخذ "عمرو" "الفيوم" و "إيواط".دامت المعركة خمسة عشر يوما .


فتح حصن بابليون : 

بقي حصن "بابليون" الذي كان يأوي فلول الجيش الرومي،  أمام طعمرو بن العاص" . و لفتحه يتطلب الأمر المزيد من المدد من جديد . لم تكن مشكلة المدد مستعصية على خليفة المسلمين . فزوده بأربعة ألاف من الفرسان، و معهم أمراء الجيش : "الزبير بن العوام"  "المقداد بن الأسود"، "عبادة بن الصامت"، و "مسلمة بن مخلب" . كان الحصن مقرا "لمقوقس" مصر على ضفة النيل . إقتحم "الزبير بن العوام" الحصن و فتح الباب للمسلمين. و قبل "مقوقس" مصر كل شروط الصلح : منها دفع الجزية للمسلمين . توجه هذا الحاكم إلى "الإسكندرية" و بهذه الكيفية سقط حصن "بابليون" نهائيا في يد الفاتحين و الذي دام حصاره سبعة أشهر .

بعد هذا الإنتصار توجه "عمرو" و جنده إلى "الإسكندرية" . كانت في طريق "عمرو" مدينة صغيرة محصنة تسمى "بنقيوس" . بها قائد "دومنتيان" جهّزه  "تيودور" بأسطول بحري كبير. فلما رأى "دومنتيان" إقبال الفاتحين عليه هرب إلى الإسكندرية، و هرب الجيش معه . فنزلهم المسلمون و قتلوا الكثير منهم . فرض الفاتحون حصارا محكما على الإسكندرية مدة ثلاثة أشهر.  بعدها قَبِل السكان الصلح مع المسلمين. و بهذه الطريقة صارت مصر تابعة للدولة الإسلامية سنة 642 ميلادية . لقد غادر المحتل البيزنطي  مصر، و إستقبل أهل البلاد المسلمين، و إعتنقوا دينهم دين القيم السامية التي تدعو إلى التحرر من ظلم الإنسان للإنسان، و الخضوع لله وحده.


مصادر البحث :

  1. د. محمد سعيد رمضان البوطي . فقه السيرة .
  2. د. محمود شاكر . الموسوعة الإسلامية . دار أسامة للنشر و التوزيع . الأردن .
  3. د. روجي غارودي . الفتوحات الإسلامية .



google-playkhamsatmostaqltradent