recent
أخبار ساخنة

نفوذ الجزائر في أفريقيا و الشرق الأوسط.





نفوذ الجزائر في أفريقيا و الشرق الأوسط.




 دوافع النفوذ الجزائري في ميدان الأمن 

من المعروف لدى المتتبعين : أن الإستراتيجين ، و رجالات الدولة   statesmen  في العالم ، يدركون من خلال تجاربهم الميدانية ، و مسارهم السياسي الطويل . أن عزم أية دولة على تخطي عتبة مجال النفوذ الإقليمي بنجاح ، يتطلب عدة إمكانيات : مادية و مكاسب تاريخية ، و قدرات بشرية هائلة . كما ذكرنا ذلك سابقا . لكي تكون في مستوى تلقي صدمات مختلف النزاعات السياسية ، و الصراعات الإقتصادية ، و الأزامات الدبلوماسية ،و التهديدات الأمنية في الإقليم . دون الوقوع في وحل الفشل. و تتعاطى بجدية في حلها ، بكل ثقة و ثبات ، و إتزان و صبر هذه الكيفية يُفسح لها المجال واسعا على تزعم الإقليم المراد ، و إحتوائه .


القول في هذا السياق يعني الدولة الجزائرية ، التي ظهرت خلال فترة وجيزة ، كقوة نافذة في القارة الأفريقية . وذلك لتوفرها على هذه المرتكزات مجتمعة . و نشاهدها الآن تتحرك بكل إحترافية فائقة في تصويب العلاقات السياسية ، و الأمنية لمعظم دول القارة من خلال مساعيها المكثفة في منظمة الإتحاد الأفريقي    The African Union . و توثيق الروابط الإقتصادية ، و التحكم في بعض آليات السوق الأفريقية في إطار سياسة أفريقيا للأفارقة . و محاولة جمع شمل العرب ، و توحيد رؤاهم حول القضايا المصيرية للأمة العربية ، من خلال الجامعة العربية .                                  


 

وضعية الإقليم الأفريقي الأمنية 

إن تداعيات الربيع العربي التي ظلت خطيرة جدا على وحدة الأمة العربية ، و الأفريقية منذ سنة 2011 ميلادية .         و الفوضى العارمة التي نجمت عن أزمة الدولة المالية ، قرب الحدود الجزائرية الجنوبية سنة 2012 ميلادية .           و الهجوم الإرهابي على مصنع عين أمناس سنة 2013 ميلادية . دفع السلطات الجزائرية إلى تعاونها الإستراتيجي ،    و توثيق علاقاتها الأمنية مع جيرانها الأفارقة ، من خلال مختلف هياكل التعاون الأمني الأفريقي . 


ويكفي في هذا المقام ، أن نبرز بإجاز الخطورة الكبيرة على أمن الأقليم الأفريقي برمته . صار الشمال الإفريقي بؤرة للتنظيمات الإرهابية لشمال أفريقيا . حيث عاد ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية ، و معقلا حصينا للتريبات على الأسلحة ، و نقطة إنطلاق لممارسة نشاطاتهم الإجرامية . و ما زاد في تصعيد التهديدات الأمنية  في هذا الإقليم ، تدفق الأسلحة بعد إنهيار النظام في "ليبيا" . و عودة المرتزقة منها لمساندة هذه التنظيمات الخطيرة . لقد تطورت المساندة إلى تعاون حقيقي بينهم . و لأدل على ذلك التنسيق بين القاعدة بالمغرب الإسلامي ، و جماعة "بوكو حرام" في "نيجيريا" و المسؤولة عن تفجيرات الإنتحارية في "أبوجا" سنة 2011 ميلادية . إن هذا الحادثة المروعة في الحقيقة هي الشاهد على نوايا الجهاديين الإجرامية .


كما نلاحظ هشاشة الأمن في مالي ، مكن المهربين و تجار الأسلحة ، و المخدرات من التحرك بحرية تامة في ربوع الصحراء . و تعدى نشاطهم إلى إختطاف الرعايا الأجانب ، و إلى إقتحام المنشآت النفطية ، و محاولة تفجيرها في الجنوب الجزائري . أبرز مثال على ذلك : إقتحام المنشأة النفطية في منطقة "تيقنتورين" الجزائرية سنة 2013 ميلادية من قبل مجموعة إرهابية . هذه المجموعة مجهزة بالأسلحة و السيارات ، و الخرائط التفصيلية للمنطقة الحدودية الجزائر الليبية . إذ شارك في العملية مسلحون ينتمون إلى ثمان جنسيات : "كندية" "فرنسية" "جزائرية" "مصرية" "ليبية" "موريتانية" "مالية" و "نيجرية" .أسفرت نتيجة المواجهة مع الجيش الجزائري عن سقوط أكثر من 40 ضحية من جنسيات مختلفة . 



مساهمة الجزائر الفعالة في نشر الأمن في أفريقيا 

أمام الوضع الأمني المتدهور بسرعة فائقة في الإقليم الأفريقي ، جنوب الصحراء ، أُرغمت الجزائر على التدخل بقوة ،    و المساهمة بفعالية في تثبيت الأمن في جزء من هذه القارة . إن من بين الشخصيات الدبلوماسية التي عوّلت عليها السلطات في الجزائر لمباشرة هذه المهام ، هو وزير خارجيتها "رمطان لعمامرة" الذي إحتل المنصب الدبلوماسي الأول في الإتحاد الأفريقي ، بعدما كان مفوض دائرة السلم و الأمن فيه  من سنة 2008 ـ 2013 ميلادية. تولت هذه الشخصية الجزائرية الفذة ، التي لقبت بسيد أفريقيا ، صلاحيات نافذة منها : تحضير جدول أعمال إجتماعات السفراء الأفارقة في مجلس السلم ، و الأمن الأفريقي ، لفض النزاعات الناشئة في القارة ، و مكافحة ظاهرة الإرهاب .


لم تدخر الجزائر جهدا في تدعيم مساعي الأفارقة الحميدة الهادفة إلى تثبيت الأمن في القارة ، من خلال تقوية لواء الإحتياط العسكري الشمالي ، الذي يعد بمثابة الوسيلة التنفيذية لمجلس السلم و الأمن المختص  بالتدخل السريع . كما يعود لها الفضل في تنفيذ خطة الإتحاد الأفريقي المبنية على توجيه الجهود ، و تنسيقها في مختلف أنحاء القارة ، قصد القضاء على الجماعات الإرهابية المسلحة .


إن التواجد الدبلوماسي الطويل ، جعل القارة تستفيد من الخبرة الجزائرية  في هندسة السلم و الأمن الأفريقيين . و قبل ذلك كان الرئيس الجزائري "أحمد بن بلة" رئيس لجنة حكماء أفريقيا منذ 2007 ميلادية . و هي هيئة تضم خمس شخصيات معروفة في أفريقيا ، يساهمون في تزويد رئيس الإتحاد الأفريقي بمعلومات إستشارية ، القصد منها تخفيف التوترات بين الأفارقة . بالإضافة إلى هندسة السلم و الأمن في القارة ، بادرت الجزائر في إطار التعاون الأمني لدى دول الساحل : "مالي" "النيجر" "نيجيريا" "السنغال" طبوركينا فاسو" "موريتانيا" ، بالقيادة الإقليمية للعمليات المشتركة لمكافحة الجماعات الإرهابية . و مقرها تمنراست . 


جهود الجزائر لصد الإرهابيين و الطامعين 

و أكثر من هذا كانت الجزائر داعمة لوحدات الإدماج  و الإرتباط لمساعدة المخابرات حول مكافحة الجماعات الجهادية في بلدان الساحل . هذه الوحدات أنشأها المركز الأفريقي للدراسات و البحوث حول ظاهرة الإرهاب .  أصبحت الجزائر الآن تتمتع بالدور القيادي ، و النفوذ في الإتحاد الأفريقي . لا يمكن الإتحاد الإستغناء عنها . و جاء ذلك النفوذ جراء إنفتاحها على التعاون الأمني مع جيرانها ، و للأداء الدبلوماسي الناجح في كافة المساعي في إطار الأمن و إستقرار المنطقة الإقليمية . هذه الخبرة الثمينة إسترعت إهتمام أمريكا لتقويم التطورات الأمنية و تطور السلم في أفريقيا .


إن الدولة الجزائرية كانت دائما واضحة في مبادئها ، و مواقفها إتجاه الغير . فهي محايدة لا تتدخل في شؤون الدول مهما كانت درجة علاقاتها بهم ، كما لا تسمح لهم بذلك . و على هذا الأساس ، فهي تناضل من أجل نشر السلام ، و الأمن الدوليين . و مناصرة الحق ، و العدل خاصة في قارة أفريقيا . و تناهض كل من يتسبب و النزاعات ، و التوترات التي قد تؤدي بلا شك إلى الفتن ، و الحروب و الصراعات بين الشعوب . و أبرز مثالا على ذلك التدخل الأجنبي في الساحل الأفريقي و في المنطقة العربية " الربيع العربي" و هي صامدة في عرقلة مساعي وأعداء الشعوب التي تطمح إلى زعزعة إستقرارهم ، و تجتهد بثبات و بعزيمة فولاذية لصون منظمة الإتحاد الأفريقي من الإختراق الأجنبي الذي ينوي لا محالة التوغل فيه لنشر الشقاق بداخله و إضعافه ليهين نهب خيراته الطبيعية . 


مساعي الجزائر في جمع شمل العرب 

منذ إنضمام الجزائر إلى الجامعة العربية سنة 1962 ميلادية ، و هي تسعى جاهدة في لم شمل العرب ، و جمع كلمتهم   و توحيد رؤاهم حول القضايا القومية العربية المصيرية في السلم و في الحرب . و الإبتعاد قدر المستطاع عن ما يسيء إلى سمعتها من سلوك قد يؤدي إلى التقصير ، أو التخلي عن هذا الوطن الكبير . في هذا المضمار رفضت الجزائر رفضا قاطعا إرسال جنودها إلى "السعودية" لمحاربة "العراق" إلى جانب "أمريكا"و "بريطانيا" سنة 2003 ميلادية تحت ذريعة إمتلاك العراق سلاح الدمار الشامل . و عارضت التدخل العسكري في "اليمن" و المشاركة في عملية "عاصفة الحزم" سنة 2015 ميلادية .لقد ظلت جهود الجزائر الصادقة حقيقة تعلمها شعوب الوطن العربي ، و تجلها أنظمتها . و هي لا تتغير إلى حد الساعة .


أما الآن و في هذه الظروف الخطيرة التي فرضت التحولات الدولية ، فإنها بقيت وافية لمبادئها ، و لم تنحرف عنها شبرا واحدا في السعي لتوحيد صفوف العرب . و هذا رغم إجتيازها أهوال المأساة الوطنية . إنها تقف بعناد مع قضية الشعب الفلسطيني الذي لا زال يكافح من أجل التحرر منذ 1948 ميلادية . و ترافع بلا هوادة من أجل هذه اقضية العادلة ، من خلال الهيئات الدولية ، و المنظمات الإقليمية . و هي التي وضعت كل الإمكانيات المادية و الدبلوماسية تحت تصرف القيادة الفلسطنية لإعلان ميلاد دولتهم في الجزائر .سنة 1988 ميلادية .


في شأن الحرب الظالمة التي عاش أحداثها الشعب السوري سنة 2011 ميلادية ، كان موقف الجزائر منها واضحا . فلقد عارضت بشدة التدخل الأجنبي فيها ، حفاظا على وحدة البلاد و إستقرارها . و رفضت تسليح الجماعات المعارضة للنظام السياسي لسلطات هذا القطر. و رغم تضارب المواقف العربية اتجاه هذه القضية ، فالجزائر حافظت على العلاقات الدبلوماسية الطبية مع سوريا . و هي تناضل من أجل عودتها إلى حاظرة الجامعة العربية ، سعيا منها إلى جمع شمل العرب .

و يبدو أن مساعي الجزائر لرأب صدع وحدة المجتمع العربي ، لم تنته بعد . ففي شأن الدولة الليبية التي أطيح بزعيمها سنة 2011 ميلادية ، حالت دون تقسيم ترابها . و وقفت موقفا دبلوماسيا مشرفا لإيقاف التدخل الأجنبي ، و تموين الحرب بالمرتزقة . و أعتبرت أن ما يحدث في هذا البلد الشقيق يهدد أمنها على الحدود الشرقية .و بسبب هذا الوضع المتردي راجعت السلطات في الجزائر البعض من بنود دستورها ، ليكون جيشها أكثر فعالية أمام قضايا الأمن الأفريقي .





مصادر البحث :

بنجامين نيكلز: باحث في قضايا الإرهاب . مركز أفريقيا للدراسات الأستراتيجية .

بن عائشة محمد الأمين : باحث في العلوم السياسية . المركز الديمقراطي العربي .

تقرير مركز الجزيرة للدراسات . 29 / 01 / 2014 . الجزائر و الإنتقال إلى الدور اللاعب في أفريقيا .

جريدة الشروق الجزائرية .17 / 10 / 2012 .

الكاتب أيمن الأمين . العرب و العالم .28 / 03 / 2015 .



google-playkhamsatmostaqltradent